كانت حقوق الإنسان هي الشغل الشاغل للأجداد والآباء الذين وضعوا دستور الكويت، قبل أن تصبح هذه الحقوق، قضية كونية، يثير العدوان عليها حفيظة الرأي العام العالمي، فضلاً عن حفيظة الرأي العام الإقليمي والوطني. ولذلك جاء الدستور حافلا بهذه الحقوق، حرية العقيدة وحرية الرأي وحق التعبير عن الرأي، والحرية الشخصية والمساواة وافتراض البراءة في الإنسان، وكرامة الإنسان، وحق الاقتراع العام – الذي يعنينا في هذا المقام – وغيرها من حقوق ، يمارسها الفرد مستظلا بأحكام الدستور. ومن هذه الحقوق والحريات ما اعتبره الدستور حقا مطلقا، لم يفوض الدستور القانون في تنظيمه، ويعتبر حق الاقتراع العام من هذه الحقوق.
ذلك ان واضعي الدستور قد استبعدوا تماما حق الاقتراع المقيد تماشيا مع التحول الديمقراطي في العالم فقد كان حق الاقتراع المقيد، هو أول ما عرفه النظام الديمقراطي في العالم، حيث كان مقيدا بنصاب مالي أو بحصوله على قسط من التعليم ولو في حده الأدنى، الإلمام بالقراءة والكتابة، كما كان مقصوراً على الذكور دون الإناث.
ذلك أن الأصل وفقاً لأحكام القضاء الدستوري أن كل تنظيم تشريعي ينال من فرص الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لا يقل سوءاً عن حرمان بعضهم أصلاً – ودون مسوغ – من حق الاقتراع العام
(المحكمة الدستورية العليا في مصر القضية رقم 77 لسنة 19 قضائية دستورية – جلسة 7/ 2/ 1998).
وقد قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن الحماية التي كفلها الدستور للمواطنين، وأحاط بها هذا اللحق، لا تقتصر على مجرد تمكينهم من الإدلاء سراً بأصواتهم في صناديق الاقتراع إذا كانوا مؤهلين قانوناً لمباشرة هذا الحق.
وهو ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر في قضائها الذي قالت فيه: ان حق المرشحين في الفوز بعضوية البرلمان لا ينفصل عن حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم لاختيار من يثقون فيه من بينهم، ذلك أن هذين الحقين مرتبطان، ويتبادلان التأثير فيما بينهما.
كما قضي بأن حق الترشيح وحق الانتخاب يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانوناً لممارستهما.
وأن حق الترشيح وحق الانتخاب حقان مترابطان يتبادلان التأثير فيما بينهما، فلا يجوز أن تفرض على مباشرة أيهما قيود يكون من شأنها المساس بمضمونهما مما يعوق ممارستهما بصورة جدية وفعالة، وذلك ضماناً لحق المواطنين في اختيار ممثليهم في المجالس النيابية باعتبار أن السلطة الشرعية لا يفرضها إلا الناخبون، وكان هذان الحقان لازمين حتمياً لإعمال الديموقراطية في محتواها المقرر دستورياً ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية، ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها.
(القضية رقم 11 لسنة 13ق دستورية بجلسة 8/ 7/ 2000).
وقد قضى بأن حقي الاقتراع والترشيح – يجب مباشرتهما على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين قانونا لممارستهما أو الانتفاع بهما.
(القضية رقم 2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 1996/2/3 ج دستورية ص 470).
كما قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر بأنه لا يجوز التذرع بتنظيم العملية الانتخابية للاخلال بالحقوق التي ربطها بما يعطل جوهرها او لتأمين مصالح جانبية محدودة اهميتها، او التدخل بالقيود التي يفرضها المشرع عليها للحد من حرية التعبير وذلك إن حرية التعبير هي قاعدة التنظيم الانتخابي ومحوره وان تنظيم العملية الانتخابية لا يكون ممكنا الا اذا كان معقولاً، والا اذا كان محايداً في محتواه، وهو لا يكون كذلك الا بما يوفره لهيئة الناخبين من حقائق تعينها على تحديد موقفها من المرشحين الذين يريدون الظفر بثقتها، ومن خلال التعريف باحقيتها في الدفاع عن مطالبها ولتكون المفاضلة بين المرشحين على أسس موضوعية لها ما يظاهرها وفق قناعتها بموقفهم عن قضاياها
(ق2 لسنة 16 ق دستورية بجلسة 3/ 2/ 1996).
ومن هنا فإن المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 الذي قصر حق الناخب في التصويت على صوت واحد يكون مشوباً بعوار دستوري هو مصادرة حق الناخب في التعبير عن رأيه بالنسبة الى سائر المرشحين الذين تضمهم قائمة الفائزين في هذه الانتخابات والذين يمثلونه في الدائرة المقيد على جداولها، بما يدمغ هذا المرسوم بقانون بعدم دستوريته.
مخالفة عرف دستوري مفسر ومستقر:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم «ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن». لهذا توسد العرف مكانه في الشريعة الإسلامية حتى قيل ان الثابت بالعرف كالثابت بالنص، والمعروف عرفا كالمشروط شرطاً.
والعرف الدستوري هو ما اضطرت سلطة من السلطات الدستورية على إتباعه من قواعد في تنظيم عملها أو في علاقاتها بغيرها من السلطات، مع شيوع الاعتقاد لديها ولدى سائر السلطات بأن هذه القواعد هي جزء لا يتجزأ من النظام الدستوري والقانوني، إي أنه يشترط للقول بوجود عرف دستوري، الا تكون هذه القواعد محل اعتراض من السلطات العامة الأخرى، والا يكون مخالفا للدستور المكتوب.
في الانتخاب أو التصويت هو احد أبرز الحقوق المدنية والسياسية وأحد الركائز الأساسية للديمقراطية الحديثة، حيث اعتمد فيها كبديل مناسب لتمثيل الشعب بعد تعذر ممارسة الديمقراطية المباشرة. بدأ استعمال مصطلح حق الاقتراع أو التصويت أيام الفرانك الأحرار “Franks” في فرنسا القديمة عندما كان التصويت ممنوعاً على مجموعات كثيرة لأن أعضائها لم يكونوا رجالاً أحراراً . يرى فيه بعض الفقه الدستوري أحد الحقوق الطبيعية، ولا يمكن سحبه من الشعب على حد تعبير جان جاك روسو انطلاقا من مبدأ السيادة الشعبية، بينما يرى فيه البعض الآخر نوعاً من الواجب الملزم قانوناً؛ كما حصل في العديد من الدول الديمقراطية التي اعتمدت التصويت الإلزامي أبرزها بلجيكا واستراليا. وقد جمع فريق ثالث بين الرأيين، إذ رأى فيه نوعاً من الواجب والحق في نفس الوقت.
وقد كانت أولى النصوص الدولية التي تناولت هذا الحق كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد في المادة 21 منه على حق الناس في المشاركة في سياسة شؤون بلدهم مباشرة أو عبر ممثلين يتم اختيارهم بحرية، معتبراً أن الانتخاب يعبر عن الإرادة الشعبية. وفي الفقرة الثالثة من نفس المادة نص الإعلان على الصفات أو الخصائص التي يجب أن يتمتع بها حق الانتخاب وهي “الدورية، النزاهة، العمومية، المساواة، السرية” .
وقد اعتنقت معظم الدول حق الترشح والانتخاب في دساتيرها و قوانينها الأساسية ، مثلها مثل الأسس العامة للدولة والسلطات الثلاث وأجهزة الحكم. وقد خصص مشروع الدستور الفلسطيني فصلا مستقلا للحقوق والحريات العامة . وتناول في حوالي خمسين ماد ة الحقوق والحريات المختلفة التي تمنح للأفراد والجماعات، والأسس التي تستند إليها هذه الحقوق و ا لحريات .حيث يؤكد مشروع الدستور أن للأفراد ممارسة الحقوق والحريات العامة، والمشاركة في الحياة السياسية مباشرة بالطريقة وال شروط التي ينظمها الدستور والقوانين . ويذكر المشروع من هذه الحقوق حق الانتخاب والترشيح، وحق المساهمة في النشاطات السياسية وتكوين الأحزاب السياسية والانضمام إليها، وحرية التجمع والتظاهر سلميا دون حمل السلاح، وحرية تكوين الجمعيات العلنية، والحق في تقديم العرائض. حسبما أوردته المادة 67من مسودة مشروع الدستور الفلسطيني. أما القانون الأساسي الفلسطيني الحالي والمعدل فانه ينص في المادة الثانية منه على إن الشعب هو مصدر السلطات وعاد وأكد ما كان قد نص عليه في المسودة من حق المواطن في الترشح والانتخاب الحر والنزيه في المادة السادسة والعشرون منه.
بقلم الدكتور عادل عامر
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً