أنظمة إفلاس الشركات وتعثرها في السعودية
د. أحمد بن محمد الجوير
باحث دكتوراة في القانون التجاري – جامعة واشنطن
تمر الشركة أو التاجر بمرحلة من مراحل التعثر أوالإفلاس، ومن ثم فهما يحتاجان إلى حلول قانونية لمعالجة مثل هذه الظروف التي قد تطرأ عليهما. ونظرآ لما تحتله المملكة من مكانة اقتصادية بين دول العالم؛ لم يغفل المنظم السعودي تنظيم مثل هاتين الحالتين اللتين قد يتعرض لهما كثير من الشركات أو التجار، لذا أوجد المنظم حلولآ للشركات المفلسة أوالمتعثرة وذلكمن خلال نظامين: نظام المحكمة التجارية ونظام الصلح الواقي من الإفلاس.
في عام ١٣٥٠هـ قام المنظم السعودي بنشر نظام المحكمة التجارية. حيث جاء في الباب العاشر منه تنظيمآ لمسائل إفلاس الشركة أو التاجر. وبعد التطور في عالم التجارة في المملكة أصبحت الحاجة ملحة لنظام يعالج قضايا تعثر الشركات أو التجار. ففي عام ١٤١٦هـ استدرك المنظم السعودي أهمية الأمر، فقام بنشر نظام الصلح الواقي من الإفلاس. حيث إن فلسفة النظام تقوم على تجنيب التاجرأو الشركة المتعثرة ماليآ منإشهار الإفلاس، والتمكين من مواصلة النشاط وعدم الانهيار والحفاظ علىاستقرار المعاملات وتمتين الاقتصاد الوطني وذلك بامتصاص الهزات التي يتعرض لها التجار في أعمالهم. ومن مرونة نظام الصلح الواقي من الإفلاس، أنه أعطى الشركة أو التاجر حق الاختيار في إبرام الصلح إما من خلال الغرف التجارية بوزارة التجارة أو الدوائر التجارية في ديوان المظالم.
ورغم وجود تنظيم لإفلاس وتعثر الشركات في المملكة، إلا أنه ترد تساؤلات لدى المهتمين في هذا الشأن: هل توجد قضايا لإفلاس الشركات أو للصلح الواقي من الإفلاس؟ وما سبب قلتها؟ وهل يوجد قصور في هذين النظامين؟ هل توجد ثقافة قانونية عن وجود نظام للصلح الواقي من الإفلاس؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة قام الكاتب بعمل استطلاع مع المختصين من (محامين، قضاة المحاكم التجارية، اقتصاديين) حيث توصل الكاتب إلى نتيجة؛ ألا وهي: أن النظام في مستواه العام جيد، ولكن في الجانب التطبيقي لم نر له التأثير الذي يدعو التاجر إلى حماية نفسه ودرأ شبح الإفلاس عنه وغل يدهعن أمواله. وبرهان ذلك أن التطبيقات القضائية في هذا الشأن شحيحة نسبيا بالنظر إلى حجم قضايا الإفلاس التي يثيرها أصحاب المصلحة، ذلك أن كثيرآ من التجار يلجأ إلى التملص من الإفلاس بتصفية الشركة درأ عن غل أمواله بالإفلاس.
وبالنظر إلى أسباب شح قضايا الإفلاس أو الصلح، نجد أن مردها أن النظامين جاءا ضعفين أو محدودي القيمة. فنظام الصلح لم يعالج المسائل الجوهرية المتعلقة بإعادة هيكلة الشركة حين تعثرها؛ كالتنظيم لمسألةالحصول على تمويل، إيجاد شروط للخطة يجب على المدين أن يطبقها،حلول لعقود الشركة مع متعاقديها، حقوق للدائنين والمدينين مفصلة….
كل هذا أدى إلى ضعف في الثقافة القانونية لدى بيئة الشركات عن وجودمثل هذا النظام الذي يمكن أن يستفيد منه التاجر أو الشركة حسنا النية.ولمعالجة هذا الأمر، فمجتمع الشركات بحاجة ماسة إلى نظام موحد يعالججميع قضايا إفلاس وتعثر الشركات بشكل مفصل وشامل.
وعند النظر إلى واقع الدول المتقدمة، نجد أنها أدركت أهمية إيجاد قانون لإفلاس الشركات وتعثرها، من ذلك على سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية. حيث قامت بوضع قانون فدرالي شامل لمسائل إفلاس وتعثر الأفراد والشركات.
وما يهمنا ما نحن بصدده، حيث وضع القانون فصلآ كاملآ يسمى بالفصل الحادي عشر وضع فيه تنظيما قانونيآ مفصلآ لإعادة هيكلة الشركة المتعثرة أو المفلسة التي يسمح لها من خلاله بالعودة لمزاولة نشاطها تحت إشراف القضاء وقضاة متخصصين في هذا المجال. وأهمية هذا القانون ظاهرة جلية، وذلك حين نلقي نظرة على القضايا المنظورة في محاكم الإفلاسالأمريكية، نجدها كبيرة العدد. فقد بلغت عدد قضايا إفلاس الشركات وتعثرها من تاريخ (١/١/٢٠١٥ وحتى ٢٦/٦/٢٠١٥) ٣١٨٨ قضية. كما ان هنالك شركات عملاقة أمريكية واجهت الإفلاس، وكان هذا النظام واقيآ لها منه وحافظآ لحقوقها وحقوق دائنيها ومن أبرزها،
وغيرها الكثير...Delta Airlines, General Motors, Pizza Inn,Macy’s
هذا كله يعطينا مؤشرآ في أن وجود نظام لإفلاس الشركات وتعثرها له آثار إيجابية، منها على سبيل المثال لا الحصر. أولآ: النظام سوف يسهم إيجابآ في الرقي باقتصاد بلدنا، ولا سيما أننا بصدد رؤية ٢٠٣٠.
ثانيآ: الشركة أو التاجر حسنا النية قد يمرا بفترات تعثر ومن ثم هما بحاجة إلى نظام قانوني يحميهما من مطالبيهم ويساعدهم على العودة ومزوالة النشاط إن كان ذلك ممكنآ.
ثالثآ: وجود نظام لإعادة هيكلة الشركة يعود بالنفع لموظفيها وذلك بحمايتهم من تسريحهم، حيث إن إفلاس الشركة يؤدي لانتشارالبطالة في المجتمع. رابعآ: النظام سوف يوفر الحماية الكافية لحقوق الدائنين، وذلك بأن تكون إعاده الهيكلة بعد أخذ الموافقة منهم وأن الإجراءات سوف تكون تحت مظلة القضاء.
ووجود مثل هذا النظام سوف يحفز الدائنين للعمل به بدلآ من أن تكون حقوقهم تحت رحمة المدينين ومطاردتهم! الخامس: بالنظر إلى الاستثمار في المملكة، نجد أن هذا النظام سوف يكون محفزآ للأجنبي لأنه يريد أنظمة فعالة تضمن له حقوقه حين التعثر أو الإفلاس.. بالنظر لمجموع هذه الإيجابيات، نجد أننا بحاجة ماسة لنظام إفلاس للشركات فعال مع الأخذ بعين الاعتبار بقواعد الشريعة الإسلامية..
ونظرآ لأهمية تنظيم مسائل إفلاس الشركات وتعثرها ودعمآ لرؤية هذه البلاد المباركة ٢٠٣٠، أدركت وزارة التجارة أهمية هذا الموضوع. حيث قامت الوزارة بإعداد مسودة لمشروع نظام إفلاس الشركات يعالج قضايا الإفلاس والتعثر، وتم نشر مسودته لأخذ آراء المختصين، وتم الرفع لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء لدراسته. وقد تميزت الدراسة بالمقارنة بين دول متقدمة في هذا الشأن، والبدء من حيث انتهى الآخرون، والمعالجة لأبرز المسائل الجوهرية لإفلاس الشركات وتعثرها. وهذا النظام بعد صدوره، يحتاج جهودآلتطبيقه على أرض الواقع؛ من ذلك تثقيف مجتمع الشركات بأهميته من خلال إقامة ورش عمل، وتدريب وتأهيل القضاة عليه، وغيرها..
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً