إن العدالة البطيئة والعدالة الغائبة أو بغير تنفيذ سواء بسواء، كل منها سوء وظلم بين. ودليل حق الخصوم على القاضي التزام السرعة في قضائه في الآيتين الكريمتين من سورة ص ” فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ “ ،،” فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ” حرف الفاء العاطفة المقترن به فعل الأمر ” فاحكم ” ذلك أن الفاء العاطفة عند علماء اللغة قد ترد عاطفة على ما قبلها فتفيد الترتيب والتعقيب أما إذا كانت عاطفة على محذوف مقدر قبلها كما في الآيتين المذكورتين فإنها لتوحي بالسرعة في تحقيق الأمر( ) .
وبحسب أهمية السرعة في الأداء القضائي التأكيد عليها مطلبا وتكليفا،ولئن كان مما يلحظ أن حرف الفاء لم يرد في قوله تعالى
” قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ “الأنبياء 112، ذلك أن الله سبحانه وتعالى العلي القدير، وقد اكتملت ذاته العالية، بأن أكرم السرعة بصفاتها حين القضاء والفصل، نذكر منها تسعة مواضع من الذكر الحكيم وهي قوله تعالى “”.. وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” (البقرة 202 )
[” فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( آل عمران 19 )
” إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( ال عمران 199 )
” وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( المائدة 4 )
” إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ” (الانعام 165)
-” وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( الرعد 141). “لِيَجْزِي اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” (ابراهيم 51) . ” حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( النور 39). ” الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ” ( غافر 17 ).
وقد ذهب رأي الجمهور أنه لا يجوز للقاضي تأخير الخصوم إذا تنازعوا إليه إلا من عذر، ويأثم إذا أخر الفصل في النّزاع بدون وجه حقّ ويعزر ويعزل، ولا يجوز للقاضي تأخير الحكم بعد وجود شرائطه إلا في ثلاث : الرّيبة، ولرجاء صلح الأقارب، وإذا استمهل المدعي وكذا المدعى عليه في حالة تقديم دفع صحيح يطلب مهلة لإحضار بينة( ) وإذا كان الواقع المتغير يملي، بحكم طبيعة الأشياء، سرعة الحصول على الحق في الوقت المناسب باعتبار أن العدالة ليست فقط هي إعطاء كل ذي حق حقه ولكنها إعطاء كل ذي حق حقه في الوقت المناسب وأن العجلة من طبائع البشر حيث خلق الانسان عجولا فلو خير الدائن بين أن يأخذ حقه الان أو غدا لاختار أن يحصل عليه الان وبغض النظر عن أي شئ أخر الا أن هذا الاستعجال لا يصلح كأداة لفن التوفيق بين المصالح المتعارضة( )
ويلقي حق الخصوم هذا التزاما على عاتق القاضي أن يبذل وسعه في انجاز عمله بهمة ونشاط دون تراخي وأن يقتصد فيما يضربه من آجال، وأن يحث معاونيه ومن يندبه في عمل من أعماله وأن يرقب فيهم ذات الهمة في الأداء، و ننوه هنا إلى أهمية استخدام وسائل الاتصال الحديثة سيما الفاكس الكمبيوتر وشبكة الانترنت في مجال تخزين ونقل المعلومات والاستفادة منها في مجال الأعمال الإجرائية وما يقتضيه ذلك من العمل على تنظيم قواعد تحكم هذا الاستخدام في إطار الضمانات والمبادئ الأساسية التي تدور هذه الأعمال في فلكها والاستعانة بالنظم القضائية في القانون المقارن التي حققت بها نتائج مذهلة واستفادت منها في سرعة الفصل في المنازعات وتوفير الوقت والنفقات وتقليل عدد الدعاوى.
أما في الجانب التنظيمي الإجرائي فإن الآمر يقتضي، من المشرع أو من السلطة التي تتولى التنظيم الإجرائي، التيسير قدر الإمكان في الأعمال الإجرائية أخذا بالأفكار الحديثة فيالإدارة الفعالة للدعوى بطريق المشاركة (19) وإعادة النظر في الإجراءات التي تمثل عبء على الخصوم أو هدرا لوقت العدالة الإجرائي .
والواقع التشريعي في مصر أو في مثيله الفرنسي لم يتضمن نصا إجرائيا يلزم القاضي سرعة الفصل فيما يعرض عليه من منازعات إلا في أحوال الاستعجال بشروطها والنص عليها وتمثل استثناء يسيرا من الأصل في جملة المنازعات، وكذا الأحوال التي يرى المشرع نظرها على وجه السرعة بنصوص تنظيمية لا إلزام فيها على القاضي( )
ومؤخرا تعالت النعرات الدولية لحث التشريعات الداخلية على تنظيم هذا الحق بنصوص عامة، من ذلك ما نصت المادة 6/1 من الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بأن حثت على أحقية كل فرد في سماع دعواه بإنصاف وعلانية خلال مدة معقولة ..
“. « toute personne a droit à ce que sa cause soit entendue équitablement، publiquement et dans un délai raisonnable، par un tribunal indépendant et impartial، établi par la loi (…) ».
هذا المبدأ تضمنته ايضا مجموعة مجلس توحيد مبادئ قانون المرافعات الفووطنية تعبيرا عنه بقولها أن ” تأخير العدالة إنكار لها.” “justice delayed is justice denied.” . ( )
وقد تقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا ” أن إنكار الحق فى الترضية القضائية ــ سواء بمنعها ابتداء، أو من خلال إرهاقها بقيود تعسر الحصول عليها، أو عن طريق تباطؤ ملحوظ فى تقديمها، مؤداه أن من يطلبونها لا يقتضونها في وقتها الملائم، أو يردون أصلاً عنها، أو يحصلون على قدر منها بعد انتقاصها من أطرافها( ) ، مما يعتبر إهدار للحماية التي كفلها الدستور أو المشرع للحقوق على اختلافها، وإنكاراً لحقائق العدل فى جوهر ملامحها وتوجهاتها غير أنه يتعين مراعاة أن السرعة ينبغي ألا تختلط بالتسرع وذلك إذا كان من شأنها الإخلال بالضمانات الأساسية للتقاضي فلا يكون من شأن السرعة في الفصل إهدار حق التقاضي بإغلاقه أمام الخصم إذا ما طلب تعديل طلباته أو إضافة طلبات جديدة استوفت شروطها الإجرائية أو المصادرة على حق الخصم في المواجهة والدفاع ومنحه الأجل المناسب لمباشرة هذا الحق .
إن خطيئة نبي الله داود التي ركع بسببها وأناب، أنه قضى بأن قال ( لقد ظلمك) قبل أن يتثبت ويستمع إلى الخصم الأخر فربما كان صاحب النعجة الواحدة هو الظالم( )، وفي ذلك نستخلص بيانا لسرعة أخلت بضمانة حق الدفاع وهي الضمانة التي أفصح عنها الحديث الشريف عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثني رسول الله إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء فقال : إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الأخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء . (رواه أبو داوود ).
هذه الضمانات كما يتعين على القاضي التزامها في قضائه بين الناس، فإنها أيضا وبالمثل التزام على المشرع الإجرائي يتعين أن يراعيها في تنظيم الأعمال الإجرائية ولا يلتفت عنها أو يتجاوزها ولو كانت غايته تحقيق السرعة في الفصل في الخصومات من أجل ذلك اشترطت محكمتنا الدستورية العليا في الذريعة الخاصة بتيسير الإجراءات وتحقيق السرعة فى حسم المنازعات، أن لا تهدر المبادئ الدستورية
المستشار / احمد ابراهيم رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً