استأجرتُ بيتاً واشترط المؤجرُ أن ألتزم بجميع أعمال صيانة البيت خلال مدة الإجارة، فما الحكم الشرعي في هذا الشرط؟
الإجابة: الأصل المقرر عند الفقهاء أن عقد إجارة الدور والمساكن عقدٌ واردٌ على المنفعة، ويدُ المستأجر يدُ أمانةٍ، فالعين المستأجرة تكون أمانةً في يدِ المستأجر، ويدُ الأمانة لا ضمانَ عليها إلا في حالتي التعدي والتفريط، وقد قسم العلماء صيانة العين المأجورة إلى قسمين:
الأول: الصيانة الأساسية التي يتوقف عليها الانتفاع بالعين المستأجرة, مثل إصلاح الجدار المهدوم، وترميم السقف الذي لا يمنع نزول الماء، فهذه الترميمات ضروريةٌ للانتفاع بالمسكن.
الثاني: الصيانة التشغيلية العادية التي تحتاج إليها المساكن المؤجرة نتيجة الاستعمال مثل صيانة وتغيير الأشياء التي تُستهلك، وتتلف في فترات دورية بسبب الاستعمال، كتغيير وإصلاح أجهزة ومفاتيح الإنارة الكهربائية وأيدي الأبواب والشبابيك والحنفيات والطراشة والدهان وتغيير بلاطةٍ كُسرت ونحوها.
وقد قرر الفقهاء أن الصيانة الأساسية التي يتوقف عليها الانتفاع بالعين المستأجرة تكون على المؤجر أي المالك، ولا يصح شرعاً تحميل المستأجر مسؤولية تلك التصليحات، أو اشتراطها عليه في عقد الإجارة، فإن اشترطت عليه في العقد، فسد عقد الإجارة، وقرروا أن المستأجر يتحمل الصيانة التشغيلية التي تحتاجها المساكن المؤجرة نتيجة الاستعمال.
قال الكاساني الحنفي: وتطيين الدار، وإصلاح ميزابها، وما وهي من بنائها على رب الدار دون المستأجر،لأن الدار ملكه وإصلاح الملك على المالك، لكن لا يجبر على ذلك؛ لأن المالك لا يجبر على إصلاح ملكه، وللمستأجر أن يخرج إن لم يعمل المؤجر ذلك؛ لأنه عيبٌ بالمعقود عليه، والمالك لا يجبر على إزالة العيب عن ملكه، لكن للمستأجر أن لا يرضى بالعيب حتى لو كان استأجر وهي كذلك ورآها فلا خيار له؛ لأنه رضي بالمبيع المعيب، وإصلاح دلو الماء والبالوعة والمخرج على رب الدار ولا يجبر على ذلك، وإن كان امتلأ من فعل المستأجر لما قلنا، فإن أصلح المستأجر شيئاً من ذلك لم يحتسب له بما أنفق؛ لأنه أصلح ملك غيره بغير أمره ولا ولاية عليه، فكان متبرعاً (بدائع الصنائع9/436).
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: والعين المستأجرة أمانةٌ في يد المستأجر إن تلفت بغير تفريطٍ لم يضمنها، قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله -أي الإمام أحمد- يُسأل عن الذين يكرون المظل أو الخيمة إلى مكة فيذهب من المكتري بسرق أو بذهاب هل يضمن؟ قال: أرجو أن لا يضمن وكيف يضمن! إذا ذهب لا يضمن ولا نعلم في هذا خلافاً، وذلك لأنه قبض العين لاستيفاء منفعة يستحقها منها فكانت أمانة. فإن شرط المؤجر على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد، لأنه ينافي مقتضى العقد وهل تفسد الإجارة به؟ فيه وجهان بناءً على الشروط الفاسدة في البيع.
قال أحمد: فيما إذا شرط ضمان العين: الكراء والضمان مكروه، وروى الأثرم بإسناده عن ابن عمر قال: (لا يصلح الكراء بالضمان)، وعن فقهاء المدينة أنهم كانوا يقولون لا نكتري بضمانٍ إلا أنه منْ شرطَ على كريٍ أنه لا ينزل متاعه بطن وادٍ أو لا يسير به ليلاً مع أشباه هذه الشروط فتعدى ذلك فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فهو ضامنٌ، فأما غير ذلك فلا يصح شرط الضمان فيه، وإن شرطه لم يصح الشرط، لأن ما لا يجب ضمانه لا يصيره الشرط مضموناً، وما يجب ضمانه لا ينتفي ضمانه بشرط نفيه (المغني 6/128). وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي أيضاً: وإن شرط الإنفاق على العين النفقة الواجبة على المكري كعمارة الحمام إذا شرطها على المكتري، فالشرط فاسد، لأن العين ملك للمؤجر فنفقتها عليه، وإذا أنفق بناء على هذا احتسب به على المكري لأنه أنفقه على ملكه بشرط العوض (المغني6/36).
وورد في المعيار الشرعي رقم (9) المتعلق بالإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما يلي: 5/1/4 يجب على المستأجر التقيد بالاستعمال الملائم للعين المؤجرة أو بالمتعارف عليـه، والتقيد بالشروط المتفق عليها المقبولة شرعاً. كما يجب تجنب إلحاق ضـرر بالعين بسوء الاستعمال أو بالتعدي أو بالإهمال. 5/1/5 لا يجوز للمؤجر أن يشترط براءته من عيوب العين المؤجرة التي تخل بالانتفاع، أو أن يشترط عدم مسئوليته عما يطرأ على العين من خلل يؤثر في المنفعة المقصودة من الإجارة سواء أكان بفعله أم بسبب خارج عن إرادته. 5/1/6 إذا فاتت المنفعةُ كلياً أو جزئياً بتعدي المستأجر مع بقاء العين، فإنه يضمن إعادة المنفعة أو إصلاحها، ولا تسقط الأجرة عن مدة فوات المنفعة. 5/1/7 لا يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر الصيانة الأساسية للعين التي يتوقف عليها بقاء المنفعة. ويجوز توكيل المؤجر للمستأجر بإجراءات الصيانة على حساب المؤجر. وعلى المستأجر الصيانة التشغيلية أو الدورية (العادية). 5/1/8 العين المؤجرة تكون على ضمان المؤجر طيلة مدة الإجارة ما لم يقع من المستأجر تعد أو تقصير.
ويجوز له أن يؤمِّن عليها عن طريق التأمين المشروع كلما كان ذلك ممكناً، ونفقة التأمين على المؤجر، ويمكن للمؤجر أخذها في الاعتبار ضمناً عند تحديد الأجرة، ولكن لا يجوز له تحميل المستأجر بعد العقد أي تكلفة إضافية زادت على ما كان متوقعاً عند تحديد الأجرة. كما يمكن للمؤجر أن يوكل المستأجر بالقيام بإجراء التأمين على حساب المؤجر. وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن موضوع الإيجار المنتهي بالتمليك ما يلي: أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجرُ ما يلحق العينَ من ضررٍ غير ناشئٍ من تعد المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة. إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونياً إسلامياً لا تجارياً، ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.
وجاء في قرار آخر لمجمع الفقه الإسلامي والمتعلق بعقد الصيانة ما يلي: الصيانة المشروطة في عقد الإجارة على المؤجر أو المستأجر، هذا عقد يجتمع فيه إجارة وشرط، وحكم هذه الصورة أن الصيانة إذا كانت من النوع الذي يتوقف عليه استيفاء المنفعة فإنها تلزم مالك العين المؤجرة من غير شرطٍ، ولا يجوز اشتراطها على المستأجر. أما الصيانة التي لا يتوقف عليها استيفاء المنفعة فيجوز اشتراطها على أيٍ من المؤجر أو المستأجر إذا عُينت تعيناً نافياً للجهالة. ثالثاً: يشترط في جميع الصور أن تُعين الصيانةُ تعييناً نافياً للجهالة المؤدية إلى النزاع وكذلك تُبين المواد إذا كانت على الصائن مما يشترط تحديد الأجرة في جميع الحالات (مجلة مجمع الفقه الإسلام 11/2/279–280).
وورد في الفتاوى الصادرة عن الندوة الفقهية الثالثة لبيت التمويل الكويتي ما يلي:
صيانة العين المأجورة:
أولاً: لا يلزم المؤجر القيام بشيء من الإصلاحات الإنشائية أو التحسينية إلا بشرطٍ في العقد.
ثانياً: يلزم المؤجر القيام بالإصلاحات الضرورية لتمكين المستأجر من الانتفاع، إذا حدث الخللُ بعد التعاقد، أو كان موجوداً عند التعاقد ولم يطلع عليه المستأجر، أما إذا كان موجوداً قبل التعاقد واطلع عليه المستأجر فلا يلزم المؤجر القيام بإصلاحه إلا بشرطٍ في العقد، فإذا قام المؤجر بالإصلاحات التي تلزمه بمقتضى البند السابق لم يكن للمستأجر حق فسخ العقد.
ثالثاً: الأصل أنه لا يجوز أن يشترط المؤجر على المستأجر صيانة العين مما قد يحصل بها من الخلل، فإن وقع العقد بهذا الشرط فسد، للجهالة. ويستثنى من ذلك الحالات التالية:
(1) الصيانة التشغيلية وهي ما يستلزمه استعمال العين المستأجرة لاستمرارية استخدامها (كالزيوت المطلوبة للآلات والمعدات).
(2) الصيانة الدورية وهي ما يتطلبه استمرار قدرة العين على تقديم المنفعة.
(3) الصيانة المعلومة بالوصف والمقدار في العقد، أو العرف، سواء كانت الصيانة مجرد عمل أو مع استخدام مواد أو قطع غيار معلومة، لأن ما كان من هذا القبيل فإنه بمثابة أجرة مأخوذة في الاعتبار.
رابعاً: إن أذن المؤجر للمستأجر في العقد أو بعده أن يقوم بإصلاحات معينة في العين فله أن يفعل ذلك ثم يكون له أن يرجع على المؤجر بما أنفقه عنه، ما لم يكن المؤجر قد اشترط أن لا رجوع عليه، أما إن قام المستأجر بعمل صيانة للعين المستأجرة بدون إذن المؤجر فليس له أن يرجع عليه بشيء، بل يكون متبرعاً.
وورد في مجلة الأحكام العدلية وهي بمثابة القانون المدني المطبق في بلادنا المادة رقم (529):
أعمال الأشياء التي تخل بالمنفعة المقصودة عائدةٌ على الآجر كذلك تعمير الدار وطرق الماء وإصلاح منافذه وإنشاء الأشياء التي تخل بالسكنى وسائر الأمور التي تتعلق بالبناء كلها لازمةٌ على صاحب الدار. وخلاصة الأمر أنه لا يجوز شرعاً إلزام المستأجر بجميع أعمال صيانة البيت المؤجر خلال مدة الإجارة، وتفسد الإجارة بهذا الشرط باتفاق الفقهاء، وإنما يجب التفريق بين الصيانة الأساسية التي يتوقف عليها الانتفاع بالمسكن المستأجر, مثل إصلاح الجدار المهدوم، وترميم السقف الذي لا يمنع نزول الماء، فهذه الترميمات الضرورية للانتفاع بالمسكن، لازمةٌ للمالك، ولا يجوز تحميلها للمستأجر. وبين الصيانة التشغيلية العادية التي يحتاج إليها المسكن المؤجر نتيجة الاستعمال مثل صيانة وتغيير الأشياء التي تستهلك، وتتلف في فترات دورية بسبب الاستعمال، كتغيير وإصلاح أجهزة ومفاتيح الإنارة الكهربائية وأيدي الأبواب والشبابيك والحنفيات والطراشة والدهان وتغيير بلاطة كُسرت ونحوها، فهذه تلزم المستأجر.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً