لم يحظ موضوع إجراءات الدعوي الإدارية بما حظيت به موضوعات القانون الإداري الأخرى من عناية الفقه، على الرغم من أن هذا الموضوع له أهمية عملية قصوى لأنه يمس أصل الحق المتنازع عليه، كما أنه يرسم الطريق القانوني السليم الذي يتعين على المتقاضين سلوكه سواء أكانوا أفرادا أم موظفين أم جهات إدارية وذلك للوصول إلي حماية حقوقهم من أقصر طريق والحال كذلك إن لم يكن أهم بالنسبة لرجال القانون بصفة عامة وطلاب كلية الحقوق بصفة خاصة،
فامتلاكهم ناصية قواعد الإجراءات الإدارية يساعدهم كثيرا في السير بخطى واثقة في دروب القسم القضائي بمجلس الدولة المصري، فقد يكون صاحب الحق عالما بحقه وبأسانيده، ولكنه يجهل الوسائل القانونية لحماية حقه. ونبين فى الصفحات التالية بعض الأمور المتعلقة بإجراءات الدعوي الإدارية من حيث بيان ماهية الدعوى الإدارية، وكذلك بيان شروط صحتها وقبولها، وذلك على النحو الأتي:
المبحث الأول: ماهية الدعوى الإدارية.
المبحث الثانى : شروط صحة وقبول الدعوى الإدارية.
المبحث الأول : ماهية الدعوى الإدارية
شاء المشرع للمنازعة الإدارية أن تكون المعيار العام لاختصاص مجلس الدولة المصري، فعندما صدر دستور 1971 نص في مادته “172” علي أن ” مجلس الدولة هيئة قضائية مستقله وتختص بالفصل في المنازعات الإدارية وفي الدعاوى التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى” ثم صدر قانون مجلس الدولة الحالي متمشياً مع هذا النص الدستوري، ونص في مادته العاشرة على أنه ” تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الأتية:
(رابع عشر): سائر المنازعات الإدارية”
وقد صدر كذلك القانون رقم 46 لسنة 1972 بشأن السلطة القضائية متضمنا النص في مادته رقم “15” علي أنه ” فيما عدا المنازعات الإدارية التي يختص بها مجلس الدولة، تختص المحاكم بالفصل في كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثني بنص خاص” وفي ضوء ما سبق يتضح أن مجلس الدولة يختص بنظر الدعوى الإدارية، لذا، يتطلب الأمر تحديد تعريف لهذه الدعوى وخصائصها وأنواعها.
أولاً: تعريف الدعوى الإدارية
لم يتعرض المشرع في القوانين الخاصة بإجراءات التقاضي لتعريف الدعوى فلم يرد تعريف لها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وكذلك الحال في قوانين مجلس الدولة المتعاقبة. لذا وقع علي عاتق الفقه والقضاء وضع تعريف للدعوي يميزها عما يختلط بها منه دعاوي أخري.
أما عن الفقه فقد اختلف في وضع تعريف لها فالبعض ذهب إلى أنها ” السلطة المخولة لكل شخص، له حق يعترف القانون بوجوده، في أن يطلب حماية القضاء لاقرار هذا الحق إذا جحد، أو رد الاعتداء عنه، أو استرداده إذا سلب”([2]).
ويعرفها البعض بأنها سلطة الالتجاء إلي القضاء للحصول علي تقرير حق أو لحمايته([3]).
كما يعرفها البعض الأخر بأنها “الطلبات الموضوعية التي يراد بالخصومة عرضها علي القاضي وتحقيقها والفصل فيها”([4]).
ويمكن القول من خلال هذه التعريفات بأن الدعوى هي طريق من طرق الالتجاء للقضاء وهي تختلف عن غيرها من الطرق الأخرى للالتجاء للقضاء كأوامر الأداء والأوامر على العرائض بالنسبة للقضاء العادي، وكطلب استمرار صرف الراتب بالنسبة للقضاء الإداري.
أما عن الدعوى الإدارية فقد اختلف الفقه في تعريفها ولم يستقر علي تعريف معين لها، ونحن نؤيد التعريف الذي ذهب إليه البعض من أنها المنازعة التي تنشأ بين الإدارة من جانب، وبين الغير من جانب آخر سواء كان من الموظفين أو من الغير، بقصد اثبات حق مشروع يحميه القانون([5]).
أما عن تعريف القضاء للدعوى فقد ذهبت محكمة القضاء الإداري بأنها وسيلة قانونية يتوجه بها صاحب الشأن إلي القضاء لحماية حق مقرر له. وقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا في أحد أحكامها إلي أن الخصومة القضائية – وهي مجموعة الإجراءات التي تبدأ بإقامة الدعوي أمام المحكمة بناء على مسلك إيجابي يتخذ من جانب المدعي، وتنتهي بحكم فاصل في النزاع أو بتنازل أو صلح أو بسبب عيب أو خطأ في الإجراءات أو بأمر عارض- إنما هي حالة قانونية تنشأ عن مباشرة الدعوى بالإدعاء لدى القضاء أي بالالتجاء إلى وسيلة الدعوى العريضة، وقد حدد القانون إجراءات التقدم بهذا الإدعاء الذي ينبني عليه انعقاد الخصومة وهي التي تقوم علي اتصال المدعي بالمحكمة المرفوعة أمامها الدعوي وتكليف المدعي عليه بالمثول أمامها لكونها علاقة بين طرفيها من جهة وعلاقة بين هذين الطرفين وبين القضاء من جهة أخري، فإذا لم تكن ثمة دعوي من أحد الخصمين للخصم الأخر إلي التلاقي أمام القضاء، أو لم يكن لأحدهما أو كليهما وجود فلا تنشأ الخصومة القضائية ولا تنعقد”([6]).
ثانيا: خصائص الدعوى الإدارية
تختلف الدعوى الإدارية في خصائصها عن الدعوى المدنية، مما أدى بحكم الضرورة إلى اختلاف طبيعة الاجراءات التي تحكمها عن تلك التي تحكم الدعوى المدنية، فالمرافعات الإدارية تختلف عن المرافعات المدنية من عدة وجوه:
1- أحد أطراف المنازعة الادارية دائما ما تكون جهة إدارية مدعيا كان أم مدعي عليه، أي شخص من أشخاص القانون العام له كل مميزات السلطة العامة، وهذا عكس المنازعة المدنية فليس بالضرورة أن يكون أحد أطراف النزاع جهة إدارية.
2- تتميز المنازعة الإدارية عن المنازعة الإدارية من ناحية الحق موضوع المنازعة، فموضوعها من الحقوق الإدارية، أي تلك التي تنشأ عن علاقة بين الشخص العام من ناحية والشخص الخاص من ناحية أخري([7]).
3- قد تكون المنازعة الإدارية منازعة عينية لأنها تخاصم قراراً إداريا استنادا الي مبدأ المشروعية الذي يتطلب أن تكون جميع الأعمال الإدارية مطابقة للقانون نصا وروحا.
4- يختص بنظر المنازعة الإدارية القضاء الإداري وتشكيل هذه الجهة يختلف تماما عن تشكيل القضاء العادي من حيث درجات التقاضي وجهات الطعن في الأحكام ومن حيث قواعد الاختصاص أمام هذه الجهات([8]).
5- أصبح القضاء الإداري طبقا لقانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 صاحب الاختصاص العام بنظر جميع المنازعات الإدارية بعد أن كان اختصاصه محددا علي سبيل الحصر.
ومن خلال ماسبق اختلفت اجراءات الدعوى الادارية عن اجراءات الدعوى العادية علي النحو التالي:
1- الاجراءات الإدارية يوجهه القاضي الاداري وله بصددها دورا ايجابيا في تسييرها، فهيئة مفوضي الدولة تحضر الدعوي ويمكن ان تثير جميع الدفوع المتعلقة بالدعوي حتي لو كانت غير متعلق النظام العام كالتقادم، كما أن لها الحق في اقتراح انهاء المنازعة وديا والفصل في طلبات الاعفاء من الرسوم، وهذه الاجراءات تسمي بالاجراءات الاستيفائية وهي مقررة للمحكمة أيضاً. ويترتب علي أن القاضي الإداري هو الموجه للاجراءات الادارية أن عريضة الدعوي يجب أن توجه إلي القاضي نفسه وليس إلي الخصم، كما اجراءات الاثبات يقوم بها القاضي الاداري ولا يتركها للأفراد فهو يقوم بجهد شاق للبحث عن الحقيقة لأنه يبغي من وراء ذلك التطبيق الأمثل للمشروعية، وهذا علي عكس الاجراءات أمام القضاء العادي الذي لا يستطيع بصدد المنازعة المدنية أن يثير من تلقاء نفسه دفعا لم يتمسك به الخصوم ما لم يكن من النظام العام أو أن يطلب من الخصم ضم مستند أو ورقة في الدعوي مالم يطلب منه ذوي الشأن لأن الدعوي المدنية ملك لاطرافها.
2- في المنازعة الإدارية لا يجوز للقاضي أن يحل محل الإدارة علي الرغم من كونها خصما في المنازعة، فليس له سوي الحكم بالغاء القرار المطعون فيه كليا أو جزئيا أو رفض الدعوي، ولا يتعدي ذلك إلي تعديل القرار مثلا أو استبدال غيره به، وفي دعاوي الاستحقاق فسلطته تنحصر في إجابة المدعي لطلباته بالاستحقاق كليا أو جزئيا أو برفض الدعوي، وذلك عكس القاضي العادي الذي يستطيع إذا ما طلب منه أن يصدر أمراً بالتسليم أو بمنع التعرض أو غير ذلك من الأحكام التي لا نظير لها أمام القضاء الإداري([9]).
3- تمتاز المرافعات الإدارية بأنها كتابية استيفائية، فهي كتابية لأنه يتم مخاطبة الجهة الإدارية كتابة، كما أن المذكرات تقدم مكتوبة بعد الاطلاع علي المستندات المرفقة بالملف، وقلما يضطر الخصم إلي الدفاع الشفوي، واستيفائية لأن القاضي يقودها دون تقيد بطلب الخصوم.
4- تتسم الدعوي الإدارية بأنها دعوي استفاهمية، حيث أن الفرد المتعامل مع الإدارة يكون دائما في حالة غموض مما تفعله معه، فيكون دائما في حاله احتياج إلي استيضاح من الإدارة عن أسباب تصرفها التي اتخذتها ضده، وذلك بخلاف ما هو متبع في القضاء العادي حيث يقوم كل من الخصمين بتقديم أدلة الاثبات والقرائن التي تؤيد وجهة نظره([10]).
5- لا تتطلب المرافعات الإدارية تدخل المحامي دائما، وإن كان توقيعه علي عريضتها لازم لصحتها([11])، نظرا للدور الهام الي تقوم به هيئة مفوضي الدولة في تحضيرها واستيفائها.
6- تمتاز الدعوي الإدارية أن الإدارة كخصم فيها يجب أن تكون خصما شريفا وأن يكون الهدف هو البحث عن الحقيقة وتحقيق العدالة وليس كسب القضية وإطالة أمدها والافتئات علي حقوق الأفراد.
7- تمتاز الإجراءات أمام القضاء الإداري بالبساطة والاقتصاد([12])، فيكفي أن تقدم الدعوي الإدارية في صورة شكوي لرئيس المحكمة، ويطلب في نهايتها الحكم بما يطلبه المدعي حتي تتولي هيئة المحكمة عبء التحضير دون أن تكلف الخصوم عناء البحث في القانون أو حتي عناء البحث لاثارة الدفوع التي تستند علي الوقائع المعروضة، فضلا عن أن الاعلان إنما يتم بالطرق الإدارية وبالبريد، وأكدت علي ذلك المادة “25/3″ من قانون مجلس الدولة سالف البيان بأن نصت علي أن ” تعلن العريضة ومرفقاتها إلي الجهة الإدارية المختصة وإلي ذوي الشأن في ميعاد لا يجاوز سبعة أيام من تاريخ تقديمها، ويتم الإعلان بطريق البريد بخطاب موصي عليه مصحوب بعلم الوصول”. أما عن الاقتصاد في النفقات فيتحقق في أن الرسوم القضائية أمام مجلس الدولة أقل من الرسوم أمام القضاء العادي.
8- القواعد التي تحكم المنازعات الإدارية تخضع للقانون العام ولذلك فهي تتعلق بالنظام العام بصفة أساسية لانها تترتب علي علاقات إدارية يطبق فيها القانون الإداري، ولكن ذلك لا يمنع من وجود بعض المنازعات التي يطبق في شأنها قواعد القانون الخاص، ولكنه ليس تطبيقا خاصا أصيلا، بل في إطار القانون الاداري حتي يصير جزءا منه. وتطبيقا لذلك فالدعوي الإدارية تتأثر بأمور كثيرة لا تتوافق مع مثيلتها أمام القضاء العادي، فالدفوع الشكلية – كالدفع بعدم الاختصاص أو بعدم الصفة أو بعدم المصلحة– هي دائماً دفوع من النظام العام في القضاء الإداري وليست كمثيلتها في القضاء العادي متعلقة بصالح الخصوم.
9- تتعلق المرافعات الإدارية بمنازعة قضائية بمعني الكلمة في المنازعات الإدارية فيجب أن تتوافر فيها الشروط العامة للدعوي القضائية حتي يستطيع القاضي الإداري أن يتصدي لتحضيرها والفصل فيها([13]).
10- أخيراً فإن اجراءات الدعوي الإدارية لا تعرف نظام الشطب المعمول به أمام القضاء العادي، ففي حالة غياب الخصم عن حضور الجلسات المحددة لنظر دعاويهم لا يجوز إعمال الأثر الذي رتبه المشرع علي عدم حضور الخصم أمام المحاكم المدنية في مجال الدعاوي الإدارية، لأن هذا الأثر كما ذهب البعض مقرر كجزاء علي الخصم الذي يهمل في متابعة دعواه وحضور الجلسة المحددة لنظرها، بيد أن النظام القضائي الإداري يعتبر معني في المقام الأول بتحضير الدعوي وتهيئتها للفصل فيها باجراءات الزم القانون هيئة مفوضي الدولة القيام بها قبل طرح المنازعة علي القضاء.
ثالثاً: أنواع الدعاوى الإدارية
هناك تقسمين للدعاوي الإدارية أحدهما هو التقسيم التقليدي والأخر هو التقسيم العملي، سنبين لهما علي النحو التالي:
1- التقسيم التقليدي:
وفقا لهذا التقسيم تنقسم الدعاوي الإدارية إلي دعاوي الإلغاء أو تجاوز السلطة ودعاوي التعويض أو القضاء الكامل وهي التي يتمتع فيها القاضي الإداري بسلطة أوسع من النوع الأول، وهناك فروق جوهرية بين نوعي هذا التقسيم علي النحو التالي:
1- دعوي الالغاء تخاصم قراراً إدارياً بينما دعاوي القضاء الكامل تنصب علي حق شخصي فصاحب الشأن يستمد حقه من القانون مباشرة. ومثالها دعاوي التعويض، ودعاوي العقد، ودعاوي الجنسية، والدعاوي التأديبية، ودعاوي الضرائب والرسوم.
2- سلطة القاضي في دعاوي الالغاء تقتصر علي مجرد الغاء القرار المعيب، بينما في دعاوي القضاء الكامل فسلطته تمتد إلي بحث كافة عناصر النزاع ويستطيع أن يجبر جهة الإدارة علي اتخاذ موقف معين.
3- دعاوي الإلغاء تتقيد بمواعيد قصيرة بينما لا تتقيد دعاوي القضاء الكامل إلا بتقادم الحق المدعي به.
4- يلزم في دعاوي الإلغاء – في حالات معينة –أن يسبقها تظلم يرفع عن القرار المطلوب الغاؤه، وذلك علي عكس دعاوي القضاء الكامل.
5- الحكم في دعوي الالغاء له حجية قبل الكافة فهي لا تقتصر علي طرفي الخصومة بل تتعداها إلي الغير، بينما الحكم الاداري في دعاوي القضاء الكامل له حجية نسبية بحيث تقتصر آثاره علي أطراف الدعوي وسببها ومحلها.
6- دعاوي الإلغاء دائما دعاوي هجوم يقصد المدعي منها الغاء قرار معين أما دعاوي الالغاء الكامل فهي في معظم أنواعها دعاوي دفاع يستهدف المدعي من وراءها استحقاقا معينا فدوره مختلف في الدعويين([14]).
7- ينشأ المركز القانوني للفرد في دعاوي الالغاء عن قرار إداري بينما في دعاوي القضاء الكامل ينشأ عن قانون أو لائحة.
2- التقسيم العملي:
وفقا لهذا التقسيم تنقسم الدعاوي إلي نوعين هما دعاوي الموضوع، والدعاوي الوقتية أو المستعجلة وذلك علي النحو التالي:
أولاً: دعاوى الموضوع
يكون محل هذه الدعاوي طلب الحكم بطلب موضوعي، وتشمل الأنواع الأتية:
1- دعاوى الإلغاء:
وتتمثل في طلب الغاء قرار معين صادر من الجهة الإدارية.
2- دعاوى التسوية والاستحقاق:
وهي التي يكون موضوعها منازعة الموظف في مرتبه أو مكافأته أو بدلاته أو علاواته أو حوافزه وغيرها من الحقوق المالية للموظف وفي مدة خدمته، وهي دعاوي يستمد المدعي حقه منها من قاعدة تنظيمية أي من قانون أو لائحة، ومن ثم تكون سلطة الإدارة مقيدة فلا تملك المنح أو المنع إلا في حدود ما نص عليه القانون، ومن ثم فكلما كان القانون هو المصدر المباشر للحق كانت الدعوي تسوية لأن الإدارة في منحها لهذا الحق لا تصدر قرارات إدارية وإنما مجرد تعليمات وأوامر وإجراءات تنفيذية لا ترقي إلي مرتبة القرار الإداري.
3- دعوى الترقية:
تستند هذه الدعوي إلي القانون الذي يحدد حق الموظف في الترقية، ولكن سلطة الإدارة تختلف في شأن الترقية بحسب ما إذا كانت الترقية بالأقدمية أم بالأختيار، ففي الأولي تكون سلطة الجهة الإدارية مقيدة حيث ينحصر دورها في مجرد تطبيق القانون علي حالة الموظف إذا ما توافرت فيه الشروط والمدد التي ينص عليها القانون، فلا تملك الجهة الإدارية أي سلطة تجاه الموظف، ومن ثم فإن قرارتها التي تصدرها في شأن الترقية لا ترقي لدرجة القرارات الإدارية وإنما هي مجرد أوامر تنفيذية، أما إذا كانت الترقية بالإختيار فإن القانون قد منح الإدارة سلطة تقديرية في إجراء الترقية، وبالتالي يكون للإدارة أن ترقي الموظف أو لا ترقية فالموظف يستمد حقه في الترقية من تقدير جهة الإدارة لصلاحيته للترقية ويعتبر القرار الصادر في هذه الحالة قرارا إداريا يصلح للطعن عليه بالإلغاء، وتكون الدعوي دعوي إلغاء وليست تسوية.
وعن أوجه الشبه بين دعوي الإلغاء ودعوي التسوية فقد ذهبت المحكمة الإدارية العليا إلي وجه الشبه بين الترقية والتسوية هو ارتداد سندهما البعيد إلى القانون – الفرق بينهما أن التسوية تتم إعمالا لقواعد محددة يستمد العامل حقه فيها مباشرة من القانون ويستمر دور الجهة الإدارية على إصدار الإجراءات التى تحول المركز العام إلى مركز فردى دون أن يكون لها فى ذلك سلطة تقديرية – التسوية لا تستهدف أكثر من بيان التدرج فى الدرجات المالية المستحقة للعامل طبقا للقانون – أما الترقية فإنه إلى جانب السلطة التقديرية التى تمارسها جهة الإدارة خاصة فى الترقية بالاختيار فإنها لا تقتصر على مجرد بيان التدرج المالى للعامل وإنما تتضمن رفعه من وظيفة إلى وظيفة أعلى بما يترتب على ذلك من صعود فى السلم الوظيفى وشغل وظائف أعلى ذات اختصاص أكثر – مؤدى ذلك: أن إجراء التسوية لا يهدر الحق فى الترقية – تطبيق([15]).
4- دعاوى التعويض:
وهي التي ترفع للمطالبة بجبر الضرر المادي أو الأدبي الذي حدث نتيجة لخطأ من الإدارة، وغالبا تكون بالمطالبة بمبلغ من المال لجبر هذا الضرر، وقد يرفع طلب التعويض بصفة اصلية بعريضة مستقلة، وقد يرفع بصفة تبعية أي في طلب بالالغاء. ولا تخضع دعوي التعويض لمواعيد دعوي الالغاء ولكنها تسقط بمضي خمسة عشر عاما، ولا يشترط فيها التظلم الوجوبي لأنها من دعاوي القضاء الكامل.
5- دعاوى العقود الإدارية:
وهي التي تستند إلي العقد المبرم بين الإدارة والمدعي أو المدعي عليه، ومن المعلوم أنه لكي يعتبر العقد إدارياً حتي يختص به القضاء الإداري ينبغي توافر شروط أولها أن تكون جهة الإدارة طرفاً فيه بهذه الصفة، وأن يكون موضوعه مما يتصل بتيسيير المرفق العام الذي تقوم عليه، وأن يحتوي علي شروط غير مألوفة في القانون الخاص. ومنازعات العقود الإدارية قد تتعلق بإبرام العقد الإداري ذاته (مثال ذلك الطعن علي إلغاء جهة الإدارة للمناقصة)، وقد تكون حول تفسير شرط من شروط العقد الإداري أو بنوده، وأخيراً قد تكون هذه المنازعة متعلقة بتنفيذه، كالنزاع حول الأخذ بنظرية الصعوبات المادية أو بنظرية الظروف الطارئة أو عمل الأمير.
ثانياً: الدعاوى المستعجلة
ويقصد بهذا النوع من الدعاوي التي يختص بها القضاء الإداري الدعاوي التي تهدف إلي الوقاية من حدوث ضرر معين نتيجة لتنفيذ قرار إداري معين أو وضع حد لهذا الضرر إلي حين الفصل في الطلب الموضوعي الخاص بطلب إلغاء هذا القرار موضوع الدعوي، وتسمي هذه الدعاوي بدعاوي وقف تنفيذ القرار الإداري. ويشترط في هذا النوع من الدعاوي لكي توصف بأنها دعاوي مستعجلة شروط عامة معينة أولها توافر حالة الاستعجال، وهي تتوافر في الحالات التي يترتب علي فوات الوقت فيها حصول ضرر يتعذر تداركه أو اصلاحه، وأن يكون المطلوب اجراءا وقتيا أو تحفظيا، فالطلبات الموضوعية غير جائز أمام القضاء المستعجل، وأن لا يكون من شأن الفصل في الطلب المستعجل المساس بأصل الحق. ونتناول أنواع هذه الدعاوي علي النحو التالي:
1- دعاوى وقف التنفيذ:
لا يرتب التظلم بذاته سواء أكان أمام الإدارة أم القضاء وقف تنفيذ القرار الإداري ما لم يرتب عليه القانون صراحة هذه النتيجة، وهذا ما قررته المادة 49 من قانون مجلس الدولة سالفة البيان. وبالنسبة للقرارات التي لا يقبل طلب الغائها قبل التظلم منها إدارياً لا يجوز طلب وقف تنفيذها، علي أنه يجوز للمحكمة بناء علي طلب المتظلم أن تحكم مؤقتاً باستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادر بالفصل. وهو ما يبين منه أن القرار الإداري صحيح قانونا وأن علي من يدعي العكس إقامة الدليل وهو ما يعبر عنه بقرينة سلامة القرارات الإدارية. ولابد وفقا لنص المادة 49 من قانون مجلس الدولة سالف البيان أن نفرق بين القرارات الإدارية التي لا يكون طلب الغائها مقبولا قبل التظلم منها والقرارات الأخري التي لا يعتبر التظلم منها واجبا قبل رفع الدعوي بطلب إلغائها.
2- الدعاوى الوقتية بصرف الراتب:
تنص المادة “49/2” علي أنه “وبالنسبة الى القرارات التى لا يقبل طلب إلغائها قبل التظلم منها إداريا لا يجوز طلب وقف تنفيذها، على أنه يجوز للمحكمة بناء على طلب المتظلم أن تحكم مؤقتا بأستمرار صرف مرتبه كله أو بعضه إذا كان القرار صادرا بالفصل , فاذا حكم له بهذا الطلب ثم رفض تظلمه و لم يرفع دعوى الألغاء فى الميعاد إعتبر الحكم كأن لم يكن وإسترد منه ما قبضه”. ووفقا لهذا النص فإن طلب استمرار صرف الراتب مؤقتا هو من الطلبات المستعجلة التي تنظرها محاكم مجلس الدولة ومحل طلب استمرار صرف الراتب هو الحرمان من الراتب لسبب الفصل التأديبي أو غير التأديبي، وقد قدر المشرع أن قرار الفصل يؤدي إلي انقطاع المرتب الشهري للموظف بصورة نهائية، وهذا الانقطاع بلا شك تترتب عليه نتائج يتعذر تداركها بسبب أن الراتب هو المورد الوحيد لرزقه مما يؤثر علي مسار حياته وأسرته. ويلاحظ أن المشرع منع تقديم الطلب بوقف التنفيذ بالنسبة إلي سائر القرارات الإدارية التي لايجوز الطعن فيها بالإلغاء قبل التظلم منها إدارياً، وذلك بناء علي قرينة قانونية قاطعة مؤداها أن تنفيذ هذه القرارات رغم الطعن فيها لا يؤدي إلي نتائج يتعذر تداركها.
3- دعوى تهيئة الدليل وإثبات الحالة:
موضوع هذه الدعوي هو إثبات حالة وقائع معينة متغيرة لاحتمال الإفادة من ذلك كدليل في منازعة مستقبلة، ودعوي هيئة الدليل لا تخرج عن كونها من الدعاوي المستعجلة وهي صورة خاصة من صور الدعاوي الوقتية نظمها المشرع في المواد 133، 134 من قانون الاثبات في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1968 مما يقتضي خضوعها لما تخضع له سائر الحالات التي يجوز فيها للقضاء الإداري أن يصدر فيها علي وجه الاستعجال أحكاما وقتية دون المساس بالموضوع بحيث لا تقبل علي استقلال أي ما لم تكن مرتبطة بدعوي موضوعية. ويتم تقديم دعوي تهيئة الدليل بالإجراءات المعتادة التي ترفع بها الطعون والطلبات الفرعية، أي عن طريق طلب مستقل إذا لم تكن هناك دعوي موضوعية عن ذات الموضوع أمام المحكمة، أما إذا وجدت مثل هذه الدعوي فإن طلب إثبات الحالة يكون بمثابة طلب متفرع عن الطلب الموضوعي، ومثال ذلك أن تثار المنازعة حول تنفيذ عقد إداري، فيطلب صاحب المصلحة اثبات حالة ما تم تنفيذه من بنود العقد محل المنازعة.
بقلم:المستشارد.محمد صلاح أبو رجب
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً