بعد ثورتين عظيمتين فى تاريخ مصر الحديث ، مازالت دواوين الحكومة ” وتكايا تنابلة السلطان ” تعمل بنفس الروح الانهزامية ، وسط ترهل وتمدد من جيوش الموظفين الذين هم بلا فائدة او جدوى سوى إرهاق ميزانية الدولة ،و التفنن فى تعذيب المواطنين وتعطيل مصالح الناس ، وهو الامر الذى يرتبط بعدم تفعيل مبدأ الثواب والعقاب , فالنظام التأديبى يجب ان يكون قادرا على ردع العاملين الذين يتعمدون الاضرار بالمال العام , و تعمد تعطيل مصالح الجمهور, و هو ما يرتبط ارتباطا مباشرا بالعقوبة التأديبية, و الواقع إن السمة الغالبة للتأديب فى مصر , هو ضعف العقوبة وعدم وجود الردع الكافى.
ان من اهم الاسباب التى ادت الى ضعف العقوبة التأديبية, وجود عيوب تشريعية فى نصوص التأديب بقانون العاملين المدنيين بالدولة وهى.
اولا.. ضعف العقوبات التأديبية المقررة للعاملين الذين انتهت خدمتهم,
اذ اتجه المشرع ابتداء الى النص فى المادة 21 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 على ان الجزاءات التأديبيـة التى يجوز للمحاكم التأديبية توقيعها على من ترك الخدمة هي غرامة لا تقل عن خمسة جنيهات ولا تجاوز الأجر الإجمالي الذي كان يتقاضاه العامل, او الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على 3 أشهر, او الحرمان من المعاش فيما لا يجاوز الربع, وتستوفى الغرامة بالخصم من المعاش فى حدود الربع شهريا أو من المكافأة أو المال المدخر أن وجدا أو بطريق الحجز الإدارى, بيد ان المشرع عاد واصدر القانون رقم 115 لسنة 1983 الذى تضمن تعديل لنص المادة (88) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة التى تنص على أنه يجوز أن يوقع على من انتهت خدمته غرامة لا تقل عن خمسة وعشرين جنيها ولا تجاوز خمسة اضعاف الأجر الأساسى الذى كان يتقاضاه العامل فى الشهر
> انه بموجب القانون 115 لسنة 1983 تم الغاء عقوبتى الحرمان من المعاش مدة لا تزيد على 3 أشهر, و الحرمان من المعاش فيما لا يجاوز الربع, رغم انهما عقوبتين رادعتيان, ويعدان بالتالى جزاءات ملائمة لا سيما فى احوال العقاب على المخالفات التأديبية المالية الجسيمة, التى تعد خطورتها وضررها البالغ على المال العام, المسوغ لجواز تتبع الموظف تأديبيا بعد انتهاء خدمته, بيد ان المشرع لم يفعل ذلك.
> حددت المادة 21 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 آليات ميسرة لتنفيذ عقوبة الغرامة وتحصيلها, اذ نصت على ان يستوفى مبلغ الغرامة بالخصم من المعاش فى حدود الربع شهريا, فى حين الغت ذلك المادة 88 رغم ما كان يتصف به اجراء الخصم من المعاش لتحصيل الغرامة بالسهولة و اليسر ومن ثم لم يتبق من اجراءات لتنفيذ حكم الغرامة وتحصيلها الا الحجز الادارى على اموال الموظف , وهو اجراء غير ميسر للجهات الادارية اتخاذه فى اغلب الاحيان .
> بسبب انخفاض قيمة العملة منذ عام 1983 وحتى الان, لم يعد الحد الادنى للغرامة المحدد بخمسة عشرين جنيها, مناسبا لتحقيق اى ردع على المخالفات التأديبية, فضلا عن ان القيمة الزهيدة لمبلغ الخمسة والعشرون جنيها , تؤدى الى العزوف عن اتخاذ اجراءات الحجز الادارى لتحصيلها, ونخلص مما تقدم الى ان المثالب الواردة بالمادة “88 “ من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978, ادت الى اهدار جدوى المساءلة التأديبية بعد ترك الخدمة.
ثانيا.. العقوبات التأديبية التى يجوز توقيعها على شاغلى وظائف الادارة العليا ,
و التى حددتها المادة– 80 – من القانون رقم –47 لسنة 1978– جاءت قاصرة عن تحقيق مبدأ التناسب بين كافة درجات جسامة المخالفات التأديبية, والعقوبة التأديبية, والتى نصت على اربعة عقوبات فقط هى التنبيه و اللوم والاحالة الى المعاش والفصل من الوظيفة, ويجوز لجهة الادارة توقيع جزائى التنبيه و اللوم, فى حين يقتصر توقيع جزائى الاحالة الى المعاش والفصل من الوظيفة, على المحكمة التأديبية لمستوى الادارة العليا.
ويلاحظ فى هذا الصدد ان جزائى التنبيه واللوم غير رادعيين على الاطلاق, فهما ليسا اكثر من عقوبات معنوية غير مؤثرة على الموظف, فى حين ان الجزائيين الاخرين الاحالة الى المعاش والفصل من الوظيفة لا يتم توقيعهما الا للعقاب على المخالفات الجسيمة التى لا يصلح مرتكبها للاستمرار فى الوظيفة العامة, ومن ثم تتحرج المحكمة التأديبية فى توقيعهما على المخالفات المتوسطة الجسامة , فلا يكون امامها الا توقيع احد جزائى التنبيه او اللوم, وهو ما يشكل خللا فى العقوبة التأديبية.
ثالثا.. اغفل المشرع النص على وجوب تشديد العقوبة التأديبية فى حالة العود
اذا ثبت تكرار ارتكاب الموظف لذات المخالفة خلال مدة زمنية محددة, اذ ان تكرار ارتكاب الموظف ذات المخالفة فى فترة زمنية معينة, ادعى الى تشديد العقاب عليه, طالما لم يفلح العقاب السابق فى ردعه, والقول بغير ذلك يجعل من العقوبة التأديبية قاصرة و عاجزة عن التطور اللازم لتحقق اهدافها بضبط سلوك الموظف و تقويمه.
رابعا.. اغفل المشرع النص على تحديد العقوبات التأديبية التى تلتزم السلطة التأديبية بتوقيعها,
والتى ينبغى ان تكون مشددة, للعقاب على المخالفات التأديبية الجسيمة, مثل الجرائم العمدية التى تضر بأموال الدولة, او بالامن القومى للبلاد, او المخلة بالشرف والاعتبار, اذ من غير المقبول ان يعاقب مختلس او مرتش بجزاءات هينة, مما يشجع على استمرار الفساد والاستهانة بالواجبات الوظيفية والاجتراء على حرمة المال العام وتعطيل مصالح المواطنين.
بقلم : المستشار د. إسلام إحسان
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً