من يجرى التنفيذ ضــده:
هذا هو الطرف الثاني من أطراف التنفيذ، وهو الطرف السلبى فيه، ويعبر عنه عادة بلفظ (المحجوز عليه) إذا كان التنفيذ حاصلاً بطريق الحجز كما يعبر عنه أيضاً بلفظ (المدين) على تقدير أن من يجرى التنفيذ ضده يعتبر في مقام المدين بالنسبة للعلاقة التنفيذية. مع أنه قد لا يكون مديناً بالمعنى المفهوم في القانون المدني([2]) بل أنه حتى إذا كان الأمر متعلقاً بدين فان من يجرى التنفيذ ضده قد لا يكون هو المدين – ومثال ذلك التنفيذ ضد الكفيل العيني، أو ضد من انتقلت اليه ملكية العقار المرهون، والذى يعبر عنه في اصطلاح المرافعات بلفظ “الحائز”.
ولا يثير أمر المحجوز عليه كبير خلاف إذ الأصل أنه مادام الدائن هو صاحب الحق في التنفيذ فإنه ينبغي في مقابل ذلك أن لا يتم التنفيذ الا ضد المدين بمعنى أنه يجب أن تتحقق صفة المديونية فيمن يجرى التنفيذ ضده. وهذه القاعدة، إذ تقضى بأن التنفيذ انما يجرى ضد المدين، تقضى ألا يجرى التنفيذ الا على المدين، ولهذا الجانب من القاعدة استثناءات سنعرض لها: فإن ثمة حالات يجوز التنفيذ فيها على غير المدين. كما تقتضى هذه القاعدة – من جهة أخرى – أنه كلما تحققت صفة المديونية في شخص كان التنفيذ ضده جائزا، غير أن لهذا الجانب الثاني من القاعدة، بدوره، استثناءاتهن فان هنالك من المدينين من لا يجوز التنفيذ ضده.
ومؤدى الجانب الأول من القاعدة أن التنفيذ لا يمكن أن يجرى الا على المدين، غير أنه تستثنى من ذلك حالتان يجوز التنفيذ فيها ضد غير المدين وهما:
أولاً: حالة التنفيذ على العقار المرهون أعمالا لحق التتبع المقرر للدائن المرتهن فإن التنفيذ يجوز عندئذ أن يجرى ضد الحائز أي من انتقلت اليه ملكية ذلك العقار المرهون قبل اتخاذ اجراءات التنفيذ العقاري، مع أنه ليس مديناً.
ثانياً: حالة التنفيذ ضد الكفيل العيني وهو من يرهن عقاره ضماناً لدين سواه، وقد نص القانون على أنه لا يجوز التنفيذ ضده إلا في حدود ما رهن (م 1050 مدنى) ويستطيع هذا الكفيل العيني (كما يستطيع الحائز في الحالة الأولى) أن يتفادى توجيه الاجراءات اليه إذا تخلى عن العقار المرهون وفقاً للأوضاع المقررة في شأن التخلية (مادة 1071 مدنى) وليس ذلك الا نتيجة لكونه غير مدين، وانما اقتضى التنفيذ اتخاذ الاجراءات ضده نظرا لأنه هو مالك العقار الذى يجرى التنفيذ عليه.
أما الجانب الثاني من القاعدة، ومضمونه أنه كلما تحققت صفة المديونية في شخص فان التنفيذ ضده يكون جائزاً، فإن له – بدوره – استثناءاته، إذ أن هناك مدينين لا يجوز التنفيذ ضدهم رغم تحقق صفة المديونية فيهم. وذلك في الحالات الآتية:
الحالة الأولى – عندما يكون المدين هو الدولة أو أحد فروعها أي أحد الأشخاص المعنوية العامة. إذ لا يجوز الحجز على ممتلكاتها المعتبرة أموالا عامة لأن المال العام لا يجوز التصرف فيه ومن ثم يكون التنفيذ عليه غير جائز، أما الأموال المملوكة ملكاً خاصاً للدولة وفروعها أي ما يسمى بالدومين الخاص فقد جرى العرف على عدم جواز الحجز عليها لأن ذلك يؤدى إلى الاخلال بهيبة الدولة ويمس الثقة المفروضة فيها.
الحالة الثانية – عندما يكون المدين دولة أجنبية، أو ممثلا دبلوماسيا لدولة أجنبية، فان لهذه الطائفة من المدينين حصانة مقررة بمقتضى القانون الدولي العام. فتثير هذه المسألة بعض الصعوبة عندما تقوم احدى الدول بأعمال تجارية لا علاقة لها بسيادتها كدولة([3]) أو عندما يقوم الممثل الدبلوماسي بأعمال تجارية لا علاقة لها بوظيفته أو مهمته الدبلوماسية. ومن المتفق عليه أن الأموال المملوكة لدول أجنبية أو لهيئات دولية لا يجوز الحجز عليها لما في ذلك من المساس بسيادة تلك الدول أو الحصانة المقررة دوليا لتلك الهيئات.
ولذلك لا يجوز الحجز على دور السفارات والقنصليات الأجنبية ولا على محتوياتها ولا على المنقولات المملوكة لها حتى لو وجدت خارج دار السفارة أو القنصلية كالسيارات([4]) وأما الأموال المملوكة ملكاً خاصاً للممثلين الدبلوماسيين، والتي توجد خارج([5]) دار السفارة أو القنصلية، فيمكن الحجز عليها لاستيفاء ما على الممثل الدبلوماسي من ديون شخصية.
وقد ورد في موسوعة كارنتييه([6]) أن عدم جواز التنفيذ على الدبلوماسيين قاصر على المنقولات اللازمة للعمال وظيفتهم. والمقصود من ذلك بطبيعة الحال هو أموال السفراء الموجودة خارج دار السفارة، أما إذا كانت أموالهم داخل السفارة فإن حصانة الدار تشملها إذ يمتنع على عمال التنفيذ دخلوها وبذلك لا يتسنى لهم ايقاع الحجز عليها. وعلى ذلك فإذا اشترى أحد رجال السلك الدبلوماسي لنفسه عقارا في البلد التي يؤدى فيها مهمته، فإنه يجوز التنفيذ على هذا العقار لاستيفاء ما عليه من ديون شخصية كما لو كان قد باشر أعمالا تجارية أسفرت عن مديونيته أو ارتكب حادثا وحكم عليه بالتعويض، أو اشترى شيئا ولم يدفع ثمنه أو اقترض مبلغا ولم يسدده وكذلك يجوز الحجز على منقولاته التي توجد خارج دار السفارة إذا لم تكن لازمة لأعمال وظيفته كما لو كان يملك سيارة خاصة غير سيارته الرسمية، أو كان له دين في ذمة الغير، أو نحو ذلك.
ولا تشترط الأهلية فيمن يجرى التنفيذ ضده:
فيجوز التنفيذ ضد ناقص الأهلية أو عديمها ولكن يلزم لصحة الاجراءات أن توجه الأوراق المتعلقة بالتنفيذ، وان تتخذ الاجراءات، ضد من يمثل عديم الأهلية أو ناقصها. غير أنه قد يقال في هذا الشأن أن ناقص الأهلية أو عديمها لا يتصور الوصول إلى مرحلة التنفيذ ضده، لأنه غير قادر على الالتزام أصلا، فمن أين يتأتى التنفيذ؟ وأنه أن كان التنفيذ يجرى ضد ناقص الأهلية باعتباره وارثا، فالتنفيذ في الواقع انما يجرى ضد تركة المورث، ولا يختصم القاصر في الاجراءات الا باعتباره وارثا. ومن البديهي أن الاجراءات تتخذ في مواجهة من يمثله. الا أننا إذا دققنا النظر نجد أن من المتصور أن يتم التنفيذ ضد عديم الأهلية أو ناقصها، إذا كان الالتزام قد انعقد في ذمته وهو كامل الأهلية، أو صدر الحكم ضده وهو رشيد، ثم أصيب قبل التنفيذ بما ينتقص أهليته أو يعدمها.
بل أن المتصور أن يتولد الحق لطالب التنفيذ ضد شخص ناقص الأهلية من الأصل أو عديمها([7]). كما لو اكتسب شخص حق ارتفاق على عقار مملوك لقاصر، واستصدر حكما بذلك ثم عمد إلى تنفيذه، أو إذا كان الالتزام الواقع على عاتق القاصر ناشئا عن فعل ضار، بل ولو كان التنفيذ يجرى بناء على عقد أبرمه القاصر، ولم يطعن فيه أحد بعد بالبطلان. ففي مثل هذه الأحوال يجب أن يتم التنفيذ في مواجهة من يمثل ناقص الأهلية أو عديمها، كالولي أو الوصي أو القيم. وبعبارة أخرى عامة، يمكننا أن نقول أنه كلما كان التنفيذ يجرى ضد شخص ناقص الأهلية أو عديم الأهلية، سواء أكان نقص أهليته أو انعدامها أصيلاً فيه أو طارئا عليه بعد الالتزام أو بعد الحكم وقبل التنفيذ وسواء أكان هو الملتزم الأصلي أو كان وارثا للملتزم، فإنه يجب اتخاذ الاجراءات في مواجهة من يمثل ناقص الأهلية أو عديمها.
كذلك إذا كانت اجراءات التنفيذ قد بدأت ضد شخص كامل الأهلية ثم طرأ عليه ما ينتقص من أهليته أو يعدمها، فإنه ينبغي في هذه الحالة متابعة الاجراءات في وجه من يمثله. وغنى عن البيان أنه لا يجب في هذه الأحوال اختصام ناقص الأهلية أو عديمها أي توجيه الأوراق والاجراءات إليه شخصياً، بالإضافة إلى توجيهها لمن يمثله، لأن مثل هذا الاجراء عبث، بل يكفى اختصام الوالي أو الوصي أو القيم مع ذكر صفته، وبيان اسم الأصيل، الذى يجرى التنفيذ عليه، والذى يمثله ذلك الولي أو الوصي أو القيم.
فإذا اتضح أنه ليس لناقص الأهلية أو عديمها من يمثله:
كما لو كان قاصرا ولم يعين له وصى، أو مجنونا لم يحجر عليه بعد رغم شيوع أمره، وبالتالي لم يعين له قيم، فمن حق طالب التنفيذ أن يلجأ إلى المحكمة المختصة (دائرة الأحوال الشخصية بها) طالبا تنصيب من يمثل ناقص الأهلية أو عديمها حتى يتسنى توجيه اجراءات التنفيذ ضده. فتكون مهمة ذلك الوصي أو القيم الذى تعينه المحكمة محدودة بتمثيل القاصر في اجراءات التنفيذ التي تتخذ ضده أي أنه يكون بمثابة وصى خاص أو قيم خاص معين لأغراض التنفيذ. كذلك إذا زالت صفة من يمثل ناقص الأهلية أو عديمها، كما في حالة عزل الوصي أو القيم أو سلب الولاية، وجب اتخاذ الاجراءات ضد ممثله الجديد. فإن زالت صفة نائب القاصر ولم يعين بدله، كما لو مات الوصي، ولم يهتم أحد بتنصيب وصى آخر، فمن حق طالب التنفيذ أن يطلب تعيين وصى لأغراض التنفيذ، طبقاً لما رأينا في الحالة السابقة. وإذا كان الوصي نفسه هو الذى يرغب في التنفيذ ضد القاصر: فإنه يجب عليه اما أن يعتزل الوصاية ويطلب من المحكمة تعيين وصى بدله، أو بالأقل أن يطلب من المحكمة تعيين وصى خصومه، ليتخذ ضده اجراءات التنفيذ.
وما يصدق على الوصي يصدق على القيم إذا أراد اتخاذ اجراءات تنفيذية أو تحفظية ضد محجوره. فلا يجوز لممثل القاصر أو عديم الأهلية أن يتخذ الاجراءات باسمه ولصالحه، شخصياً، ضد نفسه بصفته ممثلا لناقص الأهلية أو عديمها، لأن اختلاف الصفة هنا لا ينفى أن تعارض المصلحة كاف لإبطال الاجراءات، إذ لا يجوز أن يتعاقد الشخص مع نفسه أو أن يتقاضى مع نفسه، والتنفيذ فرع من التقاضي، وهو في جوهره خصومة، لما للمدين المنفذ ضده من الحق في الاعتراض على التنفيذ.
واجب الوصي:
وإذا كان اختصام ممثل القاصر ومن في حكمه لازما لصحة الاجراءات فان واجب الوصي والقيم أو يذود عن مصالح القاصر وحقوقه بفحص أوراق التنفيذ والتمسك بما قد يكون في الاجراءات من عيوب لإبطالها. بحيث يعتبر مسئولا إذا كانت تلك العيوب ظاهرة ولم يتمسك بها. فدور الوصي أو القيم في التنفيذ ليس مجرد تمثيل القاصر بصورة سلبية. أي تلقى الأوراق والاعلانات والمثول في الاجراءات، وانما هو مكلف بحكم ولايته على القاصر أن يحافظ على أمواله، وان يتصرف في كل ما يتعلق بالتنفيذ كما لو كان واقعا على أمواله، أو بالكيفية التي يتصور أن القاصر كان يتصرف بها لو كان بالغا رشيدا يباشر أموره بنفسه، كل ذلك مع مراعاة معيار السلوك المألوف للرجل العادي والأحكام الخاصة بالولاية.
وقد ورد في قانون الولاية على المال ما يوجب على الأوصياء ومن في حكمهم أن يعرضوا على المحكمة ما يتخذ ضد القصر من اجراءات التنفيذ وان يتبعوا في شأنها ما تأمر به المحكمة([8]). وظاهر مما تقدم أن الاجراءات التي تتخذ ضد ناقص الأهلية أو عديمها دون ممثله القانوني تكون باطلة، ولا يترتب عليها أي أثر، فلا تصلح حتى لمجرد قطع التقادم.
ولا يمكن أن يقال أن القاصر إذا وجهت اليه اجراءات التنفيذ ولم يعترض عليها لا هو ولا من يمثله فإنها تكون صحيحة ابتداء ولا تبطل الا إذا تمسك القاصر بعد ذلك ببطلانها، قياسا على حالة العقود التي يبرمها القاصر. ذلك بأن الأمر في العقود مرده إلى اراده القاصر وهى رغم كونها ارادة ناقصة الا أنها تكفى لإقامة العقد ابتداء إلى أن يطعن عليه بالبطلان، اما اجراءات التنفيذ فلا دخل فيها لإرادة القاصر. ولا يمكن أن يقال أن عدم اعتراض القاصر عليها يعد رضاء منه بها. بل أن من حق المحكمة أن تقضى ببطلان ما يعرض عليها من اجراءات التنفيذ إذا ما تبين لها نقص أهلية من يجرى التنفيذ ضده، ولو لم يتمسك بذلك أحد، لأن الأمر هنا يتعلق بمركز قانونيا.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً