الحقوق المالية لشركاء الأقلية في المنشأت التجارية
عبدالعزيز سعود الشبيبي
محاسب قانوني
تتزايد في السنوات الأخيرة الخلافات بين الشركاء أو المساهمين في داخل بعض المنشأت التجارية عَلى اختلاف اشكالها ويعود أهم أسباب الخلافات الى اعتقاد بعض الشركاء أو المساهمين وخاصة الأقلية منهم تحقيق مجموعة من المساهمين أو الأغلبية المسيطرة أو أعضاء مجلس الادارة أو اداراتها التنفيذية منافع من المنشأة التجارية من خلال معاملات تجارية تتم بينهم وبين المنشأة وفق شروط وأسعار تفضيلية يحققون من خلالها مصالح خاصة على حساب مصالح الأقلية من الشركاء أو المساهمين أو أرباح غير اعتيادية تتسبب في تخفيض ما كان بإمكان المنشأة التجارية تحقيقه من أرباح سنوية أو تحويل تلك الأرباح الى خارج المملكة من خلال معاملات تجارية مع أطراف خارج البلاد في حال شركات رأس المال المختلط أو الأجنبية.
كذلك تمثل هذه التعاملات التجارية والتعويضات والمزايا المالية للإدارات التنفيذية مع الأطراف ذات العلاقة داخل الشركات العائلية أحد أسباب الخلاف داخل بعض الكيانات العائلية والتي تصل الى حد النزاعات القضائية حين يعتقد أصحاب الأقلية تسببها في آثار سلبية جوهرية على نتائج أعمال الشركة العائلية وموقفها المالي فِي ظل عدم وجود دستور عائلي ونظام حوكمة مفعّل وسياسات واجراءات مكتوبة وموافق عليها من الملاك تنظم أعمال الشركة والعلاقة بين الشركة والملاك وايضاً العلاقة فيما بين الملاك أنفسهم.
حرص نظام الشركات السعودي فيما يتعلق بالشركات المساهمة على تنظيم التعاملات مع أعضاء مجلس إدارة الشركة اللذين لهم مصالح مباشرة أو غير مباشرة في الأعمال والعقود التي تتم مع الشركة من خلال الحصول على موافقة مسبقة من جمعية المساهمين بعد عرض تفاصيل تلك التعاملات مصادقاً عليها من مراجع حسابات الشركة الخارجي مع عدم تطرق النظام الى تنظيم هذه التعاملات فيما يتعلق بالشركات ذات الأشكال النظامية الأخرى.
كذلك حرصت هيئة السوق المالية على تأطير العلاقة بين الشركات المدرجة في السوق السعودي وأصحاب القرار داخل تلك الشركات لحماية مصالح المساهمين وخاصة الصغار منهم من أي أضرار قد تقع عَلى المساهمين نتيجة وجود تعارض مصالح في القرارات التي يتخذها اصحاب القرار من أعضاء مجلس إدارة الشركة من خلال لائحة حوكمة الشركات الصادرة عنها والتي وضعت قواعد لقيادة الشركة وتوجهها تشتمل على آليات لتنظيم العلاقات المختلفة بين مجالس الإدارة والتنفيذيين والمساهمين وأصحاب المصالح وذلك بوضع قواعد وإرشادات وإجراءات محددة لتسهيل عملية إتخاذ القرارات وإضفاء طابع الشفافية والمصداقية عليها بغرض حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح وتحقيق العدالة والتنافسية والشفافية.
ينحصر دور المعايير المحاسبية في التحقق من أن القوائم المالية للمنشأت تتضمن الإفصاحات اللازمة للفت الانتباه الى وجود تلك المعاملات وما قد يكون لها من أن آثار على نتائج أعمال المنشأة ومركزها المالي سواء بالتضخيم أو العكس والتي تمثل أهمية كبرى لكثير من المستفيدين ومتخذي القرار ولعل أهم هؤلاء المستفيدين أصحاب الأقلية والتي قد تتسبب لهم بعض من تلك التعاملات بالاضرار المباشرة الناتجة عن آثار تلك المعاملات السلبية على نتائج أعمال المنشأة ومركزها المالي. كذلك حددت المعايير المحاسبية ذات الصِّلة المعلومات المالية وغير المالية التي يتوجب على المنشأت التجارية والتي لديها تعاملات مع أطراف ذات علاقة الإفصاح عنها في قوائمها المالية لتمكين مستخدمي تلك القوائم من فهم طبيعة العلاقة والتعاملات التي تمت بين المنشأة وتلك الأطراف وشروط التعاقد والأسس المتبعة في تسعير تلك التعاملات.
يقوم مراجعي الحسابات عند قيامهم بتنفيذ اجراءات المراجعة المختلفة باختبار اكتمال قائمة الأطراف ذات العلاقة بالنسبة للمنشأة التجارية وفهم تلك التعاملات ثم التحقق من كفاية العرض والافصاح عن التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة في القوائم المالية وفق متطلبات العرض والافصاح للمعايير المحاسبية وقد يُطلب من مراجعي الحسابات إصدار تقرير منفصل عن تلك التعاملات وفق ما تقتضيه متطلبات نظام الشركات أو نظام هيئة السوق المالية.
تمثل التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة وتعارض المصالح مشكلة حقيقة وكبيرة بالنسبة للشركات التي لا تقع ضمن الشركات الخاضعة لمتطلبات نظام الشركات ولا لمتطلبات هيئة السوق المالية ولعل الغالب منها يتكرر مشاهدته في الشركات ذات المسؤولية المحدودة حيث يلاحظ في الآونة الأخيرة قيام كثير من الشركات المختلطة او الأجنبية بالكامل بإجراء تعاملات كثيرة وجوهرية وبعضها معقد مع أطراف ذات علاقة معها تتم عادة مع الشركة الأجنبية الأم أو الشركات الشقيقة الأجنبية تتعلق في غالب الأمر بمشتريات من تلك الجهات او خدمات مقدمة او تسهيلات مالية مقابل رسوم وجميع هذه التعاملات بأسعار مبالغ فيها وبعضها قد يكون مقابل خدمات غير ملموسة ويصعب التحقق منها وهو ما يؤدي في نهاية المطاف الى تخفيض الأرباح التي يمكن أن تحققها المنشأة التجارية أو تحويل تلك الأرباح من المملكة الى دول أخرى تخضع لضرائب أقل وهو مايعرف بمصطلح تسعير المعاملات (Transfer Pricing) او في بعض الحالات إظهار نتائج أعمال الشركة خاسرة بشكل كبير.
تسعى تلك الشركات الأجنبية من خلال ما يعرف بالتخطيط الضريبي الى الأعتراف بارباحها وإثباتها خارج المملكة وتفادي دفع القدر الحقيقي المستحق من الالتزام الضريبي والاستفادة من ذلك أحياناً في ما تدفعه من ضرائب خارج المملكة. يقف الجميع مذهولاً أمام ما تحققه تلك الشركات المختلطة والأجنبية بالكامل من ايرادات تصل الى المليارات من الريالات سنوياً ينتهي بها الأمر في أسفل قائمة الدخل الى أرباح زهيدة جداً لا تتجاوز الواحد في المائة لمن يشعر بالخجل وقد تكون خسائر كبيرة لمن هم غير ذلك.
تتسبب تلك التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة بأضرار كبيرة لعدة جهات لعل أولها خزينة الدولة والتي تفقد فرصة إخضاع الأرباح الحقيقة لتلك المنشأت المختلطة والأجنبية الى المبلغ المستحق عليها من الضريبة حتى وأن أخضعت البعض منها والتي تُقدم في شكل خدمات الى شرائح أقل من الضرائب تعرف بضريبة الاستقطاع وحتى وأن كانت الرسوم الجمركية ستكون أعلى في حال تضخيم قيمة المشتريات المستوردة الا أن الفروقات تظل جوهرية وذلك في ظل غياب نظام يحمي اقتصاد الوطن من عملية تهريب الأرباح باستخدام آلية تضخيم تكاليف المشتريات الأجنبية، وقد يكون ثانيهم الشريك او الشركاء المحليين اللذين دائماً ما يقفون عاجزين عن الاعتراض عن تلك التعاملات في ظل عدم وجود نظام يمنعها وبعد ما أعطو حق الادارة الى الشريك الأجنبي من خلال السماح له بتملك حصة الأغلبية في الشركة وما ترتب على ذلك من سيطرة شبه تامة على أعمال المنشأة التجارية ومصالحها وضياع لبعض حقوق الأقلية من الشركاء المحليين.
على الرغم من كافة الظروف السلبية بالنسبة لأصحاب حقوق الأقلية الا أن البعض منهم قد يرى أنه لا يزال يحق له الأعتراض على تلك التعاملات التي تمت بشكل يخدم مصالح الشريك الآخر وتسببت لهم بأضرار مالية تصل في حالات منها الى الإنفاق على الشركة من أموالهم الخاصة وذلك بالقياس على ما نص عليه نظام الشركات السعودي من متطلبات بهذا الخصوص بالنسبة للشركات المساهمة والتي تمثلت في ضرورة عرض تلك التعاملات المتوقعه على ملاك الشركة خلال الجمعية العمومية والحصول على موافقتهم المسبقة او الاعتراض أيضاً بعدم وجود سياسات واجراءات مكتوبة وموافق عليها من قبل الملاك تنظم أعمال الشركة ككل ومنها شروط التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة وآلية التسعير العادلة وحماية كافة الملاك من ما قد تسببه تلك التعاملات من تعارض للمصالح يَصْب في صالح طرف على حساب الطرف الآخر.
وقد تكمن الحلول لهذه الظاهرة في قيام وزارة التجارة والأستثمار من خلال ما تقوم به دورياً من مراجعة للأنظمة في إضافة نفس المواد النظامية التي تنظم التعاملات مع أعضاء مجلس الإدارة بشكل مباشر وغير مباشر بالنسبة للشركات المساهمة الى مواد النظام الخاصة بالشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن وشركات التوصية البسيطة وكذلك قيام الهيئة العامة للزكاة والدخل من خلال ما تشهده من تحولات تاريخة الى سن الأنظمة والتشريعات التي تمنع تحويل الأرباح من المملكة الى دول أخرى وكذلك تحويل الأرباح من منشأة الى أخرى داخل المملكة.
على الرغم من جميع ما ذكر وما قد يتوفر لدى أي منشأة من أنظمة وإجراءات ولوائح حوكمة وغيرها مكتوبة ومطبقة، تظل التعاملات مع الأطراف ذات العلاقة محل تسأول متزايد وشك تختلف درجته من حالة الى أخرى ويبقى الهاجس الأكبر لدى البعض هل تم الأعلان والأفصاح عن كامل تلك التعاملات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً