تعتبر مصر من الدول العريقة فى الأخذ بنظام الادارة المحلية, الذى عرفته منذ ما يقارب المائة والخمسين عاما, إذ صدر أول قانون ينظم شئون الأدارة المحلية فى مصر عام 1883, فهل كانت هذه المدة الزمنية الطويلة كافية لأن يكتمل لنظام الأدارة المحلية مقوماته الدستورية والقانونية، التى تمكنه من أداء دوره الطبيعى, والمأمول فى التنمية المحلية, وفى تحقيق اللامركزية المحلية والأدارية على الوجه الصحيح، أم أن هذا النظام كرس للبيروقراطية والفساد الادارى فى دواوين الحكومة، وهل يمكن تفعيل الدور الرقابى للمجالس المحلية ؟؟!
إن القوانين المنظمة لشئون الادارة المحلية لم تكفل تفعيلا حقيقيا لدور المجالس الشعبية المحلية، وهو ما يتضح جليا من نصوص قانون الادارة المحلية الحالى رقم 43 لسنة 1979, الذى أفرغ نظام الادارة المحلية من مضمونه وسلبه استقلاله وفاعليته, وسمح بتوغل السلطة التنفيذية عليه, ولم يمنح المجلس المحلى للمحافظة أية آليات تمكنه من ممارسة دوره الرقابى بصورة فعالة.
وقد أفرد الدستور الحالى للادارة المحلية المواد من 175 وحتى 183, ونص على اختصاصات المجالس المحلية فى متابعة تنفيذ خطة التنمية، ومراقبة أوجه النشاط الحكومى المختلفة, وهو ما يقتضى توفير آليات للمجلس الشعبى المحلى للمحافظة، ليتمكن بموجبها من مباشرة دوره الدستورى، فى مراقبة أوجه النشاط الحكومى, ففى أحوال كثيرة قد يصل الى علم أعضاء المجلس المحلى أن هناك سلبيات فى مرفق حكومى, مستشفى عام أو مدرسة حكومية, أو غيرهما من المرافق العامة, فلا يكون أمام أعضاء المجلس المحلى من أدوات رقابية لمعالجة هذه السلبيات والتحقق منها وتحديد أسبابها, و الوقوف على ما اذا كانت ترجع الى أخطاء من الموظفين أم الى أسباب عامة تتعلق بالنواحى المالية، أو بسبب ثغرات فى اللوائح والقوانين, ويكتفى أعضاء الأدارة المحلية بتوجيه الاسئلة وطلبات الاحاطة الى المسئولين التنفيذيين المعنيين بالمحافظة, الذين عادة ما يلجأون الى التهوين من المخالفات المالية والادارية, والدفاع عن أنفسهم وعن تصرفات مرؤسيهم, وهنا لن يكون أمام المجلس المحلى وسيلة ليتبين من خلالها حقيقة الأمر, فيضطر المجلس الى حفظ الموضوع من خلال الجملة الشهيرة التى عادة ما تتردد فى مجالسنا النيابية والمحلية “بالانتقال الى جدول الاعمال”, وبذلك تتحول رقابة المجلس الشعبى المحلى على الأداء الحكومى الى رقابة صورية, غير فعالة و غير منتجة.
ولذلك نرى ضرورة توفير آليات جادة ومحايدة تمكن المجلس المحلى من تقصى الحقائق , والوقوف على مواطن الخلل فى المرافق المختلفة داخل المحافظة, وتحديد المتسبب فى هذا الخلل من الموظفين العموميين, مما يمكن من محاسبتهم عن أهمالهم وتقصيرهم وتعمدهم الأضرار بمصالح المواطنين, ومعالجة مواطن الخلل, لذلك نقترح أن ينص مشروع قانون الأدارة المحلية الجديد على أعطاء المجالس الشعبية المحلية الحق فى ابلاغ النيابة الادارية بالمخالفات المالية والادارية، والمشكلات التى تصل الى علم المجلس بمختلف المرافق العامة بدائرة المحافظة, وعلى النيابة الادارية اخطار المجلس الشعبى المحلى بتقرير بما كشفت عنه تحقيقاتها، من نتائج ليتخذ المجلس المحلى ما يراه مناسبا من أجراءات حيال هذه السلبيات, لمعالجتها ومنع تكرارها, وذلك بالتعاون مع المحافظ المختص, دون الاخلال بالمسئولية التأديبية لمن يثبت تقصيره الوظيفى من الموظفين, والتى تتولاها النيابة الادارية وفقا لاحكام القانون والدستور.
المستشار د. إسلام إحسان
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً