كيف شرح قانون العقوبات البحريني جريمة القتل؟
حكمت المحكمة حضوريا، وبإجماع آراء القضاة بإعدام المتهم «فلان بن فلان»، طبقا للمواد القانونية رقم…..، وذلك لإقدام المتهم على قتل المجني عليه مع سبق الإصرار والترصّد…»، رُفعت الجلسة.
تلك العبارة القضائية، هي الفاصل بين حياة المتهم بقضية القتل العمد وبقائه على وجه الدنيا، وبين الإقرار بالتخلّص منه، وذلك ضمن القانون، وبحكم القضاء العادل، وفي هذه اللحظة يبدأ ذلك المتهم بتعداد أنفاسه، وتكون لكلّ ثانية بل لحظة تمرُّ من حياته ثمنها وقيمتها الغالية.
شعورٌ لا يمكن وصفه أبدا، إلا أنه يبدو جليا من ملامح وجه هذا المتهم بالقتل، والذي دفع ما دفع للمحامين المدافعين عنه من مبالغ مالية كان قد تغرّب عن أهله وبلده لجمعها، أملا منه في البقاء على وجه الحياة باستنشاق الهواء، إذ تجده يُقدّر قيمة كل شهقة وزفرة يقوم بهما، ويحرص كلّ الحرص على إبقاء ذلك أبد الدهر، بعدما أن حرص على قتل النفس المحرّمة، وعمد إلى إزهاق روحها، مُصارعا في ذلك كلّ محاولات النجاة التي كان يقوم بها القتيل، غير آبهٍ للتشريعات السماوية، ولا للقوانين والأنظمة الوضعية، فإنه الشيطان، نعم الشيطان. إلا أنّ العدالة تأبى ذلك، تأبى إلاّ بتطبيق القصاص.
احمرارٌ ورجفة وارتباكٌ وصمتٌ وإقرارٌ بالذنب، وإعلان للندم، ولكن أيّ ندم؟ وعلى ماذا؟ ومتى؟
ندمٌ ما بعده ندم، ندمٌ على قتل النفس من غير وجه حق، ولأسباب تكون وصف التفاهة معها أكبر بكثير…الندم للعيش وللحياة، بعد إزهاق روحٍ لها من الكرامة والعزّة ما لها، بوصف ذلك وتكراره في القرآن الكريم، ولا يأتي ذلك الندم والإعلان عنه إلا خوفا من وقوع حد السيف، بتطبيق حكم العدالة بأخذ القصاص من القاتل.
إنّ جريمة قتل النفس هي أبشع وأفظع الجرائم التي يقترفها الإنسان بحق النفس التي حرّمها الله، وعليه فقد كانت التشريعات السماوية التي جرّمت ونصت على عقاب مَنْ يقترف تلك الجريمة، كما جاءت التشريعات الوضعية لتنظم تلك الجرائم كلا بحسب ظروف واقعة القتل؛ لتأتي بعدها مرتبات ودرجات العقوبة.
وفي هذا الجانب، يقول الباري عز وجل في كتابه: «وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ» (الفرقان:68). «وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقّ ذالِكُمْ وَصَّـاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الأنعام:151). «ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب» (البقرة:179.
ولشدة فظاعة هذا الجرم المرتكب وخطورته على المجتمع، فإنّ الباري -عز وجل- أورد في القرآن الكريم العديد من الآيات القرآنية المجرّمة لهذا الفعل الشنيع، والتي منها: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنا مُّتَعَمّدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابا عَظِيما» (النساء:93). «مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا» (المائدة:32).
ودعا الباري -عزّ وجلّ- إلى أخذ القصاص من الجناة، إذ قال تعالى: «ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى» (البقرة:178). «وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنا خَطَئا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ».
وإنّ عقوباتِ هذه الجناية اختلفت وتعددت -بحسب القانون الوضعي-، وللقاضي الذي ينظر القضية السلطة التقديرية في تحديد عقوبة القاتل، وذلك ضمن حدود ونصوص قانون العقوبات البحريني.
وبتعدد حالات وجرائم القتل في الآونة الأخيرة في البلاد، يُثار التساؤل فيما بين عامّة الناس بشأن أسباب اختلاف العقوبات المقررة فيما بين قاتلٍ وآخر، ففي حين تجد أهالي المجني عليه يُطالبون بإنزال أقصى العقوبات على القاتل، وهي الإعدام، قد تجد أنّ قاضي المحكمة يقضي بمعاقبة القاتل بالسجن المؤبّد، لأسبابٍ قانونية صاغها، هذا في جانب، وفي الجانب الآخر، تجد المناصرين لحقوق الإنسان يُطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام؛ لتعارضها مع أهم مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان وهو الحياة.
قانون العقوبات البحريني، قسّم جرائم القتل إلى عدّة أقسام، مراعيا ظروف واقعة القتل، فالقتل الخطأ الناتج عن حادث مروري يقع في الشارع العام تختلف عقوبته عن الضرب الذي انتهى إلى إزهاق الروح، وتختلف تلك الحالة عن حالة القتل العمد، وعن حالة القتل العمد المخطط له والمعد إليه مسبقا، وهو ما يسمّى بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد. فلا يمكن أن يتساوى عقاب من تسبب في مقتل شخصٍ ما بسبب حادث مروري مع شخصٍ آخر نظم وخطط لجريمة القتل.
وعليه، فإنّ القانون وضع العقوبات ورتبها؛ لتختلف عقوبة كلّ تهمة عن الأخرى، فجريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد تكون عقوبتها الإعدام، أمّا جريمة القتل العمد فتكون عقوبتها السجن المؤبّد، في حين أنّ تهمة القتل الخطأ لا تتجاوز عقوبته الحبس 3 سنوات، أمّا جريمة الضرب المفضي إلى موت فلا تزيد فيه العقوبة على السجن 7 سنوات.
وبالنسبة إلى جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصّد، فيعاقب عليها قانون العقوبات البحريني بالإعدام، وذلك حسبما تشير المادة (333) من الفصل الأوّل والمتعلقة بالمساس بحياة الإنسان وسلامة بدنه، والتي تنص على: «مَنْ قتل نفسا عمدا يُعاقب بالسجن المؤبّد أو المؤقت، وتكون العقوبة الإعدام إذا وقع القتل مع الترصد، أو مسبوقا بإصرار أو مقترنا أو مرتبطا بجريمة أخرى، أو إذا وقع على أحد أصول الجاني أو على موظف عام أو مكلف بخدمة عامة في أثناء وبسبب تأديته وظيفته أو خدمته، أو إذا استعملت فيه مادة سامة أو مفرقعة».
أمّا جريمة القتل العمد فتكون عقوبة مقترفها السجن المؤبد حسبما تنص المادة ذاتها، وفيما يتعلّق بجريمة إزهاق الروح، وذلك عن طريق الضرب المفضي إلى الموت، فتشير إليها المادة (336) من قانون العقوبات، والتي تنص على: «يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين من اعتدى على سلامة جسم غيره بأية وسيلة، ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت، وإذا توافر أحد الظروف المبينة في الفقرة الثانية من المادة (333) عُدّ ذلك ظرفا مشدداَ، ويُعد ظرفا مشددا كذلك وقوع الفعل من الجاني تحت تأثير حالة سكر أو تخدير…».
أمّا القضايا التي تنتهي إلى القتل ولكن عن طريق الخطأ، فتنص المادة (342) من قانون العقوبات البحريني على تفاصيلها وعقوبتها التي لا تتجاوز الحبس ثلاث سنين، إذ تنص المادة على: «يُعاقب بالحبس أو بالغرامة مَنْ تسبب بخطئه في موت شخص، وتكون العقوبة الحبس إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته، أو كان تحت تأثير سكر أو تخدير عند وقوع الحادث، أو نكل حينئذ عن مساعدة المجني عليه أو عن طلب المساعدة له مع استطاعته ذلك». و»تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد عن خمس سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة في الفقرة السابقة تكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات».
وتأتي تلك العقوبات إحقاقا للحق، ونشرا للعدالة بين عامّة الناس، وتطبيقا لما نصت عليه التشريعات السماوية، إذ يقول الباري في كتابه «ولكم في الحياة قصاص يا أولي الألباب».
وهنا يمكن الإشارة إلى بعض حالات القتل التي وقعت في البلاد، والأحكام القضائية الصادرة فيها، إذ أقدمت السلطات البحرينية يوم (الأربعاء) الماضي بتنفيذ حكم الإعدام بحق المُدان ميزان نور الرحمن مياه، البنغالي الجنسية، المعروف في قضية ما يسمّى بـ «قاتل سار». وذلك بعد تصديق جلالة الملك على ما قضته جميع درجات المحاكم وبإجماع آراء جميع القضاة في إدانة المحكوم عليه ومعاقبته بالإعدام بالرمي بالرصاص حسبما هو معمولٌ به في البلاد.
بينما لا يزال القضاء ينظر عدّة قضايا قتل، لم تصبح فيها الأحكام القضائية باتة، وبشكل نهائي، ومنها قضية القتل التي وقعت الشهر الماضي في منطقة سوق واقف بمدينة حمد، بالإضافة إلى القضية المعروفة بـ «قاتل المحرّق»، والذي خفف الحكم فيها على المتهم من السجن المؤبد إلى السجن 15 عاما، بالإضافة إلى نظر القضاء إلى قضية المتهم العربي الذي أقدم على قتل صديقه بواسطة سلك كهربائي، ومن ثم رماه في سيّارته بمواقف سيارات مجمع منطقة مدينة عيسى، كما لايزال القضاء ينظر قضية متهم آسيوي قتل صديقه بأنْ ضربه فوق رأسه (بطابوقه)، وذلك نتيجة خلاف دار بينهما في حين كان القاتل سكرانا، كما يستمر القضاء في مطالعة أوراق قضية متهم آسيوي قتل زميله في العمل بأحد معارض السيارات الواقع في العاصمة المنامة، بالإضافة إلى عدد من قضايا القتل الخطأ الناتجة عن الحوادث المرورية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً