قيام المدين الراهن بوقف العقار المرهون للبنك بعد تسجيل الرهن الرسمي لصالح البنك
لما كان واقع الحال أن المدين الراهن، قد رهن حصته المشاع في عقار (وقدرها 50%) لصالح البنك الدائن المرتهن، ضماناً للدين، وبعد ذلك قام المدين بوقف حصته المشاع في العقار المذكور “وقفاً أهلياً” (طبقاً للقانون الكويتي) على ذريته وزوجته من بعد وفاته، وتم توثيق حجة الوقف.
ولما كان الرهن الرسمي هو عقد يكسب به الدائن – على عقار – حقاً عينياً يكون له بموجبه أن يتقدم على الدائنين العاديين والدائنين التاليين له في المرتبة، في استيفاء حقه من ذلك العقار في أي يد يكون (المادة 971 من القانون المدني/كويتي).
فالرهن الرسمي تصرف وارد على العقار المرهون، والأثر الأساسي للرهن هو تمكين الدائن المرتهن – عند عدم الوفاء بحقه – من التنفيذ على العقار المرهون وبيعه بالمزاد العلني.
(الطعن بالتمييز “كويتي” رقم 561 لسنة 2004 تجاري – جلسة 23/11/2005م).
لذا، فقد اشترط المشرع في العقار المرهون أن يكون مما يصح بيعه استقلالاً بالمزاد العلني، وإلا وقع الرهن باطلاً.
(المادة 976/2 من القانون المدني/كويتي).
وعليه، فلا يصح رهن ما لا يصلح بيعه بالمزاد العلني مثل الأموال العامة والعقارات الموقوفة. وكذلك فلا يصح رهن “السكن الخاص” لكونه لا يجوز الحجز عليه (طبقاً لنص المادة 216/ح من قانون المرافعات/كويتي)، وبالتالي لا يجوز بيعه بالمزاد العلني، وعقود الرهن التي ترد على ما لا يصح بيعه بالمزاد العلني تقع باطلة.
فالرهن إذن هو حق عيني على عقار يتيح للدائن التقدم على غيره من الدائنين، ولكنه لا يسلب الراهن ملكيته للعقار ولا يحول بينه وبين التصرف في ذلك العقار، كل ما في الأمر أن التصرف في العقار سيكون “مُحملاً” بحق الرهن (طالما كان حق الرهن مسجلاً ويتم تجديد قيده في المواعيد ولم يسقط).
وفي الحالة المعروضة: فإن قيام المدين الراهن، بالتصرف في العقار المرهون (حصته الشائعة في العقار)، بتصرف بإرادة منفردة، وعلى سبيل “التبرع” وصلة الرحم وقربى إلى الله، بوقف حصته الشائعة في العقار المرهون “وقفاً أهلياً” لصالح ذريته وزوجته، بحيث يتم صرف ريع ذلك الوقف إلى المستحقين فيه (ذرية الواقف وزوجته). على أن يكون الواقف نفسه هو “الناظر” على ذلك الوقف طيلة حياته، وبعد وفاته تنتقل النظارة إلى “شركة ……. العقارية” وقد خولها كافة الصلاحيات في إدارة الوقف والإشراف عليه وتسليم الريع للمستحقين في الوقف.
ولما كانت القواعد الشرعية تقضى من جهة بوجوب المحافظة على أبدية الأموال الموقوفة لتبقى على حالها على الدوام لا ملكية فيها لأحد من الأفراد وغير قابلة لأن يمتلكها أحد الأفراد كذلك، وذلك لأن الأعيان الموقوفة محبوسة عن التصرفات لا يجوز التصرف فيها ولا هبة ولا رهن ولا وصية ولا إرث.
(نقض مدني “مصري” في الطعن رقم 86 لسنة 6 قضائية – جلسة 22/4/1937 مجموعة عمر 2ع – صـ 151).
وبالتالي فلا يجوز للدائن المرتهن بيع العقار المرهون بعد وقفه، وبالتالي يكون ذلك التصرف من المدين الراهن قد أضعف الضمان العام له، وأضر بالدائن المرتهن.
* وعليه، فإذا كان دين الدائن “مستحق الأداء”، وصدر من مدينه تصرف ضار به، أن يطلب من القضاء الحكم له بعدم نفاذ هذا التصرف في حقه (بدعوى الحفاظ على الضمان العام للمدين)، إذا كان التصرف قد أنقص من حقوقه المدين أو زاد في التزاماته. وإذا كان التصرف تبرعاً فإنه لا يشترط لعدم نفاذه في حق الدائن غش المدين ولا حسن نية المتصرف إليه.
(المادتان 310 و 311/2 من القانون المدني/كويتي).
علماً بأن دعوى عدم نفاذ التصرف تسقط بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي علم فيه الدائن بسبب عدم نفاذ التصرف في حقه، وتسقط في جميع الأحوال بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت صدور التصرف. (المادة 317 مدني/كويتي).
ويتعين بعد قيد الدعوى بالمحكمة المختصة، وإعلان صحيفتها قانوناً، التأشير بها في إدارة التوثيقات الشرعية بوزارة العدل (والمسجل فيها حجة الوقف). (طبقاً للمادة 11 مكرراً/1 من المرسوم رقم 5 لسنة 1959 بشأن التسجيل العقاري/كويتي).
* ومن ناحية أخرى، فإنه إذا كان دين الدائن “مستحق الأداء”، ولم يف به المدين، وكان المدين “تاجراً”، وكان هذا التوقف عن الدفع ينبئ عن اضطراب وضع التاجر المالي، فإنه يجوز طلب إشهار إفلاس المدين التاجر، حتى بعد وفاته أو اعتزاله التجارة، خلال السنتين التاليتين للوفاة أو لشطب اسم التاجر من السجل التجاري (المادة 562/1 من قانون التجارة/كويتي).
وفي هذه الحالة، وعند صدور حكم بشهر إفلاس التاجر المتوقف عن سداد ديونه، حتى بعد وفاته – وخلال سنتين من تاريخ الوفاة – وتحديد تاريخ التوقف عن الدفع بتاريخ سابق على تسجيل حجة الوقف، فإن التصرفات التي تمت في فترة الريبة لا تسري في حق جماعة الدائنين ولا يعتد بها في مواجهتهم.
مع مراعاة أن مدة السنتين (من تاريخ الوفاة لرفع دعوى الإفلاس خلالها) هي مدة “سقوط” لا تقادم، وبالتالي فلا يرد عليها الوقف أو الانقطاع.
* علماً بأن الراهن ملتزم قانوناً بضمان سلامة الرهن، وللدائن المرتهن أن يعترض على كل عمل يكون من شأنه إنقاص ضمانه إنقاصاً كبيراً، وله في حالة الاستعجال أن يتخذ على نفقة الراهن ما يلزم من الوسائل التحفظية. (المادة 987 من القانون المدني/كويتي).
فإذا تسبب الراهن بخطئه في هلاك العقار المرهون أو تلفه، كان الدائن المرتهن مخيراً بين أن يقتضي تأميناً كافياً أو أن يستوفي حقه فوراً. (المادة 988/1 مدني/كويتي).
فإذا أخل الراهن بالتزامه بالضمان، فيكون للدائن وفقاً للقواعد العامة أن يطلب التعويض عما لحقه من ضرر بسبب ذلك، ولما كان الضرر هو زوال التأمين العيني أو ضعفه، فيكون الجزاء هو أن يقدم الراهن تأميناً كافياً أو يدفع الدين فوراً، والخيار للدائن. (المذكرة الإيضاحية للقانون المدني تعليقاً على المادتين987 و 988 / كويتي).
* ويمكن للدائن أن يقيم دعوى بمحو وشطب تسجيل حجة الوقف، لعدم التأشير عليها بقيد الرهن ومرتبته ولتعارضها مع الغرض من رهن العقار (بإخراجه من دائرة التعامل). على أن توجه أساساً إلى إدارة التوثيقات الشرعية بوزارة العدل، ورئيس إدارة التسجيل العقاري، واختصام الواقف أو ورثته (المستحقين في الوقف)، واختصام ناظر الوقف (في حال وفاة الواقف) وهي شركة ……. العقارية.
مع ملاحظة أن الدعوى ستكون بطلب محو وشطب التسجيل، وهو ما يحقق نفس غرض دعوى “بطلان حجة الوقف”، ولكنها ستكون أضمن من إقامة دعوى بطلان حجة الوقف لعدم وجود سبب من أسباب البطلان، فالوقف إنما يتم بالإرادة المنفردة للواقف، فطالما كان متمتعاً بأهليته القانونية (وحراً مختاراً غير مكره) [ما لم يثبت أن الواقف كان مصاباً بمرض ذهني أو عقلي يؤثر في إدراكه للأمور، لا سيما أن سنه وقت توثيق حجة الوقف كان يناهز الـ 87 عاماً]، وكان العقار الموقوف مملوكاً له، ولمستحقي الوقف جائزين قانوناً وغير مخالف للنظام العام ولا للشريعة الإسلامية، فمن ثم سيكون طلب إبطال الوقف مسألة صعبة قانوناً، ويكون من الأسهل توجيه الدعوى إلى “تسجيل” حجة الوقف وطلب محوها وشطبها، وهو ما يتساوى – في الغرض النهائي – مع طلب إبطال الوقف.
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً