قاعدة القرار التجاري
د. ملحم بن حمد الملحم
من إحدى الميزات لقانون معين أن يتسم بشيء معقول من الوضوح والمعيارية التي تمكن المشمولين به من التعامل به، أو على الأقل تمكنهم من التنبؤ بمآلات هذا القانون والنتائج المتوقعة للالتزام به أو مخالفته. يمكن القول إنه لا تخلو القوانين من شيء من الغموض، لكن تختلف نسبة هذا الغموض من قانون إلى قانون، وبناء على الوضوح والغموض تتميز تجارب الدول في التعامل مع قوانينها. هذه المقالة تعرض مبدأ مشهورا في البيئة القانونية والقضائية فيما يتعلق بإدارة الشركات، يطلق عليه Business Judgment Rule وسأصطلح على تسميته بقاعدة القرار التجاري.
تفترض هذه القاعدة بشكل موجز أن مجلس الإدارة أو المدير بنى أو يبني قراراته لمصلحة الشركة بناء على أساس مدروس ولم يخالف واجب العناية والولاء. والأهم من هذا الافتراض أو النتيجة العملية لهذا المبدأ هو أن المحكمة عند التقدم بدعوى على مجلس الإدارة، فإنها لن تنظر في قرار المجلس التجاري. وبناء على ذلك فسيكون على المدعي عبء إثبات خلاف ذلك إضافة إلى غيره من المتطلبات.
هذا المبدأ لا يخلو ولا يسلم من المناقشة، لكن الفكرة الأساسية منه هي السعي نحو عدم إقحام المحكمة في مسائل تستهلك وقتها، وهذا مهم كي لا يكون دور المحكمة بدلا من أن يكون الفصل في المنازعات فيما يتوافق أو يخالف الأنظمة والعقود يصبح دورها اختيار القرارات التجارية للشركة وتقرير ما هو تجاري لها أو ما هو مثمر لها ماليا.
في المقابل نجد أن نظام الشركات السعودي 1437هـ جاء ليقرر أن لمجلس الإدارة أوسع الصلاحيات في إدارة الشركات، وترك مسألة الإدارة والترافع بخصوصها مفتوحة أو عائمة؛ بجعل لمن تضرر بسبب أخطاء مجلس الإدارة أن يقيم دعوى في مواجهته. ومن المعلوم أن كلمة خطأ كلمة عامة ولا تخلو الأعمال التجارية من الأخطاء، بل يمكن القول إن العمل التجاري قد يعد خطأ بالنسبة لشخص، بينما لا يعد خطأ بالنسبة لشخص آخر، كما أن تقرير هذا الخطأ ستقوم المحكمة بتقييمه دون أن يكون لذلك التقييم إطار واضح.
تكمن أهمية هذه الفكرة في أنها تسعى لمناقشة الديناميكية والتفاعل بين المساهمين أو أي طرف يتعامل مع إدارة الشركة من جهة، ومن جهة أخرى تسعى لعرض أهمية أن يشعر المديرون بالوضوح فيما يريده القانون بالتحديد من المديرين، وما يسعى القانون لتحقيقه وضمانته. السعي نحو إيجاد فلسفة واضحة للمتعاملين به من مستثمرين ومساهمين أو شركاء ومديرين وقضاة سيكون له آثار إيجابية على أكثر من صعيد.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً