انتحال الرسائل العلمية
القاضي اياد محسن ضمد
زينب كانت طالبة دراسات عليا في الجامعة المستنصرية. تقول في احد التقارير الصحفية المنشورة في موقع دنيا وطن، إنها استعانت بأحد الأدباء ليكتب لها رسالة الماجستير لقاء مبلغ مالي. ثم اطروحة الدكتوراه ايضا وبنفس الطريقة. ويوماً ما ذهبت اليه حيث يسكن ووجدته في احدى الغرف البائسة في منطقة الميدان، تحيط به مجموعة كبيرة من الكتب والقناني الفارغة، وحين حاولت ان ترتب له غرفته الفوضوية منعها قائلا: اتركيها فمن هذه الفوضى نال الكثير من الاستاذة والمسؤولين شهاداتهم العليا والكثير منهم الآن تدريسيون في الجامعات واصحاب قرار في الدولة.
هنا نحن امام حالة من الانهيار القيمي والاخلاقي، ففي سبيل الحصول على القاب علمية وشهادات عليا، لا يكلف الباحث نفسه في كتابتها اي جهد او رجوع الى مصدر، وانما يكتفي بدفع مبلغ مالي لاحد الاشخاص ليتكفل بالكتابة والبحث.
انتحال الرسائل العلمية هو استخدام النتاج الفكري لشخص ما من قبل شخص آخر ونسبته الى نفسه. يحدث ذلك حين يتفق طالب مع صاحب مكتبة او باحث على ان يعد له بحثا او رسالة لقاء مبلغ مالي يضع عليها اسم دافع المال، او يقوم بتجميع رسالة او بحث مقتبس بالكامل من مجموعة مؤلفين دون الاشارة اليهم، ونسبتها الى شخص آخر، ومثل هذا الفعل ممكن ان يشمل بالمسؤولية الجزائية الباحث لقاء مبلغ مالي، والطالب. فالباحث يمكن ان ينطبق عليه وصف جريمة التزوير.
والتزوير بحسب ما نصت عليه المادة 286 من قانون العقوبات العراقي هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في سند او وثيقة او محرر آخر، باحدى الطرق المادية او المعنوية التي بينها القانون، تغييرا من شأنه احداث الضرر بالمصلحة العامة او شخص من الاشخاص، وهنا وفي حالة انتحال الرسائل العلمية فان الكاتب يغير الحقيقة بنسبة الأفكار والجمل الواردة في البحث او الدراسة الى غير صاحبها الحقيقي، وان هذا التغيير في الحقيقة يقع في الرسالة او البحث والتي يمكن اعتبارها محررا عاديا؛ لانها استخدمت وعاءً لافراغ وتثبيت الافكار الواردة فيها، وممكن ان تستخدم حالها حال بقية المحررات في اثبات واقعة استحقاق نيل شهادة عليا او درجة دراسية وان من شان هذا التغيير ان يحدث ضررا بمصلحة الشخص الحقيقي الذي تعود له تلك الافكار والكتابات كذلك فان الضرر يلحق بالمصلحة العامة والتي تتمثل باختلال الثقة العامة للمواطنين بالمؤسسات العلمية والبحثية وحصول اشخاص غير مستحقين لشهادات عليا.
واذا كانت المادة 286 عقوبات قد اشترطت ان يتم التزوير باحدى الطرق التي يبينها القانون، فقد بينت المادة 287 عقوبات، ان التزوير يقع بعدة طرق، وجاء في الفقرة (ه) من المادة؛ ان احد هذه الطرق هي اصطناع محرر او تقليده وسواء اصطنعت الرسالة بالكامل ونسبت لشخص اخر او تم اقتباس اجزاء منها دون الاشارة الى مصدرها، فاننا نكون امام جريمة تزوير وفق ما تم ذكره بالنسبة للكاتب او الباحث لقاء مبلغ مالي.
اما الطالب الذي يدفع المال فيمكن ان يندرج فعله تحت طائلة العقاب للمادة 298 عقوبات لاستعماله الرسالة المزورة وتقديمها ونشرها باسمه، كذلك يمكن ان يندرج فعل اقتباس الافكار والكتابات من كتب وبحوث دون الإشارة الى اصحابها او استئذانهم تحت التكييف القانون للمادة 45 من قانون حماية حق المؤلف رقم 3 لسنة 1971 المعدل، والتي عاقبت بالغرامة كل من استخدم مصنفا منقولا او نسخا منها بان باعها او نقلها للجمهور باي وسيلة، واستخدمه لمصلحة مادية وايا كان توجه المحاكم في توصيف فعل انتحال الرسائل والبحوث العلمية، فان هذه الظاهرة التي انتشرت في العراق والكثير من الدول تحتاج الى وقفة حقيقية لصدها وتحجيم اثرها السلبي من خلال وضع نص خاص لمعالجتها على مستوى التعريف والعقاب كجريمة مكتملة الاركان فظاهرة سرقة الافكار البحثية هي تجلي واضح للازمة التي تعيشها المؤسسات التعليمية على مستوى مراقبة اعداد البحث المسروق ومن ثم قبوله وهي من زاوية اخرى تعبر عن افلاس معرفي وفكري لكل شخص يقدم على ارتكابها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً