البطلان وعدم القبول:
عدم قبول العمل الإجرائي ليس جزاء لتعييب هذا العمل ذاته ، وإنما هو جزاء لتخلف أحد المفترضات الإجرائية التي يستلزمها القانون والتي تمنح العمل الإجرائي الذي يرتكز عليها قابلية الاعتراف القانوني به وقبوله . (سليمان عبد المنعم ص138 ، مرجع سابق)
فعدم القبول يجب أن يفهم على أنه رفض الحكم في الموضوع لعدم توافر الشروط الشكلية أو الموضوعية التي تسمح للمحكمة بالقضاء في موضوع الطلب أو الدعوى ، وهو من أجل ذلك قد يقترن بجزاءات إجرائية أخرى كالبطلان أو السقوط أو الحرمان بحيث يكون الحكم بعدم القبول بمناسبة توافر عيب من العيوب المتعلقة ببعض الإجراءات أو كلها المستوجبة لجزاء من هذه الجزاءات .
إلا أن عدم القبول في هذه الحالة لا ينصرف الى الأجزاء المشوب بعيب مستوجب البطلان أو السقوط و الحرمان وإنما ينصرف الى الطلب أو الدعوى التي بوشر الإجراء المعيب بمناسبتها والذي كانت مباشرته شرطا شكليا لاتصال المحكمة بموضوع الدعوى ، وعليه فالتقدم بالشكوى بعد فوات الميعاد المحدد قانونا وهو ثلاثة أشهر يترتب عليه عدم قبول الدعوى لسقوط الحق في رفعها بفوات الميعاد المحدد للتقدم بالشكوى . كذلك تخلف شرط الصفة المتمثلة فيه الأهلية الإجرائية يجعل الإجراء المباشر ممن ليسن له الصفة المطلوبة باطلا ومع ذلك فالمحكمة لا تحكم ببطلان الإجراء وإنما تحكم بعدم قبول الطلب أو الدعوى . (مأمون سلامة في الإجراءات الجنائية ص398)
ولما كان عدم القبول يفترض عدم توافر الشروط الشكلية والموضوعية لاتصال المحكمة بالدعوى ، فمعنى ذلك أنه يفترض عدم توافر الرابطة الإجرائية صحيحة ومن ثم فهو يتعلق بالنظام العام لاتصاله بولاية القاضي للحكم في موضوع الدعوى ، ومن أجل ذلك فإن المحكمة لها أن تقضي بعدم القبول من تلقاء نفسها ، كما أنه يجوز الدفع به من قبل الخصوم في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض طالما أن تحقيق الدفع لا يحتاج الى تحقيق موضوعي لا يجوز لمحكمة النقض مباشرته .
ويبدو الشبه بين البطلان وعدم القبول في سبب كل منهما ، فسبب البطلان هو عدم توفر شروط صحة العمل ، وهو ذات سبب عدم قبول الطلب ، فالبطلان خطوة أولى يليها عدم القبول . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
أما الفرق بينهما فيتمثل في أن :
1- البطلان كجزاء إجرائي أوسع نطاقا من عدم القبول ، إذ أنه يلحق كل عمل إجرائي معيب ، ويغطي ذلك كل إجراء يتخذ في إطار الخصومة الجنائية أو في المرحلة السابقة عليها والممهدة لها ، وبالتالي يتصور أن ينصب البطلان على إجراءات التحقيق والمحاكمة . أما عدم القبول فهو جزاء يقتصر على الدعاوى والطلبات كصور للأعمال الإجرائية ، وهو من هذا المنظور يبدو أوثق صلة والرابطة الإجرائية ذاتها منها الى العمل الإجرائي .
2- أثر البطلان يتمثل في عدم الاعتراف بالعمل الإجرائي المعيب وتعطيله عن أداء دوره الإجرائي وإنتاج آثاره القانونية ، وفي عبارة أخرى يعتبر الإجراء الباطل كقاعدة عامة كأن لم يكن . أما عدم القبول فهو لا ينصرف الى الإجراء المعيب ذاته بعيب البطلان أو السقوط ، وإنما يقتصر أثره على رفض الدعوى أو الطلب المبنى على الإجراء المعيب ، وليس ثمة ما يمنع في غالب الأحيان من إمكان تصحيح الإجراء المعيب الموصوم بوصم البطلان وذلك بإعادته أو بتحوله الى الإجراء الذي توافرت عناصره ، ويكون ذلك على وجه الخصوص في حالات البطلان غير المتعلق بالنظام العام . أما عدم القبول فلا يجوز للمحكمة أن تتجاهله ويتعين عليها إنزال حكمه ، وبالتالي يكون لها أن تقضي بعدم قبول الدعوى أو الطلب من تلقاء نفسها . كما لا يجوز الدفع به من جانب الخصوم في أية مرحلة من مراحل الدعوى ولو كان ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض متى كان تحقيق هذا الدفع بعدم القبول لا يستوجب تحقيقا موضوعيا مما يمتنع على محكمة النقض مباشرته . (مأمون سلامة ص370 ، مرجع سابق)
3- الدور الوظيفي للبطلان يتمثل في التقرير بما اعترى العمل الإجرائي من عيب لتخلف أحد مقوماته الموضوعية أو انتفاء أحد شروط صحته الشكلية ، وعلى خلال ذلك فالدور الوظيفي لعدم القبول يفترض سلفا توافر عيب من العيوب الإجرائية المستوجبة لجزاء إجرائي كالبطلان أو السقوط ، ولكن هذا العيب يظل كامنا ، ولا تحين الفرصة لكشفه والتقرير به إلا عند مباشرة الدعوى أو الطلب المرتبطين بهذا الإجراء المعيب ، فرفع الدعوى الجنائية عن جريمة من جرائم الشكوى يمثل في ذاته عيبا إجرائيا يستوجب البطلان متى كانت هذه الشكوى لم تقدم بعد . فإذا بوشر الإجراء (رفع الدعوى) تجسد الجزاء في صورة عدم القبول .
وهناك فرق بين عدم القبول ، وعدم الجواز ، فعدم القبول يرجع الى عيب في شخص الطاعن أو في شكل الطعن ، أما عدم الجواز فيرجع الى عيب في محل الطعن وهو الحكم .
فالطعن مثلا يكون غير مقبول إذا قدم من غير ذي صفة أو لم يستوف الشكل المقرر بالقانون . أما عدم الجواز فيتحقق متى انصب الطعن على حكم لم يجز القانون الطعن فيه .
وعلى هذا فجزاء عدم القبول بعيب كل إجراء يتخذه من لا يكون قد نشأن له حق ما في اتخاذه ، لتحلف الشروط التي استلزمها القانون في سبيل نشأة هذا الحق ، ومنها ما يتعلق بالمضمون الموضوعي للدعوى الجنائية ، وقد يتعلق بالمضمون الشكلي . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
إلا أن محكمة النقض غير مستقرة على استخدام تعبير عدم القبول إذ تميل أحيانا الى القول بعدم الجواز أى عدم جواز نظر الدعوى أو الطعن في حالات عدم القبول . (نقض جنائي 9 يناير 1967 ، مجموعة أحكام النقض ، س18 ق7 ص46 – 21 نوفمبر 1967 س18 ق241 ص1147)
كما أن المشرع نفسه يستخدم تارة تعبير عدم القبول ، مثال ذلك نص المواد 401/3 من قانون الإجراءات الجنائية و32 من القانون رقم 57 لسنة 1959 في شأن حالات إجراءات الطعن أمام محكمة النقض ، ويستخدم تارة أخرى تعبير عدم الجواز ، مثال ذلك المادة 31 من القانون رقم 57 لسنة 1959 المشار إليه ، وتؤثر محكمة النقض في مجال الطعن في الأحكام استخدام تعبير عدم القبول حين يتعلق الأمر بعيب في شخص الطاعن أو في شكل الطعن وتميل الى التقرير بعدم جواز الطعن حين يتمثل العيب في الحكم محل الطعن . (سليمان عبد المنعم ص142 ، مرجع سابق)
يتبين مما تقدم أن العلاقة بين البطلان والسقوط وعدم القبول تتمثل في أن البطلان يترتب على سقوط الحق في مباشرة العمل ، وأن عدم القبول يترتب على بطلان تقديم الطلب ، وقد يجتمع السقوط والبطلان وعدم القبول معا ، إذا ورد العمل على صورة طلب ، مثال ذلك أن يقرر الطاعن بالطعن بعدم الميعاد القانوني ، فقد أسقط حقه في الطعن بانقضاء ميعاد الطعن ، فإذا ما قرر بعد ذلك بالطعن كان طعنه باطلا وتعين الحكم بعدم قبوله .
وقد جرت محكمة النقض على أن تقضي بسقوط الطعن إذا لم يتقدم الطاعن المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ قبل الجلسة تمييزا لهذا الجزاء الإجرائي المترتب على سبب طارئ عن بقية الجزاءات الإجرائية .
إلا أن الطعن قد يكون غير مقبول شكلا ثم لا يتقدم الطاعن المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية للتنفيذ ، وحينئذ يتعين الحكم بسقوط الطعن ، لأن السقوط بمس الحق في الطعن وهو مسالة سابقة مباشرة على الطعن في الميعاد أو بعده ، كذلك إذا اجتمع عدم جواز الطعن مع عدم قبوله شكلا يحكم بعدم جواز الطعن . (عبد الحميد الشواربي ، مرجع سابق)
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً