طبيعة حُكـم المحكمين وأثره:
من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن التحكيم هو عمل قضائي ذو طبيعة خاصة أساسها أن المحكم لا يستمد ولايته من القانون، كما هو الحال بالنسبة لقضاة المحاكم، وإنما يستمدها من اتفاق الخصوم على تحكيمه، ولذا كان طريقاً استثنائياً لبعض الخصومات، قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات بما يتعين معه تحديد موضوعه في المشارطة والتقيد بهذا التحديد وتفسير إرادة الطرفين في شأنه تفسيراً ضيقاً، وقصره على طرفيه وعلي ما تنصرف إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئه التحكيم. وأن مفاد الفقرة الأولى من المادة 182 من قانون المرافعات أن المشرع وأن لم يشأ أن يتضمن حكم المحكم جميع البيانات التي يجب أن يشتمل عليها حكم القاضي إلا أنه أوجب إتباع الأحكام الخاصة بالتحكيم الواردة في الباب الثاني عشر من الكتاب الثاني من قانون المرافعات ومنها حكم المادة 183 التي تُوجب اشتمال الحكم بوجه خاص على صورة من الاتفاق على التحكيم، وقد هدف المشرع من وجوب إثبات هذا البيان بحكم المحكم، التحقق من صدور القرار في حدود سلطة المحكم المستمدة من مشارطة التحكيم رعاية لصالح الخصوم، فهو على هذا النحو بيان لازم وجوهري يترتب على إغفاله عدم تحقيق الغاية التي من أجلها أوجب المشرع إثباته بالحكم بما يؤدي إلى البطلان، ولا يغني عن اشتمال الحكم صورة من الاتفاق على التحكيم أية بيانات أخري خاصة بالنزاع موضوع التحكيم لأن الحكم يجب أن يكون دالاً بذاته عل استكمال شروط صحته دون أن يقبل تكملة ما نقص فيه من البيانات الجوهرية بأي طريق آخر. وكان من المقرر أنه يجوز طلب بطلان حكم المحكم الصادر نهائياً وفقاً لنص المادة 186 من قانون المرافعات إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة حكم التحكيم رقم 23 لسنة 99 أنه جاء خلواً من مشارطة التحكيم المبرمة بين الطاعن والمطعون ضدها، وهو بيان جوهري استهدف المشرع من وجوب إثباته، التحقق من صدور حكم المحكم في حدود سلطته المستمدة من تلك المشارطة ويترتب على إغفاله بطلان الحكم ولا يغير من ذلك اشتمال الحكم على صورة اتفاقية التحكيم لأن ذلك لا يغني عن وجوب اشتماله على مشارطه التحكيم حتى يكون دالاً بذاته على استكمال شروط صحته، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وأقام قضاءه ببطلان حكم التحكيم لخلوه من مشارطة التحكيم فإنه يكون قد أعمل صحيح القانون ويكون النعي في هذا الشأن على غير أساس وكانت هذه الدعامة التي أقام الحكم عليها قضاءه ببطلان حكم التحكيم، كفايتها وحدها لحمل قضائه فإنه أياً ما كان الرأي الذي يثيره الطاعن من أن الحكم أثبت على لسانه خلافاً للثابت بالأوراق- خلو حكم التحكيم من مشارطة التحكيم- يكون غير منتج بعد أن أورد الحكم بمدوناته اطلاعه على صورة حكم التحكيم وثبوت خلوها من مشارطة التحكيم ويكون النعي في هذا الخصوص غير مقبول.
(الطعنان 332، 338/2000 مدني جلسة 25/3/2002)
يترتب على أن لحكم المحكم بين الخصوم جميع الآثار التي تكون للحكم القضائى، أن تلحقه الحجية ولو لم يكن قد صدر الأمر بتنفيذه، لأن صدور هذا الأمر إنما يُتطلب من أجل التنفيذ لا من أجل قوة الثبوت. لما كان ذلك، وكان الثابت من صورة حكم المحكمين المقدمة من الشركة المطعون ضدها الأولى أنها مذيلة بأمر السيد رئيس المحكمة الكلية التي أودع الحكم إدارة كتابها وأنه أصدر الأمر بعد أن اثبت إطلاعه على حكم التحكيم وعلى البند الخامس من عقد الاتفاق بالتحكيم الموثق في 22/3/1990 وعلى المادة 42 من نظام التوثيق والتحكيم التجاري لغرفة تجارة وصناعة الكويت وعلى المادة 185 من قانون المرافعات بما مؤداه أنه راقب عمل المحكمين قبل تنفيذ حكمهم من حيث التثبت من وجود مشارطة التحكيم وأن الحكم قد راعى الشكل الذي يتطلبه القانون سواء عند الفصل في النزاع أو عند كتابة الحكم، وإذ كانت رقابة رئيس المحكمة الآمر بالتنفيذ لا تتناول -وعلى النحو المتقدم- حق البحث في مدى سلامة الأسباب التي أقيم عليها حكم التحكيم ومدى مطابقته للقانون ذلك أنه لا يعد درجة ثانية من درجات التقاضي، وكان الأمر الصادر بالتنفيذ باعتباره عملاً ولائياً تنطبق في شأنه القواعد الخاصة بالأوامر على العرائض بما لا يلزم معه أن يكون مسبباً. لما كان ذلك، وكان الطاعن لم يدع عدم وجود مشارطة تحكيم أو أنه قد شابها البطلان أو أن حكم التحكيم لم يراع فيه الشكل المتطلب قانوناً أو قيام موانع تنفيذه فإن نعيه على الحكم المطعون فيه بهذين السببين يكون على غير أساس.
(الطعن 227/2004 تجاري جلسة 8/1/2005)
تسبيبه وإصداره:
من المقرر -في قضاء هذه المحكمة- أن صحة تسبيب حكم المحكمين لا يقاس بذات المقاييس التي تقاس بها أحكام القضاء، إذ يكفي لحمل حكم المحكمين على محمل الصحة أن يرد بأسبابه ملخص الوقائع التي استخلصها في المساجلة الدائرة بين الطرفين في النزاع محل التحكيم، وأن يصيب في موقع ما يحكمها من القواعد القانونية، فلا يعيبه إيراده للأسباب بصيغة عامة أو مجملة ما لم يقع في موضوعها مخالفة للقانون. لما كان ذلك، وكان البين من الإطلاع على حكم المحكمين مثار النزاع الصادر بتاريخ 5/11/2001 أنه أورد بأسبابه ملخص لوقائع النزاع ومستندات الخصوم وأوجه دفاعهم ودفوعهم فيه بما يكفي لحمله على محمل الصحة إذ لا تقاس أسبابه بذات المقاييس التي تقاس بها أحكام القضاء، ولا يعيبه أن ترد أسبابه بصيغة عامة أو مجملة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإن النعي عليه بما سلف يكون على غير أساس.
(الطعن 531/2002 تجاري جلسة 8/2/2003)
رد المحكمين وفقاً للائحة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي:
من المقرر وفقاً للمادة 173 من قانون المرافعات أنه يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين ولا تختص المحاكم بنظر المنازعات التي اتفق على التحكيم في شأنها. مما مفاده أن التحكيم طريق استثنائي للتقاضي مقصور على ما تنصرف إليه إرادة أطرافه ومن ثم فإن لجوء الخصم إلى القضاء في مسألة اتفق على التحكيم بشأنها يعتبر مخالفة لقواعد الاختصاص المتعلق بالوظيفة. وكان من المقرر -وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنه مع قيام قانون خاص لا يرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من الأحكام إذ لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من منافاة صريحة للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص، فالتشريع الخاص يعتبر استثناءً من التشريع السابق عليه يحد من عموم أحكامه فيقيدها وينسخها فيما جاء بتخصيصه فحسب ومن ثم يسرى كل منهما في نطاق التشريع الجديد فيما خصص له والتشريع السابق عليه فيما بقى له من اختصاص. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أنه قد نشب خلاف فيما بين الطاعنة وشركة…….. بشأن عقد مقاولة الباطن المبرم بينهما ولرغبتهما في فضه فقد حررا مشارطة التحكيم المؤرخة 21/12/2002 والتي اتفقا في مادتها العاشرة على خضوع إجراءات التحكيم المنعقدة بناء على هذه المشارطة لقواعد وأحكام مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون، ولقانون المرافعات المدنية والتجارية فيما لم يرد بشأنه نص خاص بهذه المشارطة، ومن ثم فقد انصرفت إرادة الطرفين إلى تطبيق قواعد وأحكام هذا المركز في شأن إجراءات ونظام التحكيم بينهما، وإذ وافقت دولة الكويت على إنشاء نظام هذا المركز بالقانون رقم 14 لسنة 2002 فقد أصبح هذا القانون الخاص هو الواجب التطبيق على واقعة النزاع وهو ما يقيد تطبيق القانون العام إلا فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون الخاص. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 17 من لائحة هذا المركز على أن (لكل من الطرفيـن أن يطلب رد أحد المحكمين لأسباب يبينها في طلبه ويقدم طلب الرد إلى الأمين العام) وفى المادة 18 من ذات اللائحة على أن (1- في حالة طلب أحد الطرفين رد محكم يجوز للطرف الآخر الموافقة على الرد كما يجوز للمحكم الذي طلب رده التنحي عن نظر النزاع ويعين محكم جديد بنفس الطريقة التي عين بها ذلك المحكم. 2- إذا لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد ولم يتنح المحكم المطلوب رده عن النزاع يفصل الأمين العام في طلب الرد خلال ثلاثة أيام من استلام الطلب…) بما مؤداه، أن السبيل لطلب رد المحكمين المطعون ضدهم والمعينين لفض النزاع طبقاً لمشارطة التحكيم سالفة البيان، هو اللجوء إلى الأمين العام لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون، وطبقاً لأحكامه في هذا الشأن، ولما كانت الطاعنة قد حادت عن هذا الطريق وأقامت دعواها بطلب رد المحكمين أمام المحكمة، فإنها تكون قد لجأت لجهة غير مختصة بنظر النزاع، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ويضحي النعي عليه بهذه الأسباب على غير أساس.
(الطعن 671/2004 تجاري جلسة 23/11/2005)
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً