الخطأ الدستوري في تنظيم المحكمة الاتحادية العليا إغفال أم تعمد؟
د. ميسون طه حسين / كلية الإمام الكاظم ـــ بابل
ان مشكلة التنظيم الدستوري للمحكمة الاتحادية العليا لم تعد خافية على مهتم، هذه المحكمة الفتية التي ولدت بولادة النظام السياسي الجديد في العراق بعد العام 2003 ، تعاني من تشوهات ولادية إن صح التعبير، فقد تأسست هذه المحكمة استناداً الى المادة (الرابعة والاربعين) قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، أو مايعرف عرفاً بدستور برايمر، هذه المادة نظمت معظم مايتعلق بالمحكمة من حيث التشكيل والاختصاص، وقد تشكلت المحكمة بعد صدور الأمر رقم (30) لسنة 2005 وهو( قانون المحكمة الاتحادية العليا) .
وباشرت المحكمة اعمالها منذ تأسيسها وفقا لهذا التشكيل ولحد الوقت الحاضر، ذلك لأن الدستور الذي كان ينتظر كتابته في المرحلة الانتقالية ، لم يشعر كاتبوه بالضغط الذي تفرضه اهمية هذه المحكمة وجودا وعملا ، فاكتفوا بإشارات متواضعة لكيفية التشكيل، مع تعداد اختصاصاتها، واحالوا أمر تشكيلها التفصيلي واسلوب عملها، لتوافق مجلس النواب الذي سيتشكل بعد نفاذ الدستور، وهنا يشخص لنا بوضوح الخطأ الدستوري الذي ارتكب بحق هذه المحكمة بترك تنظيمها للقانون العادي بدلا من تضمينه في نصوص الدستور كعادة الدساتير المعاصرة .
واضعو الدستور اختاروا النظام البرلماني، نظاما للحكم في العراق ، وهذا النظام نيابي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات ، ومبدأ الفصل بين السلطات يحتاج الى محكمة تراقب احترام حدوده ومتطلباته، ولكي تنجح في ذلك كان لابد ان ينظر لها الدستور بعين المساواة مع باقي السلطات ( التنفيذية والتشريعية)، فيبادر الى احتضانها بين نصوصه لكي لاتمتد لها يد أي من السلطتين الأخيرتين ، لأن مبدأ الفصل بين السلطات يحتاج الى سلطة أو جهة خاصة ، تختص بالتحقق والتثبت من احترام البرلمان في الدولة لمبدأ المشروعية الدستورية، وكذلك ردع السلطة التنفيذية عن تجاوز حدودها المرسومة سلفا ضمن الدستور .
من ناحية اخرى، قرر المؤسسون تبني النظام الفدرالي شكلا للدولة الجديدة ولأن الفدرالية هي تنظيم دستوري حيث يتم تقاسم وتشارك الصلاحيات (أو الاختصاصات) بين اثنين أو ثلاثة مستويات من الحكومة، فإن المحكمة الاتحادية العليا – كحكم في النزاعات الدستورية – لديها دور مهم جدا في ضبط عملية التوزيع والمشاركة في الصلاحيات. والتمسك بهذا التوزيع الدستوري للسلطات ضد القوى السياسية العازمة على تغيير ذلك التوزيع في اتجاه أكثر مركزياً أو لامركزياً.
في رأي مشهور للباحث الدستوري ألبرت فين ديسي يرى أن “الفدرالية” بالضرورة تتطلب ” المشروعية” و “غلبة القضاء” ففي تعريفه للفيدرالية بكونها نظام تقسيم السلطات والاختصاصات بشكل متقن بين الحكومة المشتركة أو الوطنية والولايات، وان الضمانة المناسبة لهذا النظام يتطلب تقسيم السلطة وفقا للدستور، وتفسير هذا التقسيم والمحافظة عليه وفقا لاحكام المحكمة العليا . ان العلاقة بين الفيدرالية ووجود المحكمة العليا ممكن ملاحظتها بوضوح من خلال ممارسة المحكمة لاختصاصها القضائي لاسيما في الرقابة على القوانين وتفسير الدستور، فهي تفسر وتوضح المعايير الدستورية المرتبطة بالنظام الاتحادي لاسيما توزيع السلطات بين الاتحاد والوحدات الداخلة في الاتحاد ، وكذلك توضيح السمات الهيكلية للنظام الاتحادي.
وفقا لما طرح أعلاه، يتبين لنا أهمية التنظيم الدستوري المفصل للمحكمة الاتحادية ضمن نصوص الدستور ، بدلا من تركها لتنظيم المشرع العادي، لضمان استقلالها واحترام ماتقوم به من وظائف ، هذا يدفعنا الى التساؤل :
هل اغفل المشرع الدستوري الاهمية المتزايدة للقضاء الدستوري في الانظمة المعاصرة ، وغاب عن قلمه التأسيسي المركز الحساس للمحكمة العليا في الانظمة الفدرالية المستقرة ؟ أم ان الخطأ كان متعمداً؟ والدليل على ذلك النصوص الدستورية التي نظمت المركز الدستوري لمجلس النواب العراقي، والتي سارت باتجاه خلق هيمنة احادية الجانب لصالح مجلس النواب سواء كان ذلك على حساب التوأم التشريعي المغيب ( مجلس الاتحاد)، أوعلى حساب السلطة التنفيذية وبالذات مجلس الوزراء ، أوعلى حساب السلطة القضائية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً