إنكار العدالة
القاضي عامر حسن شنته
يعد إنكار العدالة جريمة يعاقب عليها القانون، وقد عرف البعض تلك الجريمة بأنها “رفض القاضي صراحة أو ضمناً الفصل في الدعوى، أو تأخير الفصل فيها على الرغم من صلاحيتها للفصل. أو رفضه أو تأخيره، البت في إصدار الأمر المطلوب على عريضة، دون مبرر قانوني”.
وقد تطرق المشرع العراقي إلى بعض صور تلك الجريمة، في باب (الشكوى من القضاة)، المنصوص عليها في المواد (286-292) من قانون المرافعات المدنية وعد تلك الصور أسباباً تبيح مخاصمة القضاة. وفي حال ثبوتها، يحكم على القاضي بتعويض الضرر الذي حل بالمشتكي. وإبلاغ الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى، لاتخاذ الإجراءات القانونية المقتضاة.
وتُتخذ تلك الإجراءات على وفق الأحكام المنصوص عليها في قانون التنظيم القضائي والتي تتدرج فيها العقوبات الانضباطية من الإنذار، إلى إنهاء الخدمة، حسب طبيعة المخالفة فضلاً عن المسؤولية الجزائية التي قد تترتب على منكر العدالة، طبقاً للحكم الوارد في نص المادة (234)من قانون العقوبات والتي نصت على عقوبة الحبس والغرامة أو إحداهما، بحق كل قاض اصدر حكماً ثبت أنه غير حق، وكان ذلك نتيجة التوسط لديه. والتي تعد هي الأخرى صورة من صور إنكار العدالة.
وقد نصت العديد من الدول في تشريعاتها على تلك الأحكام، ومنها فرنسا، ومصر، والمغرب، وبلجيكا، التي تصل فيها العقوبة إلى العزل من القضاء.وبذلك نجد أن المزاج التشريعي لدى غالبية الدول، يميل إلى تغليظ العقاب على مرتكبي جريمة إنكار العدالة من القضاة. ولعل مرد ذلك الأمر إلى مايتمتع به القضاء من مكانة سامية في المجتمعات كافة، فقد قيل في تعريف القضاء “بأنه ليس وظيفة ولا مرفقاً، إنما القضاء ولاية”، ولاية على النفس والمال. وتلك المكانة تجعل الناس يطمئنون إلى عدالة القضاء ومهنيته، في الفصل بالخصومات وقطع المنازعات. فإذا مابدر من أولائك القضاة المؤتمنون، مايجرح هذه الثقة، ويضر بتلك المسؤولية. تحققت جريمة إنكار العدالة، ووجب معاقبة مرتكبها.
وتتنوع صور تلك الجريمة بشكل يأبى الحصر. فمنها التأجيلات المتكررة للدعاوى، وإطالة أمد الخصومة بدلاً من حسمها، تحت ذريعة زخم العمل وكثرة عدد الدعاوى.
ومنها عدم البت في الطلبات، أو تأخير البت فيها دونما مسوغ قانوني. وعلى العموم كل مايندرج تحت مسمى التعسف في استعمال الحق، والشطط في تطبيقه. ففي فرنسا مثلاً، أقام سبعة وعشرون مواطناً فرنسياً دعوى ضد الدولة (للتأخير المفرط) في فصل النزاعات، وإصدار الأحكام من قبل قضاة الشؤون الأسرية في محكمة لوبيني.وفي مصر تمت مخاصمة احد القضاة بداعي إنكار العدالة، لأنه حدد موعداً لنظر الجلسة الخاصة بدعوى عزل مسؤولي لجنة الانتخابات، بعد تاريخ إجراء الانتخابات. كل تلك الصور تمثل تعدياً على قدسية الوقت وأهميته بالنسبة للمتخاصمين، وإطالة لأمد الخصومة التي قد تتسع وتلحق أضراراً لايمكن جبرها.
ولنا أن نتخيل الأضرار الناشئة عن تأخير الفصل في دعاوى النفقات والحضانة، على الرغم من كونها من الدعاوى المستعجلة. أو تغيير أقوال الخصوم، أو إخفاء السندات، أو المحاباة، أو التوسط. وماتؤدي أليه من ضياع الحقوق. غير أن الأمور السابقة لايجب أن تؤخذ على إطلاقها. ولابد من إقامة الدليل عليها. لان توفير الحماية للقضاة بمناسبة أدائهم لمهامهم أمر في غاية الأهمية كونه يخلق مناخاً وبيئة مريحة، تسهم في تحقيق العدل. وعدم مساءلة القضاة عن حالات (الإغفال غير المقصود). وسلوك طرق الطعن المقررة قانوناً في الأحكام والقرارات الصادرة عنهم، سداً لطريق الشكاوى الكيدية التي قد يلجأ إليها البعض للتأثير على قرارات القضاة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً