جريمة حسن النية في القانون الإماراتي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
الجهل بالقانون وخاصة بعد إصدار قوانين جديدة في الدولة يساهم في تورط بعض الأشخاص في قضايا مختلفة قد تصل إلى تهم القتل الخطأ مثل القضية التي تم تسجليها بقيام آسيوي برش مبيد حشري تسبب في وفاة ابنة جاره ووجهت له تهمة القتل غير العمد، كذلك الجهل بقوانين التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي وقانون لمكافحة التمييز والكراهية والذي يجرم كافة أشكال ازدراء الأديان والمقدسات وخطابات الكراهية والتكفير، كما يحظر القانون ويجرم كافة أشكال التمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الأصل أو العرق أو اللون ويضع عقوبات مشددة لذلك، ويجرم القانون الجديد كل قول أو فعل يدعو إلى إثارة الفتن والنعرات أو استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات.
وهناك مقولة شائعة «القانون لا يعفي المغفلين». ولتسليط الضوء على هذا الموضوع كان اللقاء مع اللواء خليل إبراهيم المنصوري مساعد القائد العام لشرطة دبي لشؤون البحث الجنائي فقال:
ثقافة قانونية
الجهل بالقانون أو عدم العلم ببنوده لا يعفي الشخص من المسؤولية وأن الثقافة القانونية أصبحت أحد متطلبات الحياة الكريمة خاصة في دولة الإمارات، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال نص المرسوم بقانون على المعاقبة بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليوني درهم إذا وقعت بعض الجرائم المنصوص عليها من موظف عام أثناء أو بسبب أو بمناسبة تأدية عمله أو شخص ذي صفة دينية أو مكلفاً بها أو وقع الفعل في إحدى دور العبادة، كما يعاقب بالسجن المؤقت كل من استغل الدين في رمي أفراد أو جماعات بالكفر سواء بالقول أو بالكتابة أو باستخدام أي من الوسائل وتكون العقوبة الإعدام إذا اقترن الرمي بالكفر تحريضاً على القتل فوقعت الجريمة نتيجة لذلك، وهو الأمر الذي قد يجهله الكثير من المواطنين والمقيمين في الدولة.
وأضاف اللواء المنصوري إن كافة الجهات المعنية في الدولة تحرص على إطلاق الحملات التوعوية واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة القانونية لدى أكبر شريحة ممكنة، مطالباً بضرورة تضمين بعض بنودها بطريقة مبسطة وسهلة في المناهج الدراسية مثل المرحلة الإعدادية والثانوية، مشيراً إلى أن إبراز النماذج الإيجابية من أفراد المجتمع وتكريمها لتحفز الأشخاص الآخرين وإبراز الحالات السلبية لتكون عبرة وعظة لكل من تسول له نفسه الإقدام على ذلك.
المساءلة
وأضاف إن الاستخدام الكبير والواسع لكافة شرائح المجتمع لوسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم توفر ثقافة قانونية كافية على الأقل بقوانين الدولة التي يقيم فيها الشخص يجعله عرضة للمسائلة القانونية بدون وعي مثل القيام بنشر أو إعادة نشر صور أو مقاطع أو رسائل مبطنة تستهدف الإساءة لأشخاص أو مؤسسات أو جهات بعينها يؤدي إلى الوقوع تحت طائلة المسائلة القانونية، مؤكداً أنه كثيراً ما نسمع من بعض المتهمين في القضايا أنهم لا يعلمون بوجود قانون يمنع هذه الممارسات إلا أن هذا التبرير لا يعفي من توقيع العقوبة.
ودعا اللواء المنصوري كافة المواطنين والمقيمين على أرض الدولة الاهتمام بالاطلاع على القوانين التي تصدرها الدولة والتي تنشر عبر وسائل الإعلام أو عبر المواقع الرسمية للجهات المعنية ويتم في الكثير من الأحوال تداولها في الحملات التوعوية.
حملات توعية
ومن جانبه قال العقيد الدكتور جاسم خليل ميرزا مدير إدارة التوعية الأمنية بالإدارة العامة لخدمة المجتمع في شرطة دبي أن شرطة دبي تيقنت مبكراً لأهمية إطلاق حملات التوعية بهدف حماية الأشخاص من المساءلة القانونية ورفع مستوى الثقافة والحد من حالات الجهل بالقانون، وأنه تم رصد ما يقارب من 2 مليون درهم سنوياً للحملات الأمنية المرورية والجنائية التي تساهم في رفع مستوى الوعي لدى الجمهور.
وأشار العقيد ميرزا إلى أنه في السابق كان آباؤنا وأجدادنا يعانون من الأمية، إلا أنه لا يوجد الآن شخص لا يعرف القراءة والكتابة في الدولة إلا ما ندر وهو الأمر الذي يجعل مسؤولية حماية نفسه وأسرته وأصدقائه عبر الثقافة القانونية أمراً حتمياً وطبيعياً، مشيراً إلى أنه يجب على الأسرة أن تقوم بهذا الدور وأبسط الأمور توعية الأبناء بقوانين التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، والتعامل مع الآخرين في المدرسة أو الشارع أو الأماكن العامة، مشيراً إلى أن تنوع الثقافات والبيئات المختلفة التي قدم منها أكثر من 200 جنسية على أرض الإمارات جعلت الاطلاع على القوانين أمراً في غاية الأهمية في ظل اختلاف تلك القوانين مثل حيازة المواد المخدرة أو احتساء الكحوليات التي تبيحها بعض الدول.
إقرار
قال العقيد ميرزا إن قضايا متعددة يقر أصحابها أنهم وقعوا فيها بسبب عدم المعرفة أو للجهل بالقانون، إلا أن هذا التبرير قد يكون ضد الشخص وليس معه، خاصة في ظل توفر كافة قنوات الاطلاع والتثقيف وجهود الدولة في رصد ملايين الدراهم سنوياً للتوعية.
الجهل بالقانون قاد الكثيرين إلى المحاكم
قال المستشار الدكتور يوسف الشريف «يعاني المجتمع الإماراتي من جهل في الثقافة القانونية، ونحن نتحدث عن التركيبة الكاملة للمجتمع الإماراتي بمن فيهم المقيمون، نلاحظ أن الكثيرين ممن يجرون أنفسهم إلى المحاكم بأيديهم جراء تصرفات لا يعرفون أنها مجرمة في القانون الإماراتي، وقد انتشرت هذه الحالات بكثرة في الآونة الأخيرة، ومن بين تلك الحالات الحالة التي حصلت مؤخراً والتي تتعلق بسيلفي فندق العنوان، والفيديو المسيء للأديان الأخرى».
ابتزاز
واضاف الدكتور يوسف ان هناك الكثير من القضايا التي تردنا كقانونيين أغلبها سببها الجهل القانوني وخصوصاً بالقوانين المتعلقة بتقنية المعلومات، والتعامل مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومؤخراً وردنا حالة من شخص يتعرض للابتزاز جراء إرساله بعض الصور الشخصية وبأوضاع فاضحة لشخص آخر، والابتزاز الإلكتروني جريمة يعاقب عليها القانون في المادة 16 من المرسوم الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتضمن تعديلات لما ورد في القانون الاتحادي رقم (2) لسنة 2006 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات وان القانون الإماراتي المعدل في 2012 واضح في التعامل مع مثل هذه القضايا، وايضا البعض غير مدرك أن نشر أي فيديو اباحي أو صورة اباحية مثلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي هو إحدى وسائل التحرش الجنسي، وجريمة يعاقب عليها القانون.
التصوير بغير إذن
واضاف المستشار الشريف ان التصوير أو حفظ الصور على الأجهزة بغير إذن صاحبها ان هذه الحالة منتشرة بكثرة إذ إن طريقة حدوثها تبدأ بطلب من الضحية فتح الكاميرا وبعدها يقوم هذا الشخص بتسجيل فيديو لما تعرضه الكاميرا على الشاشة ومن ثم ابتزاز الضحية بهذا الفيديو، وهذه الجريمة يعاقب عليها القانون في الإمارات وعقوبتها السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 150 ألف درهم ولا تزيد عن 500 ألف درهم، أو إحدى هاتين العقوبتين، وانه مجرد حفظ الصور الشخصية وتحميلها على الهواتف دون إذن صاحبها يعتبر جريمة.
وأكد الشريف ان عددا من الحقوقيين والقانونيين في الدولة طالبوا بوجود قانون تشريعي للحد من هذه الظواهر، وأن يتواجد في القانون الإماراتي نص صريح يجرم التحرش الالكتروني وتعريف هذا التحرش وأشكاله، وهنا يأخذنا السياق إلى أن الكثيرين يجهلون أن مجرد إرسال رسالة تعارف لفتاة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر تحرشا إلكترونيا، وعلينا ايجاد نصوص صريحة للتعامل مع هذه القضايا ووضع ضوابط قانونية للحد من هذه الظواهر، وقد شاهدنا العديد من القضايا التي نظرت فيها محاكم الدولة تتمثل بالجرائم الإلكترونية.
حماية
وأكدت المحامية الحقوقية نادية عبد الرزاق أن الجهل بالقانون يشكل عبئاً على الفرد يكمن في إمكانية تعرضه للمساءلة القانونية في أية لحظة يرتكب فيها أمراً مخالفا للقانون عن عدم دراية إضافة الى انه يشكل عبئاً على القائمين بتطبيق القانون وتنفيذه على أفراد المجتمع وأيضا معاقبة المخالفين حسب ما تم تحديده من قبل المشرّع، مؤكدة ان القانون الأداة التي تنظم حياة الفرد منذ ولادته حتى مماته، ولا يشمل الجانب الجزائي الذي يمثل موقف المجتمع من كل من يرتكب سلوكاً ينتهك فيه الحقوق والمصالح المحمية لكل أفراد المجتمع، بل يشمل جانباً مدنياً يتناول الحقوق والالتزامات المحددة للأفراد في معاملاتهم المدنية والتجارية.
استقرار
ولفتت الى ان القوانين وضعت وتم صياغتها وتطبيقها في الدول من أجل توفير حياة افضل واستقرار للدولة وحماية للأفراد وحفاظا على الأمن والأمان في المجتمع، كما أن القاعدة القانونية لا بد أن تمر بعدة مراحل حتى تصبح ملزمة للكافة وتعتبر آخر مرحلة من مراحل ترسيخ وتطبيق القاعدة القانونية في المجتمع هي مرحلة نشر القانون في الجريدة الرسمية والتي يفترض علم الكافة بها ولا يقبل من احد الاعتذار بالجهل بالقاعدة القانونية حتى يتسنى له الافلات من تطبيقها او الخضوع لأحكام مخالفتها.
واشارت عبد الرزاق الى أن هناك مبدأ قانونيا عاما وهاما استقرت عليه كافة القوانين المتعارف عليها وهو انه لا يقبل من أحد الاعتذار او العذر بالجهل بالقاعدة القانونية فافتراض العلم بالقاعدة القانونية هو مبدأ لا خلاف عليه وان اعتبارات العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع والتي أقرت بها كافة الدساتير في كل انحاء العالم تقتضي ألا تفتح الأبواب أمام الاعتذار بجهل القانون.
القصد الجنائي
نوهت المحامية نادية الى انه من المبادئ المستقر عليها في محكمة التمييز أن الجهل بالقانون أو الغلط في فهم نصوصه لا ينفي القصد الجنائي باعتبار أن العلم بالقانون العقابي وفهمه على وجهه الصحيح أمر مفترض في الناس كافة وإن كان هذا الافتراض يخالف الواقع في كثير من الأحيان إلا أنه افتراض تمليه الدواعي العملية لحماية مصلحة المجموع.
تردد
الخوف من الإبلاغ يؤدي إلى كارثة
قال المقدم جمعة الشامسي مدير إدارة التوعية بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات في شرطة دبي إن الجهل ببعض بنود القانون فاقم من مشكلة وجود فرد مدمن في الأسرة وأن خوف البعض من الإفصاح عن هذا الأمر قد يؤدي إلى وقوع كارثة في الاستمرار في الإدمان أو اللجوء إلى مراكز علاج غير متخصصة.
مشيرا إلى أن المادة (43) من قانون مكافحة المواد المخدرة رقم (14) لسنة 1995، أقرت عدم جواز إقامة الدعوى الجزائية على المتعاطي في حال تقدمه من تلقاء نفسه إلى وحدة علاج الإدمان أو إلى النيابة العامة طالباً العلاج، ويجب أن يبقى بالوحدة إلى أن تقرر اللجنة إخراجه وأن هذه المادة ساعدت في علاج ومساعدة الكثير من المدمنين. ولفت الشامسي إلى أن بعض الشباب قد يحوزون حبوبا مخدرة مدرجة في قانون المخدرات دون علمهم مطالبا بأهمية الاطلاع على المواد المدرجة التي تتم إضافة المزيد عليها داخل الدولة.
انتهاك
نشر صور الآخرين في مواقع التواصل دون رضاهم يعرض للعقوبة
أشارت المحامية نادية عبد الرزاق إلى أنه من الحالات المتكررة توقيع أشخاص على عقد أو التزام ما دون أن يدرك أن ما قد وقّع عليه من البنود والشروط يعرضه للمساءلة القانونية والعقاب، كما أنه لا يدرك بعض الأشخاص أن نشرهم أو تناقلهم صور الآخرين دون رضاهم أو الاعتداء عليهم لفظياً أو سبهم من خلال الأجهزة الإلكترونية المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي يعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، وانتهاكاً لخصوصية الأفراد، التي حماها القانون، وفرض على من ينتهكها عقوبات جسيمة، مشيرة إلى أن المشرع الإماراتي جرّم في القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات الجرائم التي يتم ارتكابها عبر مختلف الأجهزة الإلكترونية.
حيث تتراوح العقوبات فيها ما بين الحبس أو السجن المؤقت، والغرامة من مئة ألف درهم إلى مليوني درهم، ومنها على سبيل المثال جرائم التقاط صور الآخرين أو نسخها أو نشر أخبار أو صور إلكترونية أو فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقة وتكون عقوبتها الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن مئة وخمسين ألف درهم و لا تجاوز خمسمئة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، داعية إلى أن تصبح ثقافة احترام القانون جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الأفراد في المجتمع، ومبدأ يمارسونه يومياً، وهذا الأمر لا يتم إلا عن طريق نشر الثقافة القانونية في المجتمع.
اترك تعليقاً