– السبب:
آثر المشروع أن يتمسك بالسبب كركن لازم العقد، إلى جانب الرضاء والمحل، ناهجًا في ذلك نهج التشريعات اللاتينية النزعة، وحاذيًا حذو قانون التجارة الكويتي وغيره من قوانين أغلب البلاد العربية الأخرى، وهو إذ يفعل لا يقصر السبب على الغرض المباشر الأول، وإنما يدخل فيه الباعث المستحث الدافع، شريطة أن يكون ملحوظًا في التعاقد، بأن يعلم العاقد الآخر به، أو يكون من المفروض عليه أن يعلم به.
والمشروع إذ يجعل من السبب في وجوده ومشروعيته أمرًا لازمًا لا يقوم العقد بغيره، يستهدف تحقيق العدالة في العقود من وجه، وإضفاء المشروعية والفضيلة على العقود من وجه آخر، وهو بذلك يساير الأغلبية الكبرى من قوانين البلاد المتحضرة عامة، والبلاد العربية منها خاصة. ثم إنه يتجاوب تمامًا مع هدف الشريعة الإسلامية الغراء في إضفاء مبدأ العدالة في العقود من وجه، ومنع العقود من وجه آخر، من أن تتخذ وسيلة لمخالفة صالح المجتمع وتنكب طريق الفضيلة والخلق الجميل.
وترسي المادة (176) في فقرتها الأولى، أصلاً من أصول العقد، وهو وجوب أن يستند التزام المتعاقد إلى سبب، وأن يكون هذا السبب مشروعًا، وإلا فإن العقد يفتقد ركنًا من الأركان التي ينبغي له أن يقوم عليها، فيبطل. وقد حرص المشروع، في صياغة الفقرة الأولى من المادة (176) على أن ينص على بطلان العقد، إذا التزم المتعاقد دون سبب، أو لسبب غير مشروع، مستوحيًا في ذلك صياغة المادة (132) من القانون العراقي. وهو قد أراد بذلك أن يتجنب صياغة أغلب قوانين البلاد المختلفة التي يلحق بعضها السبب بالالتزام، وبعضها الآخر بالعقد، وبعضها الثالث بالاثنين معًا. فكون السبب ركنًا في العقد، أو في الالتزام، أو فيهما معًا، أو حتى في غيرهما (في الإدارة)، أمر فقهي ومن ثم كان خليقًا به أن يُترك للاجتهاد دون ما تقييد من الشارع.
وتأتي الفقرة الثانية من المادة (176) لتنص على أنه يعتد، في تحديد مضمون السبب، بالباعث المستحث الدافع إلى التعاقد، إذا كان المتعاقد الآخر يعلمه أو كان من المفروض عليه أن يعلمه، فالسبب لا يقتصر على الغرض المباشر الأول الذي يسعى المتعاقد إلى تحقيقه من وراء ارتضائه التحمل بالالتزام وإنما يشمل أيضًا الباعث المستحث الدافع إذا كان ملحوظًا في العقد، بأن كان المتعاقد الآخر يعلمه أو كان مفروضًا فيه أن يعلمه، والقصد من اشتراط علم المتعاقد الآخر بالباعث الدافع، هو ما يقتضيه استقرار المعاملات من عدم تعريضه لأثر البطلان إذا كان بعيدًا بالكلية عنه، وهو من بعد أمر شخصي يتعلق بصاحبه.
وإذا كان قد وجد، في الفكر القانوني، اتجاه إلى استلزام مساهمة المتعاقدين كليهما في العمل على تحقيق الباعث الدافع للاعتداد به، فإن هذا الفكر لم يسد، واكتفى من المتعاقد الآخر، بمجرد العلم أو إمكان حصوله. وهو الحكم الذي ارتأى المشروع أن يتبناه. ومن وجه آخر، تواجد في الفكر القانوني نظر ساد في الفقه يرى قصر استلزام العلم بالباعث الدافع على عقود المعاوضات، دون عقود التبرع، وهو نظر لم يسد في القضاء، وقد ارتأى المشروع بدوره ألا يسايره، وعلى أية حال، فليس للجدل حول هذا الأمر كبير أهمية من الناحية العملية، إذا أنه يندر، في واقع حياتنا، أن يكون المتبرع له بعيدًا عن الباعث الذي يدفع المتبرع إلى أن يتبرع له، والوصف الذي يتسم به، خيرًا كان أم شرًا، جميلاً كان أم نكرًا.
وتعرض المادة (177) والمادة (178) لإثبات السبب، من حيث وجوده ومشروعيته على حد سواء. فالمادة (177) تقرر قرينة قانونية بسيطة مؤداها أن التزام المتعاقد يقوم على سبب، وأن هذا السبب مشروع، ولم لم يذكر هذا السبب في العقد. وتتناول المادة (178) الحالة التي يذكر فيها السبب في العقد، وتقيم، في فقرتها الأولى، قرينة على أنه السبب الحقيقي، وهي بدورها قرينة بسيطة، يجوز دحضها بإثبات الصورية. وتعرض المادة (178) في فقرتها الثانية، للحالة التي تثبت فيها صورية السبب، لتلقي على من يدعي أن لالتزام المتعاقد سببًا آخر مشروعًا عبء إقامة الدليل على صحة ما يدعيه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً