الحق فى التظاهر و الاجتماعات العامة فى ميزان القانون المقارن :
حق الأفراد فى التظاهر و الحق فى عقد اجتماعات عامة، من الحقوق الأساسية التى يتمتع بها الأفراد للتعبير عن آرائهم، أو التشاور فيما بينهم للدفاع عن مصالحهم المشتركة سواء أكانت مصالح سياسية أو دينية أو اجتماعية أو اقتصادية.
و ينظم هذا الحق حتى يومنا هذا قانون الاجتماعات العامة المصرى رقم 14 لسنة 1923 و المعدل بالقانون رقم 28 لسنة 1929، والمعمول به حتى الآن، والذى يعد من أخطر القوانين المقيدة للحريات، إذ عمدت السلطة السياسية فى مصر طيلة العقود الماضية إلى سن عدد من التشريعات التى انتقصت من الحقوق و الحريات الأساسية للمواطنين، فقامت بتقييدها بما يعطلها، ويجعلها مجرد حقوق صورية رمزية ينص عليها القانون و يصعب نيلها و الحصول عليها واقعيا، ومن أهم هذه القوانين، القانون المشار إليه، و الذى ينظم الحق فى الاجتماعات العامة بكافة أنواعها و صورها، بما فى ذلك الاجتماعات الانتخابية والاجتماعات السياسية للأحزاب، و ينظم أيضا الحق فى التظاهر.
القانون المشار إليه أطلق يد الحكومة لأن تفعل ما تريد، ففى مجال الموافقة على عقد الاجتماعات العامة، أعطاها مطلق الحق فى الموافقة على ذلك أو الرفض، وأعطاها كذلك الحق فى حضورها وإلغائها كيفما تشاء، وأكثر من ذلك فقد حفل ذلك القانون بالعديد من القيود على حق الأفراد فى عقد الاجتماعات العامة لا مثيل لها فى القوانين المقارنة، إذ ألزم الأفراد بضرورة إخطار جهة الإدارة قبل عقد الاجتماع العام، و هو الأمر الذى لم يتغير فى الدستور الجديد، فاستمر قيد الإخطار قبل عقد الاجتماع العام قائما وذلك على خلاف القوانين المقارنة، إذ إن القانون الفرنسى رقم 28 لسنة 1907 وكذلك القانون الإنجليزى لم يلزما الأفراد بوجوب إخطار الإدارة قبل عقد الاجتماعات العامة.
وقد ساوى بذلك المشرع المصرى وفقا لهذا القانون بين تنظيم الاجتماع العام و المظاهرة فى وجوب الإخطار المسبق عنهما إلى جهة الإدارة، رغم أن الفارق بينهما كبير مما كان يستوجب المغايرة فى التنظيم القانونى، فالاجتماع العام أقل خطرا و ضررا من المظاهرة على الأمن العام و غير مؤثر على حركة المرور، أو على سير حركة الأفراد، فالاجتماع العام يعقد فى مكان مغلق، فى حين أن المظاهرة تكون فى الطريق العام، و بالتالى تؤثر على سير المرور و حركة الأفراد، و من ثم يكون من المنطقى أن تخضع المظاهرة لأحكام مغايرة عن التى يخضع لها الاجتماع العام، بوجوب الإخطار المسبق عنها، وهو ما فعله القانون الفرنسى الصادر فى 23 أكتوبر 1935 الذى أوجب الإخطار المسبق عن المظاهرة فقط، و لم يشترط ذلك بالنسبة لتنظيم اجتماع عام، وهو ما يبين منه بجلاء مدى التقييد على حق الأفراد فى الاجتماع العام فى مصر على خلاف القوانين المقارنة فى فرنسا وإنجلترا.
وتكمن من وجهة نظرى خطورة الإخطار المسبق لجهة الإدارة، فى أن القانون يخلو عادة من ضوابط تكفل عدم إساءة استعمال الحكومة الرخصة المخولة لها برفض عقد الاجتماع العام، فأصبحت تتمتع فعليا بسلطة مطلقة فى الموافقة أو الاعتراض على عقد الاجتماع العام متى شاءت، و هو ما يجعل الإخطار فى حقيقته يتحول إلى طلب بالحصول على إذن من جهة الإدارة قبل عقده، مما يجعل الأفراد فى موضع طلب الإذن لممارسة إحدى حقوقهم الأساسية، بما يعوق ممارسة هذا الحق، ولا يقلل من الآثار السلبية لذلك وجود رقابة قضائية لمجلس الدولة على قرارات الإدارة برفض عقد الاجتماعات العامة، إذ أنه لئن كان غالبا ما تصدر الأحكام القضائية بإلغاء قرارات الإدارة برفض عقد الاجتماع العام إذا تبين افتقادها لمسوغ مقبول يبرر قرارها، إلا أن إجراءات نظر الدعوى القضائية تطول مما يقلل من جدوى أهمية الرقابة القضائية اللاحقة، ففى أغلب الأحيان يصدر الحكم القضائى النهائى بعد فوات الميعاد المقرر لعقد الاجتماع العام، لا سيما أن الإدارة تلجأ إلى إقامة الإشكالات القضائية و ذلك لتعطيل تنفيذ الحكم الصادر ضدها، فى حين نجد أن القانون الإنجليزى ألزم الإدارة بضرورة اللجوء إلى القضاء ابتداء لاستصدار قرار وقتى بمنع عقد الاجتماع العام إذا أرادت ذلك، و هو ما نناشد المشرع فى القانون الجديد أن يأخذ به، فالرقابة القضائية السابقة أفضل من الرقابة اللاحقة على صدور قرار المنع.
وكذلك أطلق القانون المصرى يد جهة الإدارة فى فض الاجتماع العام أثناء انعقاده دون ضوابط تضمن عدم إساءة استعمال هذه السلطة، فى حين قيد المشرع الفرنسى سلطة الإدارة فى هذا الصدد بأن يكون الفض بناء على طلب اللجنة المسئولة عن تنظيم الاجتماع، أو باشتراط وقوع مصادمات وأعمال عنف.
و بمناسبة إعداد مشروع قانون جديد لتنظيم التظاهرات، نرى أنه يجب أن ينظم هذا القانون الجديد الاجتماعات العامة عموما بدلا من القانون الحالى الذى مضى على صدوره ما يقترب من التسعين عاما، وأرى أنه يجب أن تختلف ضوابط تنظيم حق التظاهر، عن ضوابط تنظيم الاجتماع العام فى القانون الجديد أسوة بما اتبعه القانون المقارن، إذ أن القانون الفرنسى الصادر فى 30 يونيو 1881 ثم القانون الصادر فى 23 أكتوبر 1935 أعطيا للشرطة الحق فى الاعتراض على تنظيم المظاهرة إذا رأت أن من شأنها إحداث اضطرابات تؤدى إلى الإخلال بالنظام العام، وهو ما نرى وجوب النص عليه فى القانون المصرى الجديد مع وضع ضوابط تكفل عدم إساءة استعمال الإدارة لهذه السلطة التقديرية و ذلك بأن يتضمن القانون الجديد إلزام وزارة الداخلية بضرورة اللجوء إلى القضاء ابتداء لاستصدار قرار وقتى بمنع المظاهرة إذا أرادت ذلك.
بقلم : المستشار إسلام إحسان
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً