فلسفة حظر النشر في القضايا الجنائية :
رغم ان القانون المصري اوجب علانية المحاكمة والتي تعد اخطر كثيرا من تحقيقات النيابة العامة وأعطى القانون لقاضى الموضوع الحق وفقا لتقديره في سماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو منع فئات معينة من حضور الجلسات وذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة على الآداب واستنادا إلى نص المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية
فيما اختلف الأمر فيما يخص التحقيقات التي تجريها النيابة العامة فتزول السرية عند إحالة الدعوى إلى المحكمة ويختلف الأمر أيضا فيما يتعلق بخصوم الدعوى الذين اوجب القانون ان تكون إجراءات التحقيق بالنسبة لهم علانية لا سرية فيها مثل خصوم التحقيق وهم النيابة العامة والمتهم والمجني عليه والمدعى بالحق المدني وكذلك المسئول عن الحقوق المدنية كل هؤلاء لهم الحق في حضور التحقيقات ومن بعدها المحاكمة ولوكلائهم ( المحامين وغيرهم ) معهم أو عنهم لكل هؤلاء الحق في حضور جميع إجراءات التحقيق
فالأصل هو علانية التحقيق بالنسبة للخصوم ومن هنا يبدوا نص المادة 78 من قانون الإجراءات الجنائية واضحا وذا مغزى فيما أوجبه مكن إخطار خصوم الدعوى التي يجرى بشأنها التحقيق ميعادا ومكانا ومنذ صدور قانون المطبوعات عام 1881 والرقابة على النشر مستمرة حتى الآن بدأ من إلزام صاحب المطبعة بتقديم مسودة الكتاب قبل الطبع
وطبقا للمادة 15 من دستور 1923 والتي أجازت فرض الرقابة على الصحف حفاظا على النظام الاجتماعي وقد ألغيت هذه المادة في دستور 1971 وابقي عليها الدستور في حالة الحرب وحالة الطوارئ.
من له الحق في حظر النشر
حظر النشر العام
غالبا ما يصدر قرار حظر النشر العام من جهة التحقيق استنادا إلى المساس بالمصالح العليا للدولة أو المجتمع ويبدوا هذه مبررا وواضحا فيما يتعلق بتحقيق يمس أسرار الدفاع وهذا ما تناولته المادة 80 أ والفقرة الثانية منها من قانون العقوبات المصري بينما حددت مادة [85] (1) من قانون العقوبات وذريع خاص 2 وردا لاعتبار المتهم اوجب المشرع على الصحيفة التي تنشر خبر أدنته ان تنشر لك على سبيل المثال لا الحصر مثل المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك والأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها وبصفة عامة كل ما له مساس بالشئون العسكرية والإستراتيجية وكذلك الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم
حظر النشر ومبدأ أصل البراءة
قد يكون قرار احظر النشر مسندا لحماية الجمهور من اى تأثير سلبي يحدث من جراء نشر تفاصيل الواقعة أو حماية للمتهم ولاطراف الواقعة من التشهير بهم ويأتي كل هذا استنادا إلى ما جاء بنص المادة 66 من الدستور والتي تنص على – المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه.· ويعتمد قرار حظر النشر الذي تصدره النيابة العامة بوصفها سلطة تحقيق أو من المحكمة التي تنظر موضوع الدعوى وأيضا ما جاء بنص المادة 23 من القانون 96/96 قانون الصحافة تنص على انه [ يحظر على الصحيفة تناول كل ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة بما يؤثر على صالح التحقيق أو المحاكمة أو بما يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة ]·
بينما المادة 187 من قانون العقوبات والتي تعاقب كل من نشر أموراً من شانها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق أو أموراً من شانها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده وكذلك المادة 193 الفقرة الأولى منها والتي تتعلق بنشر أخبار بشأن تحقيق جنائي قائم إذا كانت سلطة التحقيق قد قررت أجراءه في غيبة الخصوم أو كانت قد حظرت ‘إذاعة شيء منه مراعاة للنظام العام والآداب أو لظهور الحقيقة وكذلك المادة 12 /2 و 3 من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة الصادرة بالقرار رقم 10 لسنة 1998 وقرر المشرع حدودا لحرية الصحف في النشر عن القضايا سواء كان ذلك إثناء تحقيقات النيابة العامة أو إمام المحاكمة بقرار من قاضى الموضوع لكن لم يراع المشرع في تلك الحدود حق الصحف في النشر وأيضا حق المجتمع في المعرفة
فمن حق الصحف ان تنشر ومن حق المجتمع ان يعرف مع ملاحظة عدم التأثير على مجريات التحقيق أو على إجراءات المحاكمة ومراكز الخصوم أو التأثير عل الشهود فالأصل في الإنسان البراءة وأيضا استنادا إلي· قاعدة ان المتهم بريء حتى تثبت براءته وقد يكون من شأن ما تنشره الصحف ان يؤثر على النيابة العامة أو على القاضي الذي ينظر موضوع الدعوى أو ان يؤثر على شاهد أو ان يؤدى النشر إلى خروج المحقق عن حياده وتجرده أو التأثير على مراكز الخصوم باتخاذ موقف من المتهم أو نشر أدلة الإدانة أو التضخيم من جسامة الجريمة أو التأثير على الرأي العام تجاه المتهم أو التخفيف والتهوين من وقع الجريمة أو خلق مبررات لها لدى الجاني أو دوافع الأمر الذي قد يضر بمركز المتهم أو المجني عليه في الدعوى التي تم النشر عنها أو التعليق على مجريات التحقيق فيها وأيضا خلق رأى عام قد يؤثر على القاضي الذي ينظر موضوع الدعوى كأن يتعاطف الرأي العام مع المتهم أو مع المجني عليه
ولذلك راعى المشرع مدى فداحة هذه ا التأثير في القضايا والتي تهم الرأي العام فجاءت المادة 13 من قانون الإجراءات الجنائية والتي أعطت لمحكمة الجنايات أو محكمة النقض في حالة نظر الموضوع إذا وقعت أفعال من شانها الإخلال بأوامرها ، أو بالاحترام الواجب لها أو التأثير في قضائها أو في الشهود ، وكان ذلك في صدد دعوى منظورة أمامها أن تقيم الدعوى الجنائية 1 على هؤلاء الأشخاص أو بالنسبة لهذه الوقائع ، وتحليها إلى النيابة العامة لتحقيقها والتصرف فيها·
فحصانة النشر مقصورة على الإجراءات القضائية العلنية والأحكام التي تصدر علنا وان هذه الحصانة لا تمتد إلى ما يجرى في الجلسات غير العلنية ولا ما يجرى في الجلسات التي قرر القانون أو المحكمة الحد من علانيتها كما أنها مقصورة على إجراءات المحاكمة ولا تمتد إلى التحقيق الابتدائي ولا إلى التحقيقات الأولية أو الإدارية لأن هذه كلها ليست علنية إذ لا يشهدها إلا إطرافها·
وهذا الحظر لا يتعلق فقط بأطراف الدعوى من متهم ومجني عليه ومدعى بالحقوق المدنية ومسئول عنها فقط بل ان الحظر أيضا يشمل قاضى الموضوع فهو محظور عليه إلا يفشى سرية المداولات التي تتم بينه وبين زملائه قبل إصدار الأحكام ونصت على ذلك بوضوح المادة 74 من قانون السلطة القضائية وأيضا المحامى فيمتنع عليه ان يذكر الأمور الشخصية التي فيها إساءة لخصم موكله وورد هذا في نص المادة 69 من قانون المحاماة فإذا نشر في الصحف أو اى وسيلة أخرى من وسائل الإعلام أو باى طريقة مما نص عليه القانون أو وسيلة وقائع هذه التحقيقات أو ما ورد بها أو ما تم اتخاذه من إجراءات متعلقة بالضبط أو التفتيش أو الاتهام إنما ينشر ذلك على مسئوليته ويجوز محاسبته نائيا إذا تضمن ما نشره سبا أو قذفا أو إهانة
وذلك لأن حرية الصحافة جزء من حرية الفرد ولا يمكن ان تتجاوزه إلا بتشريع خاص· وردا لاعتبار المتهم اوجب المشرع على الصحيفة التي تنشر خبر إدانته ان تنشر القرارات الصادرة من النيابة العامة سواء بالحفظ أو بالا وجه لإقامة الدعوى وكذلك إذا ما قضت محكمة الموضوع ببراءته مما هو نسب إليه ونشرته الصحيفة ويأتي هذا كرد اعتبار له آثار صدور قرار حظر النشر الصادر من المستشار محمدي قنصوه في قضية مقتل سوزان تميم انقسام حاد في الصحافة بين مؤيد ومعارض للقرار ، على خلفية صدور أكثر من كتاب يتناول القضية المنظورة أمام القضاء بشكل يوحى بقطع مؤلفيه باليقين في موضع الشك (وهى القضية التي أوراقها مازالت تداول أمام القضاء) وتناول بعض الصحف القضية بشكل بعيد عن الموضوعية واحترام تداول الدعوى أمام القضاء. يطرح مثل هذا القرار سؤال مهم يتعلق بحدود دور الصحفي في تغطية المحاكمات المطروحة على القضاء، وما هو حق الصحافة في المعرفة ونقل الأخبار
بقلم د / عادل عامر
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً