تعريف الوقف:
لغة: الحبس، وشرعاً: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
دليل مشروعيته الوقف:
قوله تعالى: ” لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ “.
– وأما السنّة، فأحاديث كثيرة، منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: ” إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له “. والصدقة الجارية محمولة عند العلماء على الوقف.
والمشهور أن وقف عمر رضي الله عنه هذا كان هو أول وقف في الإسلام.
وقد اشتهر الوقف بين الصحابة وانتشر، حتى قال جابر رضي الله عنه: ما بقى أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم له مقدرة إلا وقف. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدّقوا بصدقات محرمات.
حكمة مشروعية الوقف:
1-فتح باب التقرّب إلى الله تعالى في تسبيل المال في سبيل الله وتحصيل المزيد من الأجر والثواب.
2-تحقيق رغبة الإنسان المؤمن، وهو يبرهن على إظهار عبوديته لله تعالى، وحبّه له.
3-تحقيق رغبة المؤمن أيضاً في بقاء الخير جارياً بعد وفاته، ووصول الثواب منهمراً إليه، وهو في قبره.
4- تحقيق كثير من المصالح الإسلامية: كبناء المساجد، والمدارس، وإحياء العلم، وإقامة الشعائر مثل الأذان والإمامة.
5- سدّ حاجة كثير من الفقراء والمساكين والأيتام وأبناء السبيل، والذين أقعدتهم بعض الظروف عن كسب حاجاتهم.
أركان الوقف:
للوقف أربعة أركان، وهي: الواقف، والموقوف، والموقوف عليه، والصيغة.
1- شروط الواقف:
يشترط في الواقف حتى يصحّ وقفه شرعاً الشروط التالية:
أ-صحة عبارته، وذلك بأن يكون حّراً بالغاً عاقلاً، فلا يصحّ وقف الرقيق، ولا يصح وقف الصبي والمجنون.
ب-أهليّة التبّرع، فلا يصح الوقف من المحجور عليه بسفه، أو فلس، أما السفيه فلمصلحته، أما المفلس فلمصلحة غُرمائه.
ج- الاختيار، فلا يصحّ وقف المكره، لأن الاختيار شرط من شروط التكليف.
وقف المريض مرض الموت:
لا يجوز وقفه فيما زاد على ثلث ماله، رعاية لحق الورثة في التركة، أما في الثلث فما دونه فإنه يجوز وقفه رعاية لمصلحته في الحصول الأجر والثواب له بعد موته.
وقف الكافر:
قال علماء الشافعية: يصحّ وقف الكافر ولو لمسجد، وإن لم يعتقده قُربة، اعتباراً باعتقادنا، ولأنه من أهل التبّرع.
2- شروط الموقوف:
أ ـ أن يكون الموقوف عيناً معيَّنة، فلا يصح وقف المنافع دون أعيانها، ولا يصح الوقف إذا لم يكن العين الموقوفة معيَّنة.
ب- أن يكون الموقوف مملوكاً للواقف ملكاً يقبل النقل، ويحصل منه فائدة، أو منفعة.
ج- دوام الانتفاع بالموقوف، فلا يجوز وقف الطعام ونحوه ممّا لا تكون فائدته إلا باستهلاك عينه.
د- أن تكون منفعة الموقوف مباحة، لا حُرمة فيها، وعليه فلا يصحّ وقف آلات اللهو، لأن الوقف قُربة والمعصية تنافيه.
وقف إمام المسلمين وخليفتهم من بيت مال المسلمين:
ولقد أجاز علماء الشافعية لإمام المسلمين وخليفتهم أن يقف شيئاً من أرض بيت مال المسلمين، إذا رأى في ذلك مصلحة لهم، واستثنوا هذا من شرط ملكية الواقف للوقف، واستدلوا لذلك بوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه سواد العراق.
وقف العقارات:
يجوز وقف العقارات من أرض، أو دور، أو متاجر أو آبار، أو عيون ماء: ما دامت صالحة للانتفاع بها حالاً، أو مآلاً.
وقف الأموال المنقولة:
وكذلك يصحّ وقف الأموال المنقولة: كالدواب، والسيارات، والآت الحرب، والثياب، والفرش، والأواني، والكتب النافعة.
وقف المشاع:
المشاع: هو الشئ المملوك المختلط بغيره بحيث لا يتميَّز بعضه عن بعض. والمشاع يصحّ وقفه، سواء كان من المنقولات، أم من العقارات. ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” احبس أصلها وسبل ثمرتها “.
3- شروط الموقوف عليه:
الموقوف عليه قسمان: معَّين، وغير معَّين.
شروط الموقوف عليه المعَّين:
يشترط فيه إمكان تمليكه عند الوقف عليه وذلك بأن يكون موجوداً في واقع الحال، وكذلك صحة تملكهم في حال الوقف عليهم.
الوقف على الكافر:
أجاز علماء الشافعية والوقف على كافر إذا كان ذمياً معيّناً ما دام الواقف لا يقصد بوقفه عليه معصية، وذلك لأن الصدقة تجوز على الذمِّي، فكذلك الوقف جائز عليه. والمُعاهَد والمستأمن في صحة الوقف عليهما كالذميّ، ولا يصح للكافر الحربي والمرتد،.
شروط الموقوف عليه غير المعين:
يشترط شرط واحد، وهو: أن لا يكون في ذلك الوقف وقف على معصية من المعاصي.
الوقف على الأغنياء:
ويجوز الوقف على الأغنياء لأن الصدقة تجوز عليهم، وكذلك فالوقف، تمليك، وهم أهل لهذا التمليك.
حدّ الفقر والغني:
قالوا في تحديد الفقير في الوقف: إنه الفقير في الزكاة، فما صحّت له الزكاة لفقره، صحّ له الوقف لفقره أيضاً، وما لا فلا.
قالوا في تحديد الغنيّ: إنه مَن تحرم عليه الزكاة، إما لملكه، أو لقوّته وكسبه، أو كفايته بنفقة غيره.
الوقف على سبيل الخير، أو سبيل الله:
لو قال الواقف في وقفة: وقفت أرضي ليكون ريعها في سبيل البِّر أو الخير، أو الثواب، فمن يستحق ريع هذا الوقف ؟
وجوابه: أن الذي يستحق ريع هذا الوقف إنما هم أقرباء الواقف، فإن لم يوجدوا، فأهل الزكاة ما عدا العاملين والمؤلّفة قلوبهم.
أما لو قال: في سبيل الله، فإنما يستحق ذلك الريع الغزاة الذين هم “أهل الزكاة”
فإن جمع في وقفه بين سبيل الله وسبيل البر وسبيل الثواب، كان ثلث هذا الوقف للغزاة، وثلثه لأقرباء الواقف، والثلث الأخير لأصناف الزكاة ماعدا العاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم.
الوقف على زخرفة المساجد وعمارة القبور:
لا يصحّ الوقف على تزويق المسجد أو نقشه، ولا على عمارة القبور، لأن الموتى صائرون إلى البلى فلا يليق بهم العمارة، ولا يجوز إضاعة المال وإتلافه في غير منفعة.
وقف الكفّار على معابدهم:
لا نجوِّز للذمِّي أيضاً أن يقف لكنيسة أو معبد، عملاً بشرعنا واعتقادنا، هذا حين يترافعون إلينا، ويطلبون منّا بيان الحكم في ذلك، أما إذا لم يترافعوا إلينا، فلا نتعرّض لهم، ونتركهم وما يدينون به. أما ما وقفوه قبل البعثة على كنائسهم فلا نُبطله.
4- صيغة الوقف:
تعريف الصيغة: هي اللفظ المشعر بالمقصود، أما ما يقوم مقام اللفظ، كإشارة الأخرس المفهمة، أو كتابته.
والصيغة قسمان:
أ – صريحة: وهي التي لا تحتمل إلا المعنى المراد، مثل أن يقول وقفت داري على الفقراء، أو يقول: حبستها لهم.
ب- كناية: وهي اللفظ الذي يحتمل مع المعنى المراد غيره، كأن يقول: مالي صدقة على الفقراء أو حرمته لهم أو أبّدته عليهم.
شروط صيغة الوقف:
أ – أن تكون لفظاً من ناطق يشعر بالمراد، أو كتابة من أخرس مُفصحة عن المقصود.
ب-أن تكون الصيغة خالية من التوقيت، فإن قال: وقفت أرضي على طلاب العلم سنة، بَطُلَ الوقف، لعدم صحة هذه الصيغة، ما
يُستثنى من شرط التوقيت:
والرُبُط والمقابر، وما يجري مجراها مما يشبه تحرير الرقاب، ويضاهيه، فحكموا بصحة الوقف، على التأبيد، وألغْوا الشرط. ج- بيان مصرف الوقف، فلو قال وقفت، ولم يبيّن المصرف لم ينعقد الوقف، لعدم معرفة الجهة التي وقف عليها.
د- عدم التعليق، فإن الوقف عقد يقتضي الملك في الحال، فلا يصحّ تعليقه على شرط.
هـ – الإلزام، فلا يصح فيه خيار شرط له، أو لغيره.
اشتراط قبول الموقوف عليه المعَّين الوقف:
يشترط لصحة الوقف قبول الموقوف عليه المعيّن للوقف، أما غير معين فلا يشترط لصحة هذا الوقف القبول، لتعذّر ذلك.
انتفاع الواقف من وقفه:
ليس للواقف أن ينتفع بشيء من وقفه؛ واستثنى العلماء ما لو وقف مُلكه مسجداً أو مقبرة، أو بئراً، فله أن ينتفع به
لزوم الوقف، وما يترتب عليه من أحكام:
الوقف من العقود اللازمة، ويترتب على لزوم عقد الوقف الأحكام التالية:
أ-عدم ثبوت الخيار في عقد الوقف. ب- انتقال ملكية الموقوف إلى الله سبحانه وتعالى. ج- انتقال حق الانتفاع بالوقف إلى الجهة التي كان لها الوقف.
ملكية الموقوف:
إذا وقف الواقف عيناً، كعقار أو سيارة انتقل مُلك رقبة الموقوف إلى الله تعالى، فلا يكون الموقوف للواقف، ولا للموقوف عليه.
منافع الموقوف:
المنافع مُلك للموقوف عليه إذا كان معيَّناً، أما غير معين، فإنهم لا يملكون منفعة الموقوف، بل يملكون حق الانتفاع بها.
التصرّف بالموقوف:
لا يجوز التصرّف برقبة العين الموقوفة بيعاً أو شراءً أو إرثاً، لا من قبل الواقف، ولا من قبل الموقوف عليه،
نفقة الموقوف:
النفقة على الوقف تكون من حيث شرطها الواقف من ماله، أو من مال الوقف، فإن لم يشترط الواقف شيئاً كانت النفقة من غلاّت الوقف إن كان له غلّة، فإن لم يكن له غلّة، أو تعطّلت منافعه، فالنفقة تَجِبْ في بيت مال المسلمين.
موت الموقوف عليه:
أ-إذا مات الموقوف عليه، فإن عيِّن الواقف مصرفاً آخر انتقل إليه الوقف، وإن لم يعيِّن انتقل الوقف أقرب الناس للواقف.
ب- إذا وقف على شخصين، ثم الفقراء: فمات أحدهما ذهب نصيبه للآخر.
ج- إذا وقف على شخصين، لكل واحد نصف الدار ثم على الفقراء، فلا ينتقل نصيب أحدهما إلى الآخر، بل ينتقل للفقراء.
حكم الوقف ابتداءً ودواماً:
أ- إذا كان الوقف على موجود إلا إنه منقطع الآخر، صحّ الوقف
ب- إذا كان الوقف منقطع الأول، ثم على الفقراء، بطل هذا الوقف في الأول، وكذلك بطل في الثاني، لأنه مرتب على الأول.
ج- إذا كان الوقف منقطع الوسط، صحّ هذا الوقف، لوجود المصرف في الحال، والمآل.
الولاية على الموقوف:
لا بدّ في الوقف من ناظر ينظر في أمره، ويقوم على مصالحه، والمحافظة عليه، وإنفاق موارده على الموقوف عليه.
أحقّ الناس بالولاية على الوقف:
أحقّ الناس بالولاية على الموقوف هو من يعيّنه الواقف نفسه. وإن لم يعين، فالنظر عندئذ للقاضي.
شروط الوالي (الناظر) على الوقف:
1-العدالة، وهي الاستقامة في أمور الدين. 2-الكفاية، والمراد بها قوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر عليه،.
وظيفة الناظر على الوقف:
أ- القيام بشؤون الوقف من عمارة وإجارة وقسمتها على مستحقيها، وحفظ الأصول والغلاّت، لأنه المعهود في مثله.
ب- إذا شرط الواقف النظر لاثنين لم يستقل أحدهما بالتصرّف، ما لم ينصّ عليه، فإن نصّ عليه جاز له التصرّف.
أُجرة الناظر على الوقف:
إذا شرط الواقف للناظر شيئاً من الريع جاز، وله أخذه، وإن لم يشترط فلا أجرة له. فلو رفع الناظر الأمر إلى الحاكم، جاز للحاكم أن يقرِّر له الأجرة التي يراها مناسبة لعمله، وهذا إذا لم يجد متبرعاً يقوم بالنظر على الوقف من غير أجر.
اختلاف الناظر والموقوف عليهم في النفقة:
إذا ادّعى الناظر على الوقف صرف الريع إلى مستحقِّيه، فأنكروا ذلك، فإن كانوا معيِّنين، فالقول قولهم، ولهم مطالبته بالحساب، وإن كان الموقوف عليهم غير معينين، فللحاكم مطالبته بالحساب، ويصَّدق في قدر ما أنفق عند الاحتمال.
عزل الناظر:
يُعزل الناظر بزوال أهليته كما مرّ، وكذلك بعزل الواقف له.
بعض مسائل الوقف:
1- لو قال الواقف: وقفت هذه الدار على أولادي، وأولاد أولادي، استحقّ الوقف جميعهم، وقسم منافعه بينهم بالسوية.
2- لو قال: وقفت هذه الدار على أولادي، فإنه لا يدخل أولاد الأولاد في الوقف.
3- لو قال هذه الحديقة وَقْف على ذريتي، أو نسلي، أو عقبي: دخل فيه أولاد البنات، وأولاد الأولاد.
4- لو قال: وقَفْتُ أموالي على فقراء قرابتي، دخل كل من اجتمع في النسب مع الواقف، من فقراء قرابته.
5- الصفة المتقدمة والمتأخرة على جمل معطوفة تعتبر في الكل.
6- لقد عُرف الوقف على القرابة والأولاد والذرية بالوقف الذري أو الأهلي. والوقف على المصالح والجهات، بالوقف الخيري.
الوقف من مفاخر المسلمين ومآثرهم الحميدة:
الوقف قربة من القربات، وعبادة من العبادات، والوقف يدل على صدق إيمان الواقف، ورغبته في الخير، وحرصه على مصالح المسلمين، ولقد ضرب المسلمون منذ عصر النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الأمثلة في ميادين الوقف، فوقفوا أوقافاً لا تُحصى، وسبّلوا أموالاً لا تُعدّ، شملت أوقافهم جوانب كثيرة من جوانب الخير، ونواحي المعروف، ومرافق الحياة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً