نظام قاضى التنفيذ:
يتلخص نظام قاضى التنفيذ في تخصيص دائرة من دوائر القضاء للإشراف على التنفيذ سواء من حيث مباشرة اجراءاته منذ البداية حتى نهايتها – أو من حيث فض ما يثور من منازعات في شأن التنفيذ أثناء اجرائه أو قبل البدء فيه، كانت تلك المنازعات من جانب المدين أو من جانب الغير، أو حتى من جانب الدائن نفسه. وقد كانت بعض القوانين العربية – كالقانون العراقي والسوري واللبناني – تأخذ منذ عهد قديم بهذا النظم وتخصص في كل محكمة دائرة قضائية للتنفيذ. وتسمى هذه الدائرة في القانون اللبناني (دائرة الاجراء) وفى كل من القانون السوري والعراقي (دائرة التنفيذ).
وقد أخذ المشرع المصري بنظام قاضى التنفيذ في قانون المرافعات الجديد الصادر سنة 1968 ولكنه احتفظ في نفس الوقت بنظام المحضرين ولذلك نجد أن المادة (274) وهى التي يبدأ بها كتاب التنفيذ في قانون المرافعات تنص على التنفيذ يجرى تحت اشراف قاضى التنفيذ بينما تنص المادة (279) – التي لا يفصل بينها وبين النص الأول سوى أربع مواد فقط – على أن التنفيذ يجرى بواسطة المحضرين. وقد ورد في المادة (6) في صدر قانون المرافعات أن “كل إعلان أو تنفيذ يكون بواسطة المحضرين”. وقد يبدو من مقارنة هذه النصوص أنه ليس ثمة تعارض بينها من الناحية النظرية لأن التنفيذ يجرى بواسطة المحضرين ولكنه يجرى تحت اشراف قاض – فوظيفة القاضي هى الاشراف ولكن العمل يقوم به المحضر – هو أمر يتفق مع طبيعة التنفيذ ومع طبيعة عمل القاضي. غير أن الجمع بين النظامين على هذا النحو في تشريع واحد يدل على أن المشرع لم يفهم تماما طبيعة نظام قاضى التنفيذ. فقد اعتقد واضعو قانون (1968) أن الغرض من انشاء نظام قاضى التنفيذ هو مجرد اخضاع الاجراءات لرقابة القضاء – مع أن ذلك كان متحققا في ظل قانون المرافعات السابق، وان كان القانون الجديد قد حاول تقوية يد القاضي في هذا المجال.
وأذكر أن محاولة الأخذ بنظام قاضى التنفيذ في مصر ترجع إلى العهد الذى وضع فه مشروع قانون المرافعات الموحد بين مصر وسوريا – فقد اكتشف واضعو ذلك المشرع في ذلك الحين أن هذا النظام متبع في سوريا ومنصوص عليه في قانون المرافعات السوري فاقتبسوه منه ليطبق على القطرين، غير أن محاولة الأخذ بهذا النظام قد أقضت مضاجع المحضرين لأنهم ظنوا أنه سيؤدى إلى الاستغناء عنهم فبذلت محاولات من جانبهم للاعتراض على ادخال هذا النظام في مصر لأنه سيقضى على مستقبلهم وعلى أرزاقهم والتفوا في رداء بعض أعضاء اللجنة التي كانت مكلفة بتعديل قانون المرافعات فشعر الجميع بأن ثمة ضغوطا تهدف إلى وأد هذه الفكرة – مع أن نظام قاضى التنفيذ لم يكن من شأنه الاستغناء عن المحضرين بل انه بالعكس كان سيؤدى إلى الاعلاء من شأنهم لأنهم سيتحولون إلى (مأموري تنفيذ) يلحقون بدوائر التنفيذ في المحاكم ويخضعون لها من حيث التوجيه والرقابة والاشراف – وكان من الممكن اقناع المحضرين بأن الفكرة في صالحهم وليست ضدهم وأن المحضر سيصبح مأمور تنفيذ محاكيا بذلك (مأمور الضرائب) مثلا – وان ذلك سيرفع من شأنه، وقد يقترن بمنحه مزايا جديدة تتفق مع وظيفة مأمور التنفيذ.
كان من الممكن في ذلك الحين تنظيم الأمر بحيث لا يضار المحضرون العاملون – وكان من الممكن أيضاً اقناعهم بأن نظام قاضى التنفيذ لا يمس حقوقهم أو مصالحهم وأنه لا يمكن الاستغناء عنهم – ولكن الارتجال التشريعي أدى إلى التوفيق بين الاتجاهات المتعارضة بإدخال نظام اقضى التنفيذ في القانون مع الابقاء على نظام المحضرين كما هو. وقد ظن البعض أن هذا هو الحل السعيد الذى يرضى الجميع، وفاتهم، وهم في مجال التشريع هواة، أن الفن التشريعي الصحيح يأبى أنصاف الحلو لأن الأخذ بنظام معين مع ترقيعه أو تطعيمه قد يؤدى إلى افساده لأن النظام كالبنيان يشد بعضه بعضا فالعبث ببعض أركانه قد يؤدى إلى اختلال باقي الأركان. ومهما يكن من أمر، فإن هذا هو الرأي الذى ساد في اللجنة، وقد حاولوا تبريره فقالوا في المذكرة الايضاحية أن المشروع (أي مشروع القانون الجديد) قد استحدث “نظاما خاصا لقاضى التنفيذ يلائم البيئة المصرية ونظامها القضائي..” والواقع أنه نظام خاص جداً لا يلائم الا المحضرين إذ يجعل قاضى التنفيذ في الواقع خاضعا لسيطرتهم أي انه يحقق أغراضا عكسية غير التي كان المشرع يبتغيها تماما.
ومهما يكن من أمر – فان قانون المرافعات الصادر في سنة 1968 قد استحدث نظام قاضى التنفيذ مستهدفا بذلك غرضين:
(أولهما) تقوية سلطة القضاء في الاشراف على التنفيذ.
(ثانيهما) تجميع منازعات التنفيذ في يد قاض واحد.
وقد كان المفروض أن تنشأ بكل محكمة جزئية أو كلية دائرة للتنفيذ أسوة بما هو معمول به في العراق ولبنان وسوريا ولكن رؤى (اقتصادا في النفقات) الاكتفاء بتخصيص قاض للتنفيذ في دائرة كل محكمة جزئية فقط. ولذلك نصت المادة 274 على أن التنفيذ يجرى تحت اشراف قاضى التنفيذ “يندب في مقر كل محكمة جزئية من بين قضاة المحكمة الابتدائية”. وبذلك أصبح قاضى التنفيذ قاضيا جزئيا مع أن اختصاصه شامل لجميع منازعات التنفيذ الوقتية والمستعجلة والموضوعية أيا ما كانت قيمة المنازعة حتى لو كانت تزيد على نصاب اختصاص القضاء الجزئي. وكان هذا هو أول مظهر من مظاهر الاستثناء والشذوذ لأنه يتضمن خروجا على القواعد العامة في الاختصاص النوعي.
وكان المفروض أن يعهد بهذه المهمة – مهمة الاشراف على التنفيذ وفض منازعاته – إلى قاضى متخصص – بمعنى أن يخصص في كل محكمة جزئية قاض يتفرغ لأداء هذا العمل. ولكن عند التطبيق رؤى امعانا في الاقتصاد أن يضاف هذا العمل إلى الأعمال المعتادة للقاضي الجزئي – أو القضاة العاملين في المحكمة الجزئية – بمعنى أن القاضي الجزئي يخصص بعض وقته لنظر منازعات التنفيذ وللإشراف على اجراءات التنفيذ التي تتخذ بمعرفة المحضرين العاملين في محكمته – وذلك بالإضافة إلى عمله العادي في القضايا المدنية وقضايا الأحوال الشخصية.
وقد أدى ذلك عملا إلى أن القاضي الجزئي لم يعد لديه من الوقت ما يكفى ليخصصه لهذا العمل الجديد – بعد فراغه من نظر القضايا الأخرى – فأصبح الاشراف على التنفيذ نظريا أو على الأصح عملا روتينيا – كما أن منازعات التنفيذ لم تعد تلقى العناية التي كانت تلقاها من قبل – لا من حيث سرعة البت فيها – ولا من حيث بحثها ودراستها – بل وتولدت مشكلات ومنازعات جديدة لم يكن لها وجود من قبل – وتلقف المحضرون الزمام فأصبح التنفيذ ملك يديهم وقاضى التنفيذ الجزئي المرهق بالعمل هو المسئول عن ذلك كله في الظاهر. وها قد تقرر أخيرا في محاكم القاهرة نقل الاختصاص بإشكالات التنفيذ إلى القاضي المستعجل كما كان الأمر قبل انشاء نظام قاضى التنفيذ، بل وبدا البعض يفكر في الغاء هذا النظام لما يثبت من فشله – وان كان ثمة من يراوده الأمل في اصلاحه، ولا يزال.
1- مظاهر الاشراف على أعمال التنفيذ:
أما الاشراف الفعال الذى استهدف المشرع توفيره للقاضي على اجراءات التنفيذ فان مظاهره تتلخص فيما يأتي:
(أولاً) يعد بالمحكمة جدول خاص تقيد فيه طلبات التنفيذ. وهذا التدبير الذى قرره المشرع في المادة (278) لا يتفق مع ما تقرره المادة (279) من أن التنفيذ يتم بمعرفة المحضرين بناء على طلب ذي الشأن متى سلمهم السند التنفيذي. أي أنه لا يوجد في الواقع (طلب تنفيذ) يقدم إلى المحكمة حتى يعد جدول لقيده. وانما الذى يحدث أن صاحب الشأن يسلم سنده التنفيذي إلى قلم المحضرين ابتغاء تنفيذه – وقد ينشأ سجل لقيد ذلك – ولكنه لا يعدو أن يكون دفترا من دفاتر المحضرين – تقيد فيه الأوراق برقم محضرين (وهو رقم مؤقت) – ويمكن لطالب التنفيذ أن يسحب أوراقه في أي وقت وان يتقدم بها من جديد إلى قلم المحضرين بنفس المحكمة أو بأية محكمة أخرى.
(ثانياً) ينشأ لكل طلب ملف تودع به جميع الأوراق المتعلقة بهذا المطلب. وهذا أيضاً من التدابير التي نصت عليها المادة (278) ولكن لا ضوابط له.
(ثالثاً) يعرض الملف على قاضى التنفيذ عقب كل اجراء. هذا التدبير أيضاً غير منضبط عملا وحتى لو اتبع فانه سيغدو مجرد اجراء روتيني لا قيمة له عملا، هذا بالإضافة إلى أنه لا جزاء عليه.
(رابعاً) يثبت بهذا الملف ما يصدره القاضي من قرارات وأوامر وأحكام. وقد جاء بالمذكرة الايضاحية أن أفراد ملف لكل تنفيذ لا يتوقف على قيام نزاع بل يجب أن ينشأ الملف حتى لو سار التنفيذ سيره الطبيعي دون أن يعترضه نزاع – وأنه يجب على المحضر أن يعرض الملف على القاضي عقب كل اجراء يتخذه. وظاهر أن الغرض من ذلك هو تحقيق رقابة القاضي على الاجراءات أولا بأول بحيث يشعر المحضر أن قاضى التنفيذ مهيمن على عمله ومتابعة له باستمرار. ولكن ذلك لا يتحقق عملا لأنه لا المحضر ولا القاضي يوجد لديه الوقت الكافي للمراجعة والمتابعة.
2- اختصاصات قاضى التنفيذ:
ويختص قاضى التنفيذ دون غيره بالفصل في جميع منازعات التنفيذ الموضوعية والوقتية أيا كانت قيمتها. كما يختص بإصدار القرارات والأوامر المتعلقة بالتنفيذ. ويفصل في منازعات التنفيذ الوقتية بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة.
هذا هو ما تنص عليه المادة (275) من قانون المرافعات الجديد – ويبين من هذا النص أن قاضى التنفيذ يجمع بين ثلاث صفات:
فهو قاضى للأمور الوقتية: بالنسبة للأوامر والقرارات المتعلقة بالتنفيذ – إذ ترفع اليه العرائض فيصدر أمره عليها – كما هو متبع في نظام الأوامر على العرائض – وذلك بالنسبة لأوامر الحجز، وأوامر ضم المحصول، ونقل المحجوزات من مكان إلى آخر، وبيع ما يخشى عليه من التلف، إلى غير ذلك من الأوامر المتعلقة بالتنفيذ.
وهو قاض للأمور المستعجلة: بالنسبة لإشكالات التنفيذ التي ترفع بطلب وقف التنفيذ أو الاستمرار فيه أو بطلب عدم الاعتداد بالحجز.
وهو قاضى موضوعي: بالنسبة للمنازعات الموضوعية المتعلقة بالتنفيذ سواء كانت مرفوعة من أحد أطراف التنفيذ أو من الغير – وسواء كانت متعلقة بحجز عقار أو بحجز منقول أو بحجز ما للمدين لدى الغير. فهو مختص بالاعتراضات على قائمة شروط البيع – ومختص بالفصل في دعاوى استرداد المنقولات المحجوزة – ودعاوى الاستحقاق الفرعية في التنفيذ العقاري – أيا كانت قيمتها. وهذا استثناء من قاعدة النصاب – أي حتى لو كانت قيمتها زائدة عن (250) جنيهاً.
كما يختص بنظر دعوى رفع الحجز في حجز ما للمدين لدى الغير ودعوى المنازعة في التقرير بما في الذمة. ولكن تستثنى من المنازعات الموضوعية دعوى صحة الحجز في حجز ما للمدين لدى الغير أو في حجز المنقول لأن هذه الدعوى ترفع إلى المحكمة المختصة أي إلى المحكمة المدنية أو التجارية الجزئية إذا كانت قيمة المنازعة (250) جنيه أو أقل – أو المحكمة الكلية إذا زادت القيمة عن 250 جنيه. (يراعى تعديل الأنصبة في التعديلات المتلاحقة، في هذا الشأن). وقد نصت على ذلك المادتان (333) و (349) بالنسبة لحجز ما للمدين لدى الغير، والمادة (320) بالنسبة لحجز المنقول وذلك لأن دعوى صحة الحجز هى أولا وقبل كل شيء دعوى بثبوت الحق.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً