نشأة المصارف التجارية
يرتبط ظهور المصارف التجارية تاريخيا بتطور نشاط الصيارفة والصاغة , فمنذ وقت بعيد كان الصيارفة يحتفظون بالاموال التي يودعها لديهم التجار و رجال الاعمال و كل من يرغب في الحفاظ على امواله من الضياع او السرقة , فيقوم الصاغة والصيارفة بوضع هذه الاموال في خزائنهم مع تسليم المودع ايصالا يتضمن مقدار وديعته , و هكذا نشأت الوظيفة التقليدية الاولى للمصارف وهي ايداع الاموال ، وكان المودع إذا اراد وديعته يعطي الصائغ أو الصيرفي الايصال , و ياخذ الوديعة , ومع مرور الزمن اصبح الافراد يقبلون الايصال فيما بينهم كوسيلة للتبادل وتبقى الاموال أو الذهب , مكدسا في خزائن الصاغة وقد تنبه الصاغة إلى هذه الحقيقة فصاروا يقرضون ما لديهم من اموال مقابل فائدة ، وهكذا نشأت الوظيفة التقليدية الثانية للمصارف و هي الاقراض ، أما توليد النقود أو تكوينها ، فقد نشأت عندما كان القرض ياخذ شكل ايصال يحرره الصائغ ( بدلا من الذهب أو الاموال ) و يعطيه للمقترض ، وخاصة بعدما اصبح الافراد يثقون بهذه الايصالات لأنها قابلة للاستبدال بالذهب في أي وقت يشاؤون كما دلتهم على ذلك تجاربهم العديدة خلال تعاملهم مع الصاغة .
بمعنى أن هذه المؤسسات التي تحولت مع الزمن إلى مصارف تجارية اخذت تكون نقودا جديدة ( نقود الودائع ) و هذا يمثل تحولا كبيرا في نشاط المصارف التجارية ، لأنها اصبحت قادرة على توليد نقود تضاف إلى دائرة التداول النقدي، وبهذا فأن المصارف التجارية لم تعد مؤسسات مالية أو مصرفية وسيطة بين المقرضين (المدخرين ) وبين المقترضين ( المستثمرين ) بل هي مؤسسات مالية ايضا لها القدرة دون غيرها من المؤسسات المالية والمصرفية الاخرى على التأثير في عرض النقد من خلال امكانيتها في توليد الائتمان المصرفي .
اهداف المصارف التجارية
تسعى المصارف التجارية إلى تحقيق ثلاثة اهداف رئيسية هي : الربحية والسيولة و الامان .
1- الربحية
تسعى ادارة المصارف دائما إلى تحقيق اكبر ربح ممكن لأصحاب المصرف ، اذ أن المعيار الاساسي لمدى كفاءة الادارة ، هو حجم الارباح التي تحققها ، فاذا حققت الادارة ارباحا اكثر ، فان ذلك يعني انها اكفأ من غيرها ، كما وان الوظيفة الرئيسية لأدارة المصرف التجاري هي تحقيق الارباح .
وحتى يتمكن المصرف تحقيق الارباح ينبغي أن تكون ايراداته اكبر من تكاليفه ، وتشتمل إيرادات المصرف البنود آلاتية :
الفوائد الدائنة على التسهيلات الائتمانية .
العمولات الدائنة التي تتقاضاها المصارف نظير خدماتها التي تقدمها للآخرين .
اجور الخدمات التي تقدمها المصارف و غير المتعلقة بطبيعة العمل المصرفي كقيامها بتقديم استشارات اقتصادية ومالية واعداد درأسات الجدوى الاقتصادية .
عوائد العملة الاجنبية أي الارباح المتحققة من الفرق بين اسعار الشراء والبيع.
ايرادات اخرى كعوائد الاستثمار في الاوراق المالية , والعوائد المتحققة من خصم الكمبيالات , وأي أرباح رأسمالية ناتجة عن بيع المصرف لأصل من اصوله بسعر اعلى من قيمته الدفترية .
أما فيما يتعلق بتكاليف المصرف ، فإنها تشتمل على الآتي :
الفوائد المدينة على الودائع التي يقوم المصرف بدفعها .
العمولات المدينة التي يدفعها المصرف إلى المؤسسات المالية الاخرى نظير تقديمها خدمات للمصرف ذاته .
المصاريف الادارية والعمومية .
2- السيولة
سيولة أي أصل من الاصول , تعني مدى سهولة تحويله إلى نقد باقصى سرعة ممكنة وباقل خسارة ، وبناء عليه فان البضاعة اكثر سيولة من العقارات ، والذمم المدينة اكثر سيولة من البضاعة ، وهكذا أما السيولة ، في المصارف فتعني قدرة المصرف على الوفاء بالتزاماته المتمثلة في القدرة على مجابهة طلبات سحب المودعين , ومقابلة طلبات الائتمان واية طلبات او حلجات مالية اخرى، وهذا يعني أن على المصارف التجارية أن تحتفظ بنسبة سيولة تمكنها من الوفاء بالتزاماتها في أي لحظة , فالمصارف التجارية لا تستطيع كبقية منشات الاعمال الاخرى تأجيل سداد ما عليها من مستحقات ولو لبعض الوقت , فان مجرد اشاعة عن عدم توفير سيولة كافية لدى المصرف ، كفيلة بان تزعزع ثقة المودعين و يدفعهم فجأة لسحب ودائعهم مما قد يعرض المصرف للإفلاس.
3- الامان
لا يمكن للمصارف التجارية أن تستوعب خسائر تزيد عن رأس المال الممتلك فأي خسائر من هذا النوع معناه التهام جزء من اموال المودعين , وبالتالي افلاس المصرف التجاري ، لذلك تسعى المصارف التجارية بشدة إلى توفير أكبر قدر من الامان للمودعين من خلال تجنب المشروعات ذات الدرجة العالية من المخاطرة ، والى تعدد المناطق الجغرافية التي يخدمها المصرف ، لأن ذلك يؤدي إلى تباين الزبائن ( المودعين والمقترضين ) ، وأنشطتهم ، وايضاً تباين في مدى حساسية تلك الأنشطة للظروف الاقتصادية العامة ، وباختصار تسهم الفروع في تنويع (Diversification) ودائع المصرف والقروض، التي يقدمها وهو ما يقلل من احتمالات حدوث مسحوبات ضخمة مفاجئة ، تعرض المصرف لمخاطر العسر المالي .
وفي ضوء ما تقدم ، يبدو أن هناك تعارض واضح بين الأهداف الثلاثة السابقة ، وهو ما يمثل مشكلة الإدارة المصرفية ، فعلى سبيل المثال يمكن للمصرف التجاري تحقيق درجة سيوله عالية من خلال احتفاظه بنقدية كبيرة داخل خزائنه ، ألا أن ذلك يؤثر سلبياً على هدف الربحية ، فالنقدية الراكدة داخل الخزينة ، لا يتولد عنها أي عائد في الوقت الذي مطالب فيه المصرف بسداد عوائد(فوائد) على ايداعات الزبائن .
وبنفس المنطق ايضا ، فان المصرف التجاري يمكنه توجيه امواله الى الاستثمارات التي تدر عائد مرتفع ، وبالتالي الاقتراب من هدف الربحية ، الا ان هذه الاستثمارات يرافقها عادة ارتفاعا في درجة المخاطرة مما عنه قد ينجم خسائر رأسمالية كبيرة للمصرف ، وهو ما يدمر الهدف الثالث الذي تسعى المصارف التجارية اليه اصلا ، وهو تحقيق الامان لأموال المودعين ، اذا ما هو الحل ؟
يرى بعض الباحثين ان الهدف الاساس الذي يجب ان يسعى اليه المصرف التجاري هو تعظيم الربح ( Profil Maximization ) وهو ما يستهدفه اصحاب المصرف بالدرجة الاولى ، اما السيولة والامان فيستهدفهما المودعين ( Depositors ) ويتحققا من خلال التشريعات وتوجيهات البنك المركزي التي تقلل احتمالات تعرض المصرف التجاري للعسر المالي ، وتزيد من حالة الامان ، ومن ثم تصبح السيولة والامان بمثابة قيود ( Constration ) وليست اهداف ، مقارنة بهدف الربحية .
ويمكن للمصرف ان يراعي من خلال سياساته في التوظيف تحقيق ملائمة والتوفيق بين الربحية والسيولة والامان حفاظا على سلامة مسيرته وتحقيق اهداف مالكيه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً