المواد (1 – 8):
ترسم المادة الأولى بفقرتها الأولى نطاق سريان النصوص التشريعية فتقضي بسريان نصوص التشريع على جميع المسائل التي ينسحب عليها حكمه، سواء استخلص هذا الحكم من منطوق النص أو من مفهومه التي يتم الكشف عن حقيقته بطرق التفسير المختلفة.
وجدير بالذكر أن كلمة التشريع هنا تصدق على جميع أنواع التشريع سواء أكان تشريعًا دستوريًا أو تشريعًا صادرًا من السلطة التشريعية أو تشريعًا فرعيًا.
وتعرض الفقرة الثانية من هذه المادة لمصادر القانون الاحتياطية التي يتعين استقاء الحكم منها عند سكوت التشريع فتحيل القاضي أولاً إلى العرف باعتباره المصدر الذي يلي التشريع في المرتبة، ومن ثم يكون على القاضي أن يلجأ إلى العرف مباشرةً في حالة سكوت النص، وغني عن البيان أن العرف المعتبر هنا هو ذاك الذي لا يخالف النظام العام أو حسن الآداب، فالعادات التي تتنافى مع الأسس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية التي تقوم عليها الجماعة لا ترقى أبدًا إلى مرتبة العرف وإن طال عليها الأمد، وفي بلد – كالكويت – يدين بالإسلام بنص الدستور، لا يمكن أن يُعتبر عرفًا كل ما يخالف أصلاً من أصول الإسلام أو حكمًا من أحكامه الأساسية الثابتة.
ومكانة العرف من حيث أنه يلي التشريع ترجع إلى كونه المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالاً مباشرًا بالجماعة ويُعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص، ولذلك يظل هذا المصدر – إلى جانب التشريع – مصدرًا تكميليًا خصبًا يتناول المسائل التي تسري في شأنها قواعد القانون المدني وقانون التجارة وغيرهما من فروع القانون التي تقبل ذلك بطبيعتها.
ويتفق نص المشروع، في الإحالة أولاً إلى العرف، مع نص الفقرة (2) من المادة الأولى من التقنين المدني المصري ومثيلتها من التقنين المدني العراقي، أما التقنينات العربية الأخرى، فقد قدم بعض منها (كالتقنين السوري والتقنين الليبي والتقنين السوداني والتقنين الأردني) مبادئ الشريعة الإسلامية أو الفقه الإسلامي على العرف، وأسقط بعض آخر منها العرف من بين مصادر القانون: فالتقنين المدني الصومالي، يحيل القاضي إلى مبادئ الشريعة الإسلامية ثم إلى مبادئ العدالة الاجتماعية وقواعد العدالة (م 1 ف 2) بينما يقتصر المشروع المصري الليبي على الإحالة إلى أصول الشريعة الإسلامية وأحكامها دون غيرها من المصادر.
والواقع أن تقديم مبادئ الشريعة الإسلامية على العرف لا يتفق تمامًا مع منطق ترتيب مصادر القانون، لأن العرف من أهم المصادر التي توجب الشريعة والفقه الإسلامي اعتمادها، واعتماد مبادئ أو أصول الشريعة الإسلامية مؤداه اعتماد العرف الذي له في الشريعة اعتبار أساسي في بناء الأحكام، فالأصل في المعاملات هو ما تراضى عليه الناس أو جرى به العرف بينهم، إلا أن يتراضوا أو يتعارفوا على ما يخالف حكم الشرع، من تحليل حرام، أو تحريم حلال، وقد قرر القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الأصل، فقال تعالى: ” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم “، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: ” أنتم أعلم بأمر دنياكم “، وقوله فيما رواه أحمد في مسنده: ” ما كان من أمر دينكم فإليَّ، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به “، ولذلك فقد اشتهر على ألسنة الشرعيين قولهم العرف في الشرع له اعتباره وقولهم: العرف شريعة محكمة ومن ثم يكون ذكر العرف بعد مبادئ الشريعة الإسلامية من قبيل التزيد، ما دام أن العرف يعتبر من أهم المصادر في الشريعة الغراء.
فإذا لم يجد القاضي في التشريع أو العرف حكمًا يمكن تطبيقه، فإن المشروع يطلق للقاضي حرية الاجتهاد، مهتديًا بأحكام الفقه الإسلامي الأكثر اتفاقًا مع واقع البلاد ومصالحها وفي ذلك يضع المشروع في اعتباره ما جاء بالمذكرة التفسيرية للدستور تعليقًا على المادة الثانية منه، وكذلك ما ورد في قرار مجلس الوزراء بشأن تنقيح التشريعات وتطويرها، من أن تكون التشريعات الموضوعة متفقة مع واقع الكويت وتقاليدها.
ولا محل للتخوف من دعوة القاضي إلى الاجتهاد، ففي الشروط التي يشترطها القانون فيمن يولى القضاء، وفي رقابة محكمة التمييز على عمل القضاة خير ضمان لسلامة الاجتهاد وحسن الاهتداء بأحكام الفقه الإسلامي فضلاً عن توحيد الرأي، ثم إن هذا الاهتداء ينضبط بما يأتي:
أولاً: عدم التقيد بمذهب معين من المذاهب ولا الوقوف عند أرجح الأقوال فيها.
وثانيًا: الأخذ بالأحكام الأكثر اتفاقًا مع واقع البلاد ومصالحها والتي تتسق مع الأحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها القانون الكويتي في جملته، فلا يجوز الأخذ بحكم في الفقه الإسلامي يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ، حتى لا يفقد النظام القانوني تجانسه وانسجامه. وفي الرخصة في الأخذ بمذاهب الفقه جميعًا ما يجعل تحقيق هذا التجانس أمرًا ميسورًا.
وغني عن البيان أن نص المشروع لا يمنع القاضي من الاهتداء – إلى جانب أحكام الفقه الإسلامي – بمبادئ القانون العامة، أو بالقواعد المقررة في معاهدات دولية أو تشريعات أخرى، أو أن يستلهم الرأي من الأحكام التي أقرها القضاء والفقه كويتيًا كان أو غير كويتي، ما دامت متفقة مع واقع البلاد ومصلحة الجماعة وتتغيا تحقيق العدالة.
هذا ولم يشأ المشروع – بعد ذلك – أن يجاري التقنين المصري وبعض التقنينات العربية الأخرى في إحالتها إلى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة لما يؤخذ على هاتين العبارتين من غموض وإبهام، ولأن مثل هذه العبارات لا ترد القاضي إلى ضابط يقيني وإنما تقتصر – في الحقيقة – على إلزامه أن يجتهد رأيه لتقطع عليه سبيل النكول عن القضاء، وهو ما يسره المشروع للقاضي في أرحب نطاق.
وتعرض المادة الثانية لإلغاء التشريع أو نسخه. والإلغاء هو تجريد القاعدة القانونية من قوتها الملزمة، وقد وجد الإلغاء في الشرائع المنزلة وسُمي نسخًا: قال تعالى في سورة البقرة: ” ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها ” وعرفه ابن قيم الجوزية بأنه: ” .. رفع الحكم الذي ثبت تكليفه للعباد إما بإسقاطه إلى غير بدل أو إلى بدل ” فإذا جاز النسخ في الشرائع السماوية فإن جوازه أولى في شريعة من صنع البشر.
وإلغاء التشريع إنما يكون بتشريع آخر في مثل منزلته أو أسمى منه، فالتشريع الدستوري لا يعدله إلا تشريع دستوري، والتشريع العادي يلغيه تشريع دستوري أو تشريع عادي مثله، ولكن لا يلغيه تشريع فرعي كما لا يلغيه العرف وإن طال استقراره.
وإلغاء التشريع قد يتم بنص صريح يتضمنه تشريع لاحق، وهو ما نص عليه المشروع في صدر الفقرة الأولى من المادة الثانية.
ويتحدد الإلغاء وفقًا للنص الذي يقرره: فقد يكون الإلغاء شاملاً وقد يكون جزئيًا، وقد يكون هذا الإلغاء إلى غير بدل يحل محل النص الملغى وقد يكون إلى بدل، وقد يأت إلغاء التشريع ضمنيًا، وهو ما يتحقق في صورتين:
الأولى: أن يصدر تشريع جديد يتضمن نصًا يتعارض مع نص في تشريع قديم، وفي هذه الحالة يقتصر الإلغاء على النص القديم في حدود ما يتحقق به التعارض.
والثانية: أن يصدر تشريع ينظم من جديد تنظيمًا كاملاً موضوعًا كان ينظمه تشريع سابق، وفي هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخًا جملةً وتفصيلاً، حتى ولو تضمن حكمًا لا يتعارض ونصوص التشريع الجديد.
وتتناول المواد من (3 – 6) أحكام تنازع القوانين من حيث الزمان، فإذا ألغى قانون جديد قانونًا كان معمولاً به من قبل فإن تعاقب القوانين يثير التنازع بين ولاية القانون القديم والقانون الجديد. فولاية القانون القديم وإن زالت بزواله قد تظل برغم ذلك تلاحق بعض الأوضاع في ظل القانون الجديد، وولاية القانون اللاحق وإن تناولت ما يجد في المستقبل من وقائع قد تتناول ما تم من أوضاع قبل صدوره، وفي هذا الوضع يعرض أمر التنازع واضحًا.
وقد يتدخل المشرع لفض التنازع بين القانونين القديم والجديد، ولكن ذلك لا يغني عن وضع مبادئ عامة تطبق في حالة عدم تدخل المشرع أو في حالة عدم كفاية القواعد التي أصدرها، وإذا كان الدستور قد تكفل بوضع المبدأ الأساسي في ذلك فنص في المادة (179) منه على أن ” لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبل هذا التاريخ، ويجوز في غير المواد الجزائية، النص في القانون على خلاف ذلك … “، غير أن هذا النص يحتاج إلى تفصيل وهو ما تكفل به المشروع في مادته الثالثة، فضمنها الضوابط التي تحكم ذلك النوع من التنازع.
فنص أولاً، على أن القانون الجديد لا يسري إلا على ما يقع عليه من تاريخ العمل به، ما لم ينص فيه على سريانه على ما تقدمه من أوضاع.
ونص ثانيًا، على أن القانون المنسوخ يظل ساريًا على آثار التصرفات التي أُبرمت تحت سلطانه، إلا إذا كانت أحكام القانون الجديد متعلقة بالنظام العام فتسري بأثر فوري على ما يترتب من تلك الآثار بعد نفاذه.
وقد أورد المشروع بعد ذلك أهم الحلول العملية لمسائل التنازع فعرض للنصوص المتعلقة بالأهلية وبالتقادم ثم المتعلقة بأدلة الإثبات، وذلك كله على نحو يكفل استقرار الحقوق والمعاملات.
( أ ) النصوص المتعلقة بالأهلية – تقضي المادة الرابعة، في فقرتها الأولى، بأن النصوص المتعلقة بالأهلية تسري على جميع الأشخاص الذين تتناولهم أحكامها، ومؤدى ذلك أن القانون الجديد إذا رفع سن الرشد، فإنه يرد من كان يعتبر رشيدًا إلى حالة القصر إذا لم يكن قد بلغ السن المحددة فيه، وإذا خفض القانون الجديد السن، كان من شأنه أن يدخل في عداد الراشدين من كان يعتبر قاصرًا في ظل القانون القديم، ذلك أن تحديد الأهلية يراعى فيه حماية الشخص من تصرفاته الإرادية، وهي حماية تتعلق بالنظام العام.
ولكن تغير أهلية الشخص بمقتضى قانون جديد، لا يؤثر في تصرفاته السابقة، كما تنص عليه الفقرة الثانية من هذه المادة. فإذا عاد شخص إلى حالة القصر بعد أن كان رشيدًا في ظل التشريع القديم. فإن هذا لا يؤثر في صحة التصرفات التي صدرت منه تحت سلطان ذلك التشريع، وكذلك إذا أصبح القاصر رشيدًا، فإن التصرفات التي صدرت منه في ظل التشريع القديم تظل باطله أو قابله للإبطال ويجوز الطعن فيها بسبب نقص الأهلية متى كان الشخص ناقص الأهلية وقت إجرائها ذلك أن القانون الجديد لا يغير في أهلية الأشخاص إلا بالنسبة للمستقبل فحسب، ولا تأثير له على التصرفات التي أُبرمت قبل صدوره.
(ب) النصوص المتعلقة بالتقادم – لما كان من مقتضى الأثر الفوري للقانون الجديد، أن تسري نصوصه فور العمل به على كل تقادم لم يكتمل فلم يرَ المشروع داعيًا للنص على هذه القاعدة العامة على النحو الذي جرت عليه بعض التقنيات العربية، ونص في المادة الخامسة منه، على أنه إذا أطال القانون الجديد مدة التقادم، سرت المدة الجديدة على كل تقادم لم يكتمل، مع الاعتداد بما انقضى من مدته، أما إذا قصر القانون الجديد مدة التقادم، فإنه طبقًا للفقرة الثانية من هذه المادة، تسري المدة التي ينص عليها القانون الجديد من وقت العمل به وذلك بالنسبة لكل تقادم لم يكتمل دون اعتداد بالمدة التي انقضت في ظل القانون القديم، غير أن المشروع رأى عدم إعمال هذا الحكم في الحالة التي يكون فيها الباقي من المدة القديمة أقصر من المدة التي تقررت في التشريع الجديد. كما لو كانت المدة القديمة عشر سنوات ولم يبق لاكتمالها سوى ثلاث سنوات ثم جعل التشريع الجديد المدة خمس سنوات، ففي هذه الحالة يعتد بالمدة القديمة وما سرى منها ويتم التقادم بانقضاء باقيها (ثلاث سنوات)، وتكون ولاية التشريع القديم قد امتدت بعد زواله تحقيقًا للعدالة لأنه بغير هذا الاستثناء تطول مدة التقادم على عكس ما أراد الشارع، وهو حل أثره المشروع، اقتداءً بالتقنين المدني المصري والتقنيات العربية الأخرى التي حذت حذوه.
وجلي بعد ذلك أن المسائل الخاصة ببدء التقادم ووقفه وانقطاعه، هي وقائع تخضع للقانون الساري وقت وقوعها طبقًا للقاعدة العامة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من المشروع وكذلك طبقًا لقاعدة عدم رجعية القوانين المنصوص عليها في الدستور.
(ج) النصوص المتعلقة بأدلة الإثبات – وتعرض المادة السادسة من المشروع للقواعد التي تحكم قبول أدلة الإثبات وتعين حجيتها فتنص على أنه يسري في شأنها أحكام القانون القائم وقت حصول الوقائع أو التصرفات المراد إثباتها، فإذا كان الدليل الذي يجوز أن يحصل به الإثبات وقت نشوء الواقعة أو حصول التصرف هو البينة، جاز أثبات هذه الواقعة أو التصرف بالبينة ولو كان القانون المعمول به وقت النزاع يمنع الإثبات بها ويتطلب الكتابة.
وغني عن البيان أن النصوص المتعلقة بإجراءات الإثبات، تسري فور العمل بها على جميع الدعاوى القائمة لتعلقها بنظام التقاضي واتصالها على هذا الوجه بالنظام العام.
أما القواعد الخاصة بتعاقب القوانين فيما يتعلق بالتنظيم القضائي واختصاص المحاكم وإجراءات الترافع والأحكام، فلم يرَ المشروع أن يتعرض لها، تاركًا ذلك لمكانه المناسب في قانون المرافعات.
وتحيل المادة السابعة من المشروع إلى قانون خاص، لبيان القانون الواجب التطبيق على المسائل التي تتضمن عنصرًا أجنبيًا، أو ما يسمى بتنازع القوانين من حيث المكان. فتنظيم التنازع بين قوانين الدول المختلفة يتكفل به فرع مستقل من فروع القانون، هو القانون الدولي الخاص. والقواعد التي يقررها في ذلك لا تنظم العلاقات القانونية، وإنما تقتصر على تعيين القانون الواجب التطبيق على هذه العلاقات إذا تضمنت عنصرًا أجنبيًا، ومن ثم يكون من الأفضل أن تقنن هذه القواعد في تشريع قائم بذاته، وهو مسلك اتبعه كثير من الدول ومنها دولة الكويت نفسها التي أصدرت لذلك القانون رقم (5) لسنة 1961 بتنظيم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي.
وتتضمن المادة الثامنة من هذا الباب حكمًا عامًا يقضي بحساب المواعيد بالتقويـم الميلادي، وهو حكم يسري على جميع المواعيد والمدد المنصوص عليها في القانون المدني أو في غيره من التشريعات، ما لم يخرج عليه المشرع بنص صريح، إذا رأى في ذلك مصلحة يستقل هو بتقديرها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً