منازعات التنفيذ المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير:
لا يبقى إلا أن نعالج منازعات التنفيذ المتعلقة بحجز ما للمدين لدى الغير. وفى هذا المقام نشير إلى أن المنازعة قد تثور من جانب الدائن، وذلك في حالة ما إذا لم يقرر المحجوز لديه بما في ذمته: فيكون من حق الدائن أن يرفع عليه دعوى الالزام الشخصي وهى دعوى يطلب فيها الدائن الحكم بالزام المحجوز لديه شخصياً بأن يؤدى إلى الدائن مباشرة قيمة الدين المحجوز من أجله – وذلك جزاء له على الامتناع عن التقرير بما في الذمة أو التخلف عن أداء هذا الواجب على النحو المطلوب قانوناً: كما لو أقر بمبلغ أقل مما في ذمته فعلاً أو أقر اقراراً سلبياً في حين أن ذمته مشغولة بمال للمدين المحجوز عليه أو إذا لم يودع المستندات اللازمة التي ينبغي عليه ايداعها مع التقرير.
ولا يجوز للدائن رفع هذه الدعوى إلا إذا كان حاصلاً من الأصل على سند تنفيذي أو إذا حصل على سند تنفيذي بعد ايقاع الحجز ولكن لابد أن تكون دعوى الالزام الشخصي مسبوقة بوجود سند تنفيذي في يد الدائن.
وقد تأتى المنازعة من جانب الدائن إذا أقر المحجوز لديه بما في ذمته اقرارا غير صحيح: أي أقر بأقل مما في ذمته فعلاً فينازع الدائن في هذه الحالة في صحة الاقرار بدعوى (المنازعة في التقرير بما في الذمة) وقد سبق أن أشرنا إليها. ولا يقبل من الدائن في هذه الدعوى دليل سوى ما هو مباح للمدين المحجوز عليه لإثبات ما في ذمته المحجوز لديه. وذلك لأن الدائن يستعمل هنا حقوق مدينه ولا يجوز أن تكون له حقوق في الإثبات أكثر مما لمدينه الذى يستعمل حقوقه. لهو ليس من الغير في هذا المقام ولو قلنا بغير ذلك لكان حجز ما للمدين وسيلة سهلة للتحايل على قواعد الإثبات.
وثمة حالة مألوفة من حالات المنازعة التي تأتى من جانب الدائن بل يحتم القانون على الدائن اثارتها كلما كان الحجز واقعاً بأمر من القاضي وهى حالة دعوى صحة الحجز التي يجب على الدائن رفعها خلال ثمانية أيام من إيقاع الحجز لكى يحصل على سند تنفيذي بحقه الذى أوقع الحجز بمقتضاه أو على أساسه (ابتغاء استيفائه). وقد أشرنا إلى هذه الدعوى فيما سبق (بالتفصيل). وقد تأتى المنازعة من جانب المحجوز لديه وذلك في حالة ما إذا اتبعت في الحجز إجراءات غير صحيحة فيكون من حق المحجوز لديه ابطالها ليدرأ عن نفسه ما يكون قد قام به من تصرفات كما لو كان قد وفى الدين إلى المحجوز عليه (رغم الحجز) وكما لو كان المدين قد أجرى حواله بجزء من المبلغ إلى شخص آخر وقام المحجوز لديه بتنفيذ هذه الحوالة ووفاء قيمتها. ومصلحة المحجوز لديه في هذه الحالات ابطال الحجز والغائه مصلحة ظاهرة.
وقد تأتى المنازعة من قبل المحجوز عليه أي المدين ذاته: كما لو قرر المحجوز لديه بما في ذمته اقرارا غير صحيح بما يضر بمصلحة المحجوز عليه فيجوز للمحجوز عليه أن ينازع في هذا التقرير ليثبت المديونية الفعلية (الحقيقة) بطرق الاثبات المقررة والمتاحة له قانوناً. غير أن أهم النازعات التي قد تثار في هذا الشأن هى المنازعات التي يثيرها المدين المحجوز عليه ضد الدائن الحاجز: لأن المدين قلما يسكت على الحجز الذى أوقع على أمواله. بل أنه غالباً ما ينازع فيه. وقد أوجد المشرع له سبلاً مختلفة للدفاع عن نفسه ضد هذا الحجز، فما هو موقف المدين في حجز ما للمدين لدى الغير وما هى المنازعات التي يمكن أن يثيرها والتي أتاحها له المشرع أو التي فتح له المشرع أبوابها في هذا الصدد. هذا ما نعالجه فيما يلى:
موقف المدين المحجوز عليه:
أوجد المشرع للمدين المحجوز عليه عدة سبل في حجز ما للمدين لدى الغير، وهى تتلخص فيما يلى:
1- التظلم:
يجوز للمدين المحجوز عليه، إذا كان الحجز واقعاً بأمر من القاضي أن يتظلم من هذا الأمر، أمام القاضي الآمر، أو أمام المحكمة التي يتبعها هذا القاضي. وليس هذا التظلم ميعاد.
والحكم الصادر في التظلم يكون قابلاً للطعن فيه بطريق الاستئناف اما من المدين المحجوز عليه إذا صدر بتأييد الحكم الصادر من القاضي، وأما من الدائن الحاجز إذا صدر الحكم بإلغاء أمر القاضي، ولا تجوز المعارضة فيه.
ولكن هل يؤثر رفع دعوى صحة الحجز في هذه الحالة على حق المدين (المحجوز عليه) في التظلم من الأمر الصادر بإيقاع الحجز؟ قد يقال: ما دام للمدين الحق في المدافعة عند نظر دعوى صحة الحجز، فإنه لا محل لأن يرفع تظلماً عن أمر القاضي. ولكن يرد على ذلك: بأن الدائن هو الذى يرفع دعوى صحة الحجز وقد يحدد لها جلسة بعيدة ويكون من مصلحة المدين المبادرة بالتظلم.
كما أن رفع دعوى صحة الحجز محتم في جميع الحالات التي يكون الحجز فيها بأمر القاضي. فلو قلنا أن رفع دعوى صحة الحجز مانع من التظلم فكأننا عطلنا طريقاً للطعن قرره المشرع ولم يرد نص بإلغائه.
والحكم في التظلم بقبوله والغاء أمر الحجز لا يؤدى إلى سقوط دعوى صحة الحجز بل تظل قائمة بالنسبة للطلب الموضوعي فيها وهو الزام المدين المحجوز عليه بدين الحاجز. ويجوز للحاجز توقيع حجز جديد وطلب الحكم بصحته.
أما الحكم برفض التظلم فلا يمنع المحكمة التي تنظر دعوى صحة الحجز من القضاء برفض طلب صحة الحجز إذا ما تبينت انه لم يكن في محله. وذلك لأن الحكم في التظلم هو حكم وقتي لا يقيد محكمة الموضوع.
2- المدافعة في دعوى صحة الحجز:
ويجوز للمحجوز عليه أن ينتظر حتى تنظر دعوى صحة الحجز ويبدى ما لديه من اعتراضات على الحجوز وله تعجيل هذه الدعوى إذا حدد لها الحاجز ميعاداً بعيداً، ومن حق المحجوز عليه أيضاً أن يطلب إلى المحكمة التي تنظر دعوى صحة الحجز، أن تقرر مبدئياً بإلغاء أمر القاضي بالحجز – ويعتبر ذلك مرفوعاً منه على سبيل التبع للدعوى الأصلية ويجوز له ابداؤه شفوياً في الجلسة أثناء المرافعة.
3- دعوى بطلان الحجز:
ويجوز للمحجوز عليه أن يرفع دعوى أصلية ببطلان الحجز وتسمى هذه الدعوى (دعوى رفع الحجز). وهذه الدعوى ترفع أمام قاضى التنفيذ الذى يتبعه المحجوز عليه. والغريب في هذه الدعوى أنها ترفع أمام محكمة المحجوز عليه مع انه هو المدعى فيها – وهذا استثناء من قواعد الاختصاص المحلى لأنه يجعل الاختصاص لمحكمة المدعى لا لمحكمة المدعى عليه. ولكن رفع هذه الدعوى أمام محكمة رافعها “المحجوز عليه” ليس حتمياً بل هو جوازي. ولذلك يجوز أن يرفعها على الحاجز أما المحكمة التي يتبعها ذلك الحاجز. أي أمام قاضى التنفيذ الذى يقع في دائرته موطن الحاجز.
والخصوم في هذه الدعوى هم المحجوز عليه “رافع الدعوى” والحاجز “المدعى عليه فيها”. أما المحجوز لديه فيجوز اختصامه أو عدم اختصامه فيها. وهى لا تعتبر حجة عليه الا إذا أبلغت إليه. فكان المشرع لا يعتبر المحجوز لديه خصماً وانما هو مجرد مستمع تبلغ إليه الدعوى لا توجه غليه فيها طلبات.
ويترتب على رفع هذه الدعوى: انه لا يجوز الأداء من المحجوز لديه إلا بعد الفصل فيها أي أنه لا يجوز للمحجوز لديه أن يؤدى ما للمدين عنده إلى الحاجز، وشرط ذلك كما قدمنا أن يكون قد اختصم فيها – أو أبلغت إليه على حد تعبير القانون.
وترفع هذه الدعوى إلى قاضى التنفيذ أيا كانت قيمتها، ولكن الحكم الصادر فيها يستأنف اما إلى المحكمة الابتدائية واما إلى محكمة الاستئناف حسب قيمتها ما لم تكن داخلة في حدود النصاب النهائي للقاضي الجزئي.
4- دعوى عدم الاعتداد بالحجز:
كما يجوز للمحجوز عليه أن يلجأ إلى قاضى التنفيذ باعتباره قاضياً للأمور المستعجلة ليحكم في مواجهة الحاجز بالإذن (للمحجوز عليه) في قبض دينه م المحجوز لديه، رغم الحجز وذلك في الأحوال الآتية: المنصوص على ثلاث منها في المادة 351 مرافعات وهى:
إذا كان الحجز قد وقع بغير سند تنفيذي أو أمر من القاضي.
إذا لم يبلغ الحجز إلى المحجوز عليه في الميعاد أي في ثمانية الأيام التالية لإعلانه إلى المحجوز لديه لأن الحجز عندئذ يعتبر كأن لم يكمن (أو) إذا لم ترفع الدعوى بصحة الحجز في الميعاد لأن ذلك يؤدى أيضاً إلى اعتبار الحجز كأن لم يكن.
إذا كان قد حصل الايداع – أي إذا أودع في خزينة المحكمة مبلغ مساو للدين المحجوز من أجله وخصص للوفاء بمطلوب الحاجز عند الاقرار به أو الحكم بثبوته. لأن هذا الايداع يؤدى إلى زوال قيد الحجز عن المحجوز لديه.
ويقرر الفقه أنه يجوز رفع هذه الدعوى في غير تلك الحالات الثلاث مادام وجه البطلان في الحجز ظاهراً. لأن هذه الحالات لم ترد على سبيل الحصر.
ومن أمثلة ذلك أن يكون الحجز قد وقع بأمر القاضي وحصل التظلم بقبوله والغاء الأمر. أو أن يكون الحجز قد وقع على مبلغ لا يجوز حجزه (كما لو وقع على مرتب موظف وفاء لدين عادى).
على أن يراعى أن قاضى التنفيذ هنا لا يقضى ببطلان الحجز أو الغائه لأن في ذلك مساساً بموضوع التنفيذ، وإنما يحكم بعدم الاعتداد بالحجز أي يأذن للمحجوز عليه مؤقتاً باستلام ما له لدى المحجوز لديه سواء كان مبلغاً من النقود أو منقولات، وهو لا يحكم بذلك إذا كان الحجز مستوفياً في الظاهر لشروطه الشكلية لأن النزاع في أمر الدين المحجوز من أجله أو في سند التنفيذ يمس الموضوع، وإنما يقضى بذلك في حالات البطلان الظاهر الذى لا شك فيه. ويعتبر حكمه هنا صادراً في مسألة مستعجلة أي أنه يحكم بصفته قاضياً للأمور المستعجلة بحكم لا يمس أصل الحق. ولذلك فإن قيام دعوى صحة الحجز لا يحول دون رفع هذه الدعوى المستعجلة بعدم الاعتداد بالحجز.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً