بصدور قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 لم يعد الدفع الفرعى هو الأسلوب الأوحد لتحريك الدعوى الدستورية كما هو الحال إبان عهد المحكمة العليا وإنما أصبح هناك ثلاثة أساليب لتحريك الدعوى الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا، أحدها هو أسلوب الدفع الفرعى. والآخر هو أسلوب الإحالة من محكمة الموضوع أو إحدى الهيئات ذات الاختصاص القضائى.
وأخيرا أسلوب التصدى من قبل المحكمة الدستورية العليا. ومفاد ذلك أنه إذا تراءى لإحدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى أثناء نظر احدى الدعاوى عدم دستورية نص فى قانون أو لائحة لازم للفصل فى النزاع أوقفت الدعوى وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى المسألة الدستورية. وإذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر الدعوى أمام احدى المحاكم أو الهيئات ذات الاختصاص القضائى بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة ورأت المحكمة أو الهيئة أن الدفع جدى أجلت نظر الدعوى وحددت لمن أثار الدفع موعدا لا يجاوز ثلاثة أشهر لرفع الدعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية العليا فإذا لم ترفع فى الموعد اعتبر الدفع كأن لم يكن حسبما نصت على ذلك المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979.
ويثور السؤال هنا: هل لجنة الانتخابات الرئاسية ينطبق عليها وصف الهيئة القضائية ومن ثم يجوز لها أن تحيل نصا قانونيا إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريته ويجوز الدفع أمامها من قبل أحد الخصوم بعدم دستورية نص قانونى وما هى النتائج المترتبة على اعتبارها لجنة قضائية ذات اختصاص قضائى؟
وحتى نجيب عن هذا السؤال، لابد وان نبين أمرين، أولهما: هو تشكيل اللجنة. وثانيهما: اختصاصات اللجنة. وهما يمثلان المعيارين الشكلى والموضوعى فى التمييز بين الهيئات القضائية ذات الاختصاص القضائى واللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائى. وقبل أن نستعرض تشكيل لجنة الانتخابات الرئاسية واختصاصاتها، نبين المبادئ التى اعتنقتها المحكمة الدستورية العليا الواجب توافرها لإسباغ وصف الهيئة القضائية على إحدى اللجان وهى:
1ــ إسباغ المشرع الصفة القضائية على عمل أى جهة من ناحية التشكيل والاستقلال والحيدة.
2 ــ أن يكون عمل هذه الجهة هو الفصل فى النزاع فى خصومة.
3 ــ مراعاة الجهة للضمانات القضائية الرئيسية.
4 ــ أن يكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدا للحقيقة القانونية وبذلك تكون المحكمة الدستورية العليا قد سارت على ما سارت عليه محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا من الجمع بين المعيارين الموضوعى والشكلى فاشترطت فى العمل القضائى أن يكون فاصلا فى خصومة (المعيار الموضوعى) من جهة وأسبغ عليها المشرع الصفة القضائية مع مراعاة الضمانات الأساسية للتقاضى وهى الاستقلال والحيدة (المعيار الشكلى) هذا هو معيار التمييز لاعتبار اللجنة بأنها هيئة قضائية ذات اختصاص قضائى.
وباستعراض تشكيل اللجنة نجد أنه قد ورد بنص المادة 28/ 2 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30/3/2011 حيث نص على أن تشكيل اللجنة من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا وعضوية كل من رئيس محكمة استئناف القاهرة وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا وأقدم نواب رئيس محكمة النقض وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة. وجاء نص المادة الخامسة من القانون رقم 174 لسنة 2005 بشأن الانتخابات الرئاسية المستبدلة بالقانون رقم 12 لسنة 2012 ترديدا لنص المادة 28/2 من الإعلان الدستورى لكنه زاد عن النص الأخير بإضافة فقرة حالة وجود مانع لدى رئيس اللجنة أو أحد أعضائها ولم ينص على هذه الموانع وفى هذه الحالة يرجع للشريعة العامة هى المواد من ( 146 ــ 165ــ من قانون المرافعات الموانع التى تمنع القاضى من نظر الدعوى.
وإن كنا نرى أن هناك قصورا فى نص المادة الخامسة يتمثل فى عدم تضمينها النص فى حالة خلو منصب رئيس اللجنة بغير طريق بلوغ السن القانونية سيما وأن رئيس اللجنة وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا يُختار من أقدم ثلاثة أعضاء من المحكمة مما يترتب عليه أنه فى حالة خلو منصبه سيؤثر على رئاسة اللجنة والعضو الثالث أما الباقى فيحل محلهم من يليهم فى الأقدمية. وعلى الرغم من أن تشكيل اللجنة بهذه الصورة يضمن لها الحيدة فى عملها إلا أن قانون لجنة الانتخابات الرئاسية قد جعل لها الشخصية الاعتبارية التى تمنحها الاستقلال وهى بصدد ممارسة اختصاصاتها حسبما نص على ذلك فى المادة السادسة منه.
وباستعراض اختصاصات لجنة الانتخابات الرئاسية نجد أن المشرع قد ناط بها نوعين من الاختصاصات:
الأول: اختصاص إدارى نص عليه بالمادة الثامنة من القانون رقم 174 لسنة 2005 بشأن الانتخابات الرئاسية فى الفترات من 1 حتى 10 وهى إعلان فتح باب الترشيح ووضع الإجراءات اللازمة للتقدم للترشيح، إعداد القائمة النهائية، تحديد تاريخ مدة الحملة الانتخابية وهائيتها…. إلخ.
الثانى: اختصاص قضائى نص عليه بالفقرتين 11، 12 من المادة الثامنة من قانون الانتخابات الرئاسية. تختص لجنة الانتخابات الرئاسية بما يلى:
1ــ الفصل فى جميع التظلمات والطعون المتعلقة بالانتخابات.
2 ــ الفصل فى جميع المسائل المتعلقة باختصاص اللجنة بما فى ذلك نتائج الاختصاص وكذلك الاختصاصات الاخرى التى ينص عليها هذا القانون.
واللجنة وهى بصدد مباشرة اختصاصها القضائى المنصوص عليه فى المادة 8 فقرة 11، 12 لا تخل بالضمانات القضائية الرئيسية والتى تقوم فى جوهرها على إتاحة الفرصة المتكافئة لتحقيق دفاع أطرافها وتمحيص ادعاءاتهم على ضوء قاعدة قانونية نص عليها المشرع سلفا ليكون القرار الصادر فى النزاع مؤكدا لها. وتأكيدا على أن عمل اللجنة عمل قضائى ونص فى عجز المادة الخامسة من قانون الانتخابات الرئاسية على حالة وجود موانع لدى رئيس اللجنة أو أعضائها، حيث إن هذه الموانع لا تكون إلا لمن يقوم بعمل قضائى.
وبالنظر إلى لجنة الانتخابات الرئاسية كلية نجد أن الضمانات الأساسية للتقاضى من حيدة واستقلالية لأعضائها قد توافر لها ونجد أن اللجنة وهى بصدد قيامها باختصاصها القضائى لا تخل بالضمانات القضائية الرئيسية فى التقاضى بما لا يدع مجالا للشك بأنها هيئة قضائية ذات اختصاص قضائى يجوز لها إذا تراءى لها عدم دستورية نص قانونى أثناء نظر الدعوى أو تظلم أمامها أن تحيله إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى مدى دستوريته ويجوز للخصوم الدفع أمامها بعدم دستورية نص قانونى كان سببا من استبعاده من الترشيح حسبما هو مقرر بنص المادة 29 من قانون المحكمة الدستورية العليا.
ومن النتائج المترتبة على اعتبار هذه اللجنة بأنها لجنة قضائية ذات اختصاص قضائى:
أولا: جميع القرارات التالية لموعد الفصل فى التظلمات باطلة لأن تحديد هذه المواعيد يعنى أن اللجنة لن تقبل أى دفع بعدم الدستورية وهذا لا يجوز أو يمكن اعتباره إفصاحا من قبل اللجنة لرأيها بعدم قبول مثل هذه الدفوع وهذا لا يجوز أيضا.
وثانية هذه النتائج: احتمالية تأجيل الانتخابات الرئاسية فى حالة قبول الدفع بعدم الدستورية.
وأخيرا: ندعو المشرع إلى النظر فى النصوص التى تحكم مواعيد إجراء الانتخابات الرئاسية لأن المواعيد الحالية يمكن ضبطها لعدم وجود رئيس للجمهورية تنتهى مدة رئاسته خلال موعد معين سيما وأن المشرع ملزم بالتدخل التشريعى فى هذا القانون بعد وضع الدستور.
بقلم الأستاذ / عيد أحمد البيومى
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً