الطبيعة القانونية للنيابة العامة في النظام السعودي
إن من الوسائل القانونية لاقتضاء حق المجتمع وردع الجاني من الافتئات على حق الجماعة والدولة تحريك دعوى الحق العام ضده وفق إجراءات التقاضي، ولا يكون ذلك إلا من خلال كيان ينوب عن المجتمع والدولة.
ونظرية النيابة لها أصل في الشريعة الإسلامية من حيث جواز نيابة فرد أو أكثر عن الجماعة، فمن تأمل سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد ذلك جليا في عدة مواضع، ومنها حادثة بيعة العقبة، فقد قال لأصحابه اخرجوا إلي اثني عشر منكم يكونون كفلاء على قومهم.. ويفهم من ذلك جواز فكرة النيابة عن الجماعة كما أشرنا إليه سابقا، ولا يظن البعض أن فكرة أو نظرية النيابة كهيئة عن المجتمع بتحريك دعوى الحق العام أمام القضاء ومتابعتها حتى تنتهي بحكم بات مكتسب القطعية أنها من نظريات القانون المصري!
كما أن صدور الأمر الملكي (أ/240) لتغيير اسم هيئة التحقيق والادعاء العام إلى مسمى النيابة العامة ويسمى رئيسها نائبا عاما إنما لقصد سلخ انتماء هيئة التحقيق والادعاء العام عن وزير الداخلية إداريا، وتمشيا مع بعض ما تأخذ به بعض الدول في هذا الاتجاه الذي لا يخالف القواعد والمبادئ الإسلامية، وهنالك خلاف بين فقهاء القانون من حيث كون انتماء النيابة العامة للسلطة التنفيذية أو للسلطة القضائية. وذهب بعض الكتاب والباحثين إلى أن النيابة العامة جزء من السلطة التنفيذية وتابعة لها إداريا، وهذا ما كانت عليه هيئة التحقيق والادعاء العام سابقا، وهنالك من يقول إنها سلطة قضائية، لكونها تمارس أعمال السلطة القضائية، ومنسوبوها يسمون قضاة تحقيق. واتجاه آخر يأخذ بأن النيابة العامة لها ازدواجية في أعمالها بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وهذا ما أخذ به المنظم السعودي من حيث اعتباره للنيابة العامة أن لها صفة قضائية وتقوم ببعض الأعمال التنفيذية، وأن النظام الأساسي للحكم ينص على وجوب استقلالية القضاء، ويدخل ضمنها الجهات التي تأخذ الصفة القضائية. وخروجا عن الإشكال القانوني الذي يلازم أعمال النيابة العامة نص الأمر الملكي على ارتباطها بالملك مباشرة، فلم تعد تابعة لوزير الداخلية، وليست تابعة لوزارة العدل كما هو معمول به في بعض الدول.
ومن وجهة نظري فإن هذه الطبيعة القانونية صحيحة للنيابة العامة بأنها ترتبط بالملك مباشرة، فلو كانت تابعة لجهة تنفيذية لكانت مظنة أن يتأثر عملها، أو إذا كانت تابعة لوزارة العدل كسلطة قضائية، فكيف ستكون لها حرية بالتقاضي أمام الجهات القضائية، ومن باب أن الحكم السعودي يقوم على العدل والمساواة، ولضمان تحقيق ذلك كان هذا القرار القانوني صائبا في تحديد هذا الاتجاه بأن تستقل النيابة العامة وترتبط بالملك مباشرة لضمان تحقيق العدالة وحقوق الإنسان.
عبدالله قاسم العنزي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً