أثر سقوط الحجز على حقوق الدائن المتدخل:
إنما إذا سقط الحجز الأول سواء بتنازل الحاجز الأول عن حجزه أو ببطلان الحجز فلابد أن يثور التساؤل عن أثر ذلك على حقوق الدائن المتدخل المترتبة على تدخله؟
اختلف الفقه في ذلك: ووجد رأيان متطرفان: رأى يقول بأن ذلك يؤدى دائماً إلى سقوط حق الدائن المتدخل ورأى آخر يقول بأن ذلك لا يؤدى إلى سقوط حق المتدخل أبداً، غير أن الراجح فقها هو التفرقة بين جملة فروض نعرض لبيانها فيما يلى:
1- الفرض الأول- إذا لم يكن بيد المتدخل سند تنفيذي:
فإن تنازل الحاجز الأول عن الحجز الذى أوقعه أو بطلان ذلك الحجز لأى سبب من الأسباب يؤدى إلى زوال ما للدائن المتدخل من حقوق مترتبة على تدخله – لأنه قد اعتمد على الحجز الأول، فإذا زال ذلك الحجز فإنه لا يجد لتدخله متعمداً، لا فرق في ذلك بين تنازل وبطلان.
2- الفرض الثاني- تنازل الحاجز الأول إذا كان بيد المتداخل سند تنفيذي:
أما إذا كان بيد الدائن المتدخل سند تنفيذي، فإن تنازل الحاجز الأول لا يضيره إذ أنه يستطيع عندئذ أن يتولى متابعة الإجراءات والحلو في ذلك محل الحاجز الأول.
3- الفرض الثالث- بطلان الحجز وبيد المتدخل سند تنفيذي:
أما بطلان الحجز، فإنه لا يؤثر في حقوق الدائن المتدخل إذا كان بيده سند تنفيذي، إلا إذا كان ذلك البطلان ظاهرا بمعنى أن يكون راجعاً إلى سبب شكلي يمكن للدائن المتدخل أن يتبينه بالاطلاع على محضر الحجز، ويكون بوسعه عندئذ أن يتلافى نتائجه فلا يكتفى بالتدخل في ذلك الحجز، مادام قد تبين له أنه باطل، بل يعمد إلى إيقاع حجز جديد.
أما إذا كان سبب البطلان مما يخفى على الدائن المتدخل بأن كان سبباً موضوعياً (متعلقاً بدين الحاجز الأول أو صفته أو سنده) فلا يتأثر بذلك مركز الدائن المتدخل.
وأعتد أنه يشترط لذلك أيضاً أن يكون الدائن المتدخل حسن النية – أي يجهل سبب البطلان. فإذا تبين أنه كان على علم به أو يتسنى له العلم به، فإنه يكون مخطئا إذا اكتفى بالتدخل في الحجز الأول وقد كان ينبغي عليه عندئذ أن يعمد إلى ايقاع حجز جديد.
التفرقة بين أسباب البطلان الظاهرة والخفية:
ويفهم من ذلك أنه يجب التفرقة بين أوجه البطلان الظاهرة والخفية.
(أ) فالأولى منها – أي الظاهرة – تؤثر على حقوق الدائن التالي الذى يتدخل في الحجز الباطل بطلاناً ظاهراً، فيسقط حق المتدخل تبعاً لبطلان الحجز الأول الذى تدخل فيه.
وعلة ذلك أن ظهور وجه البطلان كان من شأنه أن يتنبه الدائن الثاني إليه فيعمل على تجنبه بأن يعمد إلى إيقاع حجز جديد مبتدأ ولا يكتفى بالتدخل في الحجز، الظاهر بطلانه.
(ب) أما الثانية – أي وجوه البطلان الخفية – فلا تؤثر على حقوق الدائن المتدخل في الحجز الباطل إلا إذا ثبت أنه كان عالما بها أو كان في استطاعته أن يعلم بها.
والمقصود بوجوه البطلان الخفية تلك الأوجه التي لا يتمكن الشخص العادي من تبينها.
والعلة في عدم تأثر حقوق الدائن المتدخل بوجوه البطلان الخفية أن خفاءها لا يدعوه إلى توقيع حجز جديد يتجنب به آثارها بل أنه يمضى في الطريق المألوف للتدخل في الحجز القائم مطمئناً إلى قيامه.
على أنه إذا كان عالما بها فإنها لا تكون خافية عليه وان خفيت على سواه ولذلك يكون مهملاً إذا لم يتجنبها (بإيقاع حجز مبتدأ).
التفرقة بين البطلان الشكلي والموضوعي:
ولما كان الغالب أن تكون وجوه البطلان الظاهرة وجوها شكلية فإن التفرقة التقليدية في الفقه قد جرت على التمييز ما بين البطلان الشكلي والبطلان الموضوعي، ولذلك يقرر الشراح أن بطلان الحجز الأول شكلاً يؤدى لسقوط حقوق من تدخل فيه أما بطلانه موضوعاً فلا يؤدى إلى ذلك.
وربما كان الأدق تمييز وجوه البطلان الظاهرة عن وجوه البطلان الخفية لأن هناك حالات يكون فيها البطلان شكليا ولكن سببه يخفى (كما في حالة بطلان محضر الحجز لعدم توقيع الحضر على صورته – وفقاً لرأى بعض الشراح) كما أن البطلان قد يكون موضوعياً ويكون سببه ظاهراً كما لو كان الدين قد سقط بالتقادم ويبين ذلك بوضوح للمطلع على محضر الحجز من مجرد النظر إلى تاريخ السند التنفيذي.
ولهذا نرى التمسك بالتفرقة في وجوه البطلان بين ما ظهر منها وما خفى، أما التفرقة بين وجوه البطلان الشكلي والموضوعي فهي تجرى على أساس الغالب عملاً.
هذا مع مراعاة أن علم المتدخل بالعيب (ولو كان خفياً) لا يجعله خافياً عليه ولذلك يتأثر به ويبطل تدخل نتيجة له.
وهذا تطبيق لنظرية الأوضاع الظاهرة.
فرض رابع- سقوط الحجز الأول بمرور ثلاثة شهور:
ولا يبقى إلا أن نعالج فرضاً رابعاً وهو أن يسقط الحجز الأول بسبب عدم اتمام البيع خلال ثلاثة شهور من تاريخ توقيعه مما يؤدى إلى اعتبار الحجز كأن لم يكن طبقاً لما نصت عليه المادة 375 (ما لم يكن هناك سبب لإيقاف هذه المدة) – ونرى في هذا الفرض أن حقوق الدائن المتدخل، المترتبة على تدخله، تسقط تبعاً لذلك إذ أنه كان يستطيع أن يتولى الإجراءات بنفسه، بمقتضى ما له من حق الحلول محل الحاجز المباشر للإجراءات، إذا ما تبين إهمالاً أو تراخياً من جانب الحاجز الأصلي، وقدر أن ذلك قد يؤدى إلى سقوط الحجز، فإن المتدخل يكون في هذه الحالة مخطئاً أو مهملاً بدوره وعليه أن يتحمل تبعة خطئه أو إهماله. وتحسب مدة الثلاثة أشهر من تاريخ الحجز الأول (الأصلي) لا من تاريخ التدخل في ذلك الحجز.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً