مخالفة المادة (114) من قانون العمل العماني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
إن الحديث عن الجريمة وانتشارها بين أوساط المجتمع يتطلب بداية التأكيد على انخفاض مستواها في السلطنة بشكل عام، وتفاوت أنواعها مع ارتفاع نسبة نوع معين منها في ولاية دون الأخرى، بما يقتضي معه ضرورة التركيز من قِبل الإدارة المختصة على تلك الجريمة والبحث في أسباب انتشارها في هذه الولاية بالذات دون غيرها، ومحاولة خفض نسبتها عن طريق وسائل التوعية المجتمعية الهادفة، إضافة إلى صرامة الإجراءات المتبعة حيالها، لذلك فإننا في هذه الأسطر سنتحدث عن الجريمة الظاهرة من بين الجرائم الأخرى في حدود اختصاص إدارة الادعاء العام بولاية إبراء من خلال بيانها وبيان تعريفها والنصوص القانونية التي تجرمها، وعقوبتها، وأركانها، وأسباب الوقوع فيها، وآلية الوقاية من التعرض لها، مع ذكر الإحصائيات التفصيلية بشأنها ومقارنتها بإحصائية الأعوام الخمسة الفائتة.
الجريمة محل العرض التالي هي جريمة (تشغيل عمالة غير عمانيين من قبل مشغل لم يرخص له بتشغيلها مع تركها من قبل مكفولها للعمل لدى الغير).
*النص القانوني للجريمة:-
المادة (114) من قانون العمل، نصت على أن “يعاقب كل من يشغل عمالاً غير عمانيين لم يرخص له بتشغيلهم وفقاَ للترخيص الصادر بغرامة لا تقل عن (1000) ألف ريال عماني ولا تزيد على (2000) ألفي ريال عماني عن كل عامل وتتعدد العقوبة بتعدد العمال الذين وقعت بشأنهم المخالفة فضلاً عن إلزامه بمصاريف إعادة العامل إلى بلده مع حرمانه من استقدام عمال غير عمانيين لمدة لا تزيد على السنتين وتُضاعف العقوبة إذا كان العامل الذي تم تشغيله ممن دخلوا السلطنة بطريقة غير مشروعة أو تاركاً لعمله لدى صاحب العمل الذي رُخص له بتشغيله.
ويعاقب صاحب العمل الذي يترك بإرادته أي عامل غير عماني مرخص له بتشغيله بالعمل لدى غيره بالسجن مدة لا تزيد على شهر وغرامة لا تقل عن (1000) ألف ريال عماني عن كل عامل، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتتعدد العقوبة بتعدد العمال الذين وقعت بشأنهم المخالفة فضلاً عن حرمانه من استقدام عمال غير عمانيين لمدة لا تزيد عن سنتين وتشدد العقوبة في حالة تكرار المخالفة.
يعاقب العامل غير العماني الذي يعمل بالسلطنة بدون ترخيص من الدائرة المختصة أو الذي يعمل لدى غير صاحب العمل المرخص له بتشغيله بالسجن مدة لا تزيد على شهر وبغرامة لا تقل عن (400) أربعمائة ريال عماني ولا تزيد عن (800) ثمانمائة ريال عماني أو بإحدى هاتين العقوبتين، فضلاً عن إلغاء الترخيص الصادر له إن وجد، وإبعاده عن البلاد على نفقة الطرف المشغل وحرمانه من دخول السلطنة”.
*أركان الجريمة:-
يتضح لنا من صراحة النص أعلاه بأن الأطراف محل التجريم هي:
– المشغل.
– صاحب العمل (الكفيل).
– العامل.
وسيظهر من خلالها الأركان محل التجريم لكل طرف.
أولاً: المشغل:
الركن المادي: وهو قيام الشخص بتشغيل عامل أجنبي غير مرخص له بتشغيله في الترخيص الصادر له وبأي مهنة كانت.
الركن المعنوي: علمه وتوجه إرادته في القيام بالفعل.
ثانياً: صاحب العمل:
الركن المادي: وهو بترك العامل الأجنبي المرخص له بتشغيله بإرادته يعمل لدى الغير بأي عمل كان.
الركن المعنوي: توجه إرادته الحرة وعلمه بذلك.
ثالثاً: العامل:
الركن المادي: قيام العامل الأجنبي بالعمل بدون ترخيص أو العمل لدى غير صاحب العمل المرخص له بتشغيله.
الركن المعنوي: علمه وتوجه إرادته في القيام بالفعل.
*أسباب ارتكاب الجريمة:
إن واقع حال الجريمة يشير إلى أن الطرف الرئيس في مادة التجريم هو العامل الأجنبي، وما كان صدور قانون العمل العماني إلا لتنظيم القوى العاملة في نطاق القطاع الخاص بصفة عامة والعامل الأجنبي بصفة خاصة، وذلك ببيان حقوقه وواجباته والأفعال المحظور إتيانها من قِبله، ويتضح من خلال القضايا التي تعاملنا معها في شأن عمل العامل من دون ترخيص أو عمله لدى غير صاحب العمل بأن هناك أسباباً تؤدي إلى ارتكاب العامل للفعل المحظور وهي:
السبب الأول/ صاحب العمل:
إن عدم التزام صاحب العمل بالعقد المبرم بينه والعامل والتصريح المرخص له بترك عامله وعدم تشغيله في المهنة المحددة وهضمه حقوقه وتكليفه بأعباء أخرى خلال المتفق عليه وعدم تهيئة البيئة المناسبة للعمل تؤدي إلى نفور العامل وهروبه عن كفيله للعمل في مواقع أخرى، والبحث عن بيئة أخرى يجد فيها الاستقرار النفسي والمالي.
السبب الثاني/ المشغل:
وفي مقابل هذا السبب يجد العامل من يوفر له فرصة عمل أخرى من المشغل والذي يستقبله ويوفر له البيئة التي يجد فيها استقراره بما يشجعه على الخروج والعمل خارج نطاق الكفيل طالما أنه سيجد عملاً آخر، فالسببان الأول والثاني مرتبطان مع بعضهما فلو لم يكن العامل لديه الأمل في الحصول على عمل آخر لما هرب عن كفيله.
السبب الثالث/ المال:
نجد أن الكثير من القوى العاملة الأجنبية خرجت من مواقع العمل المرخص لها العمل فيها للبحث عن مداخل توفر لها مبالغ أكثر من المبالغ المحددة لها في عقد العمل وبفارق كبير مما يشجعها للهروب والعمل بحرية من دون تقييد.
والجانب الآخر يعود إلى صاحب العمل الذي لا يوجد لديه عمل أصلاً وما كان تحصّله على المأذونيات لاستجلاب القوى العاملة إلا للحصول على المال من خلال بيعها ودخول القوى العاملة للسلطنة والعمل فيها من دون متابعة تذكر من قِبلهم، وكذلك الحال بالنسبة للمشغل حيث يسعى من خلال تشغيل قوى عاملة ليست على كفالته بالأجر اليومي لعدم الالتزام بدفع الراتب الشهري والتهرب من دفع أي مبالغ خاصة برسوم استقدام القوى العاملة وعلاجهم وتأمينهم وغيرها من الالتزامات أو الواجبات.
السبب الرابع/ الوعي القانوني:
إن واقع التحقيقات المجراة مع القوى العاملة المضبوطة كشفت بأن دخولها البلاد وحصولها على تأشيرات العمل عن طريق عمالة أجنبية تقوم باستلامها من المطار وقت وصولها وتأخذها إلى مواقع العمل ثم تركها من دون أي معرفة عن الكفيل، والتي تكشف لاحقاً بأنها في مواجهة الحياة بمفردها مع عدم معرفتها بحقوقها وواجباتها وعدم وصولها للمعلومة إلا متأخرة وتخوفها لاحقاً من الرجوع للجهات الحكومية كي لا يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدها حال كون القاعدة – بعدم العذر بالجهل بالقانون.
*آلية الرقابة على جريمة مخالفة قانون العمل:-
أولاً:– الثقافة القانونية:
عوداً إلى آخر سبب من أسباب ارتكاب هذا النوع من الجرائم فإن السبب في الحد من ارتكابها هو ذات السبب المذكور في أهمية نشر التوعية القانونية بين القوى العاملة الأجنبية، إلا أن ذلك يقتضي أن يكون باستحداث طرق سريعة وحديثة وبلغة بسيطة ومفهومة لدى العامل.
ويمكن نشر التوعية القانونية باستحداث مراكز ثقافية خاصة بتحمل الكفيل قيمة إخضاع العامل لدورة مدتها لا تتجاوز الأسبوعين في تلك المراكز، على أن يكون ذلك خلال مدة لا تتجاوز شهرين من تاريخ دخول العامل السلطنة مع إلزام الكفيل بذلك، ومعاقبته حال عدم الالتزام وأن تشرف الوزارة المختصة على ذلك، وأن يكون على مستوى المحافظات وبها تضمن وجود المتهم ومعرفته التامة بكفيلة ولقائه به وإنهاء إجراءات إثبات إقامته وتزويد العامل بالجرعات القانونية التي تعينه على معرفة حقوقه وواجباته، وبث الوعي القانوني بين أفراد المجتمع لبيان المسئولية القانونية للكفيل والمشغل.
ثانياً: تكثيف الرقابة على المؤسسات والشركات التجارية وبيان حقيقتها.
ثالثاً: إلزام كفيل العامل أو ممثله القانوني باستلام العامل من المطار حال دخوله البلاد.
رابعاً: نشر الأحكام الصادرة مع بيان اسم المؤسسة التجارية المخالفة التاركة لعمالها بالعمل خارج نطاقها.
ونسعى من خلال العرض السابق تسليط الضوء على هذه الجريمة بسبب ارتفاع نسبتها بين الجرائم الأخرى الواردة للإدارة بغرض بيان أسبابها ومسبباتها في محاولة لإيجاد حلول للحد منها، ونرجو أن نكون قد قدمنا ما يصل إلى ذلك، داعيا الله أن يديم علينا الأمن والأمان في بلادنا العزيز تحت ظل القيادة الرشيدة لمولانا -حفظه الله ورعاه.
اترك تعليقاً