العنصرية التجارية وفقاً لنظام المنافسة السعودي

العنصرية التجارية
د. فيصل بن حماد
في زحمة المواضيع ذات الأهمية للسوق السعودي، وآخرها شراء “العملاقة” أرامكو لسابك بقرار استراتيجي، إلا أنه يلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور نوعية من “المناطقية” بالطرح تتلبس برداء التجارة وتكيل ب “نبوغ” أهالي مناطق معينه دون أخرى

الأدهى من ذلك، أن يتوشح هذا النبوغ التجاري بمشالح “الدين” لتجيير بعض الصفات كالإخلاص في العمل، والأمانة، والصدق، والشفافية، والصبر، والرضا بالقليل من الكسب وكأنها “سمات” امتاز بها أهالي هذه المناطق على حساب الآخرين من أبناء الوطن، فلغة الوطن “أسمى” من هذه المناطقية التي تتاجر بشرخ نسيجها الاجتماعي لتسويق نفسها

لقد كانت التجارة منذ القدم تنشأ لتوفر التخصصية واليد “الحرفية” لخلق أنشطة اقتصادية، كذلك تنشأ في مناطق تتسم بميزات في الموارد الطبيعية تختص بها عن غيرها، فسكان السواحل نشأت عندهم تجارة الأسماك واللؤلؤ، وسكان المناطق الزراعية يمتازون بتخصصهم في المحاصيل والتوابل والثروة الحيوانية. ومن هنا نشأت تجارة “نقل” البضائع من مكان إلى آخر من أجل الكسب

بالنسبة للصفات الأخلاقية، فهي “عوامل” مساعدة لخلق “الولاء” التجاري، فالكثير من الشركات تعي أن تكلفة جذب عميل جديد تعادل ثلاثة أضعاف تكلفة المحافظة على عميل حالي، فنجد مثلاً، عملاق السوبرماركت الأمريكي “وال مارت” يقطع وعداً لزبائنه بأن “أسعارنا دائما هي الأقل”. في المقابل، يتعاطى هذا “الوال مارت” مع جميع الموردين للبضائع “بشراسة” سعرية وعدم ولاء في حال توفر اي من بضائعه عند مورد جديد بسعر أقل و بجودة مرضية للمحافظة على زبائنه

من خلال هذة الآلية، استطاع هذ العملاق التجاري من تحقيق صفات أخلاقية كالصدق، والأمانة، لكسب الولاء لأن أرباحه لاتقوم على الربح من التسعير المرتفع للقطع المباعة بحكم طبيعتها الاستهلاكية، ولكن على حجم الكميات المباعة وسرعة تدويرالمبالغ المستثمرة في شراءالبضائع وبيعها في أقصر وقت

قد تكون هذه الآلية هي السبب في تفشي “ظاهرة” الثقة في المنتجات الأجنبية خصوصاً “الغربية” لدى الكثير على حساب الأسماء المحلية “الناقلة” لهذه البضائع والتي تبيعها بأسعار تتجاوزأضعاف أسعار مكان المنشأ على الرغم من ارتفاع تكاليف اليد العاملة، والضريبة، والنقل والتخزين، وفرق العملة

يتضح أن رحلة الشتاء والصيف كانت أذكى مما تلاها، فقد تكبد العرب قبل الإسلام مشقة السفر، والتي تطورت مع تطور زراعة وإنتاج “اللبان” في أرض اليمن، لتوفير احتياجات “المعابد” والثقافات التي كانت تستخدمه. واكتسبت تجارة اللبان وحركة نقله على الطريق الذي سمي باسمه “طريق اللبان” سمعة عالمية، فأصبح التجار العرب محط أنظار الكثير من الدول ومنها السريانية، والرومانية، لتوفير البضائع لهم. وبالمقابل، أتى هؤلاء التجار العرب، من الرومان على سبيل المثال، بالكثير من البضائع الوثنية للجزيرة كاللات والعزى

تطورت تجارة النقل مع توسع رقعة الإسلام من الشرق إلى الغرب، وأصبح المسلمون هم “أسياد” نقل البضائع بحكم الموقع الجغرافي المميز بين القارات عن “طريق اللبان” الذي يمتد من الجنوب إلى الشمال، و”طريق الحرير” الممتد من الشرق إلى الغرب، فأصبحوا حلقة الوصل بين الكثير من الحضارات، مما أضطر البحار “كولمبوس” إلى الاستعانة بهم، وبعلوم الفلك التي أجادوها لإنقاذ ماتبقى من سمعته لاستكشاف مناطق جديدة لتجارة التوابل، ومن بعدها لإستكشاف أمريكا

المؤسف، أن لا نجد “استمرارية” وتخصصية لوجستية للعرب والمسلمين حالياً على الرغم من سيطرتهم التجارية على حركة النقل في الماضي لعدة قرون إلى أن أصبحت “انكلترا” هي ملكة “اللوجستية”، والقنوات البحرية التي تمر بها التجارة العالمية من الشرق إلى الغرب، وتشكل أرباحها حجم كبير من ميزانيتها حتى هذا اليوم

الإنكفاء على الذات، وجشع التسعير، والتسويق “للذات” المناطقية، لن يجدي نفعاً وإن كانت هي آخر قشة يتعلق بها بعض التجار. فخطط المملكة التي تقودها رؤية ٢٠٣٠ جديرة بتغيير الكثير من واقع “التجارة” لدينا لجعلها في مصاف العالمية ولنا في الحراك الملحوظ لتطوير القطاع اللوجيستي، والصناعات المحلية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة خير برهان لمستقبل “وطن” مشرق لجميع أبناءه.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *