أركان جريمة النصب والاحتيال:
لابد في كل جريمة من توافر ركنين اثنين، وهما الركن المادي، والركن المعنوي ،أو الركن الشرعي ،وجريمة النصب والاحتيال لا بد فيها من وجود هذين الركنين، ليتم وصف التجريم على هذه العملية، ولكي يتضح الأمر لا بد من تبيان لهذه الأركان على التفصيل:
الفصل الأول : الركن المادي
والذي يتمثل بوجود فعل مشاهد في الخارج يحس به، ويتكون هذا الركن من عناصر ثلاثة وهي :
الأول: النشاط الإيجابي “الاحتيال”.
الثاني: النتيجة الإجرامية” الاستيلاء”.
الثالث: علاقة السببية.
والمقصود بالنشاط الإيجابي هو: ممارسة المحتال لأساليب- لابد أن تكون محددة- لمزاولة عملية النصب والاحتيال طبقاً لقانون “لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص” .. وهذه الأساليب هي:
أ- استعمال الطرق الاحتيالية.
ب- التصرف في مال الغير.
ج- اتخاذ اسم أو صفة كاذبة وغير صحيحة .
ومعنى استعمال الطرق الاحتيالية هو: إتيان المحتال مظاهر خارجية تدعم كذبة، وتكون الغاية من ذلك تحقيق أمور غير مشروعة.
والمظاهر الخارجية هي التي تلقي في روع المجني عليه، -والمتمثل بالشخص العادي- الطمأنينة ، والتصديق فيسلّم بما يقوله الجاني أو يطمح إليه .
ومن تلك المظاهر :
الأوراق المزورة والتي يبرزها الجاني، ليدعم بها موقفه ،ويؤكد أمام المجني عليه صدق ما يقول، وهي غير مطابقة للواقع .
ومثال ذلك : إبراز عقد وكالة ،أو شراكة مع أحد رجال الأعمال المشهورين، والمرموقين، وهي في حقيقتها وثيقة مزورة .
الاستعانة بالغير : والذي قد يكون قريباًَ من الجاني كزوجته ، أو ولده، أو غير ذلك مما يدخل الطمأنينة على المجني عليه ، ويشترط القصد الجنائي في هذا المتدخل وإلاّ فالجريمة لا تقع عليه بل تقع على المستعين به .
مباشرة بعض الأعمال الداعمة لكذب الجاني :
وذلك كقيادته سيارات فارهة، أو سكني فنادق شهيرة، أو إسراف في المصروفات، مما يغري الشخص العادي فينخدع به .
الغش التجاري: والمتمثل بتقديم سلعة متشابهة مع السلعة الحقيقية مع اختلاف كبير في القيمة ،لإدخال الوهم في نفس المجني عليه، ومن ثم التعاقد معه، وممارسة الاحتيال عليه.
استغلال الصفة : والقصد من ذلك أن يستغل الجاني صفةً ما يتمتع بها، لتدعيم كذبه ،واحتياله كاستقلال رجل مشهور بالتدين، والصلاح أو ذي سلطة، أومنصب مرموق .
ولا يكفي مجرد هذه المظاهر بل لا بد من وجود الهدف منها وهو احد هذه الأمور الآتية:
وجود مشروع كاذب : ويشمل جميع أنواع المشاريع التجارية والصناعية والمزارع والمالية
وجود واقعة مزورة : وتشمل جميع أنواع الوقائع شريطة أن تكون مجانبة للحقيقة
إحداث الأمل والفأل لحصول ربح :وذلك من خلال المقارنات والأسباب والدلائل الكاذبة والتي ينتج عنها بالطبع نتيجة كاذبة .
إحداث الأمل بتسديد وإرجاع المبلغ الذي أخذ بطريقة الاحتيال :ومثاله وعد الجاني بإعادة المبلغ المستلم من المجني عليه بصفته قرضا وتحرير كمبيالة بذلك أو شيك بدون رصيد أو قد أشهر إفلاس الجاني.
وأما الأسلوب التالي من العنصر الأول من الركن المادي وهو التصرف في مال الغير والمراد به: كون هذه الأساليب ،والأنشطة من شأنها تخويل الجاني التصرف بمال غيره من الناس بدون وجه شرعي، ونتج التصرف بسبب هذه المظاهر الخادعة، والوعود الزائفة .
والتصرف قد يكون ناقلاً للملكية كالبيع أو المقايضة أو الهبة، وقد يكون موثقاً للعين كالرهن ونحوه.
وأما الأسلوب الثالث من العنصر الأول ، الركن المادي فهو : اتخاذ اسم أو صفة مكذوبة .
والمراد بذلك تسمي الجاني باسم له قيمة معينة ،أو انتحاله لصفة معتبرة ذات قيمة ،كاسم رجل أعمال، أو رجل ذي صفة مقدرة، أو وظيفة ذات طابع اجتماعي كبير،أو ذات طابع سياسي مخوف.
أما العنصر الثاني من الركن المادي وهو حصول النتيجة الإجرامية وهي ” الاستيلاء”:
فلا بد من حصول هذه النتيجة، وهي استيلاء الجاني على مال الغير، أو على شيء ذي قيمة ،يملكه الغير.
ويشترط في ذلك أن يكون المال مملوكاً للغير وأن يكون المال له قيمة معتبرة .
وأما العنصر الثالث من الركن المادي فهي علاقة السببية ،والمراد بها: ترتب النتيجة “الاستيلاء” على النشاط الإجرامي المتمثل بالاحتيال ،بحيث يرجع الاستيلاء على هذا النشاط الإجرامي، ولولا وجوده لما حدث هذا الاستيلاء ،ولم يحصل سلبٌ لمال المجني عليه ،أو بعضه .
الفصل الثاني: الركن المعنوي :
ويقصد بالركن المعنوي هو: توفر القصد الجنائي , حيث إن جريمة النصب جريمة عمدية، تتطلب توفر القصد الجنائي المتمثل بالإرادة والعلم.
فتتجه إرادة الجاني إلى ممارسة السلوك الإجرامي بقصد تحقيقه النتيجة، وهي سلب مال الغير، أو بعضه، كما يجب أن يكون الجاني على علم ودراية بأنه يرتكب أمراً من شأنه التدليس، والتمويه، والمخادعة لاستيلاء مال الغير .
ويتلخص مما سبق أن أركان جريمة النصب والاحتيال هي ما يلي:
وقوع فعل مادي يتمثل في فعل الاحتيال بإحدى الطرق المذكورة.
حصول نتيجة من ممارسة هذا الاحتيال وهي الاستيلاء على نقود أو سندات أو متاع منقول .
قيام رابطة السببية بين الفعل المادي وهو الاحتيال والنتيجة وهي الاستيلاء على مال الغير .
توافر القصد الجنائي .
الباب الرابع: خصائص جريمة النصب والاحتيال، و علاقة النصب بالاحتيال:
الفصل الأول: خصائص جريمة النصب والاحتيال:
تمتاز جريمة النصب والاحتيال عن غيرها من الجرائم بعده خصائص منها :
1- الاعتداء على الملكية .
2- تمثيل سلوك معقد من قبل الجاني.
3- تعدد الأحداث، وتسليم المجني عليه المال للجاني طواعية .
4- التركيب في الجريمة، ففيها فعل، ونتيجة ،وعلاقة سببية.
5- فيها الاعتداء على حرية المجني عليه، بتأثير ألوان الاحتيال عليه،والتي يلجأ إليها الجاني.
الفصل الثاني: علاقة النصب بالاحتيال:
بين النصب والاحتيال علاقة تناسب وهي :أن الاحتيال وسيلة لمزاولة النصب ، وهو الاستيلاء على مال الغير، فلا يستطيع أن ينصب الشخص على أحد دون الاحتيال عليه.
الباب الخامس: موقف الفقه الإسلامي من جريمة النصب والاحتيال، والمختص بنظرها:
مما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية جاءت بالمحافظة على الضرورات الخمس والتي هي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض أوالنسل .
ولا شك أن جريمة النصب، والاحتيال من أعظم الاعتداء على المال المحترم، ولقد حرمت الشريعة الإسلامية الاستيلاء على أموال الآخرين بكل طريقة، وبكل حيلة، ولقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم الذين يستحلون أموال الناس، ويستولون عليها بأي حيلة، وذكر أن ذلك من فعل اليهود .
حيث جاء عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)- أي بأقلها – ولا شك أن انتهاك المال المحترم هو من محارم الله الممنوع فعله .
قال ابن بطة : حدث موسى بن سعد الدنداني : أن أبا عبد الله قال: لا يجوز شي من الحيل.
وإذا صاحب جريمة الاستيلاء على أموال الناس كذب، وزور، ونفاق، وتزين للمرء بمـا لم يعط، وخلف وعد، ونقض عهد ،وفجور في الأيمان، وحنث فيه، فقد اشتملت جريمة النصب على كبائر ،وموبقات لا حصر لها، فكفى بصاحبها إثماً أن يعصي الله من أنواع شتى، وأبواب من الذنوب متفرقة .
وما ذكر من هذه الذنوب التي اشتملت عليها جريمة النصب، والاحتيال هي معلوم تحريمها من الدين بالضرورة ،فهي لا تخفى على من يعرف أصول دين الإسلام وفقهه.
المحامي أحمد الجليطي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً