قراءة في نظام التجارة الإلكترونية
د. حسام إبراهيم فلاتة
تلقى المعنيون بالتجارة الإلكترونية خبر موافقة مجلس الوزراء على نظام التجارة الإلكترونية ببهجة وسرور، مستبشرين بذلك خيرا، وذلك إيماناً منهم بما سيلعبه النظام من دور إيجابي في تطوير مجال التجارة الإلكترونية وتعزيز ثقة المستهلك به. لطالما تحدث الكثير عن هذا النظام وما سيتضمنه من مواد قد يكون من شأنها تقليص المشكلات الناشئة نتيجة لخصوصية الوسط الذي تتم فيه عمليات التجارة الإلكترونية. بالتمعن في النظام الصادر، أرى بأنه يمكن تقسيمه إلى أربعة مواضيع رئيسة:
الموضوع الأول تناول فيه النظام البيانات الواجب تقديمها من موفر الخدمة للمستهلك. في هذا الجانب أتى النظام متوافقا مع ما أوصت به منطمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في إرشاداتها الخاصه بالتجارة الإلكترونية والتي تبنتها معظم الدول المتقدمة في أنظمتها، كدول الإتحاد الأوربي على سبيل المثال.
يحسب للنظام بأنه اهتم بخصوصية التعامل مع البيانات وحمايتها في ظل غياب أنظمة خاصة بذلك. كذلك امتاز النظام بشموليته في تحديد البيانات الواجب تقدميها من مزود الخدمة. حيث تم إلزامه بتقديم البيانات التي من شأنها تسهيل وصول المستهلك للتاجر أو الممارس بعد البيع. كما حدد ماهية بيانات المنتجات والخدمات اللازم توفيرها، إلا أنه في هذا الجانب يلاحظ أنه تم الاقتصار على تقديم البيانات الأساسية للمنتج فقط، مع ترك توضيح البيانات المكملة الخاصة بكل منتج أو خدمة من خلال اللائحة التي ستصدر لاحقا.
علاوة على هذه البيانات، ألزم النظام مقدم الخدمة أن يزود المستهلك بملخص للعقد يوضح فيه تفاصيل العملية والمنتج والمبلغ بكل تفاصيله قبل إتمام العقد، وذلك مهم لإزالة اللبس واعطاء فرصة أخرى للمستهلك للتأكد من توافق الإيجاب والقبول، هذا إضافة إلى إلزامه بإرسال فاتورة إلى المستهلك بعد الإتمام، إلا أنني كنت أرى ضرورة التشديد على أن يكون الإرسال إلكترونيا بصفة إلزامية مع ترك حرية الخيار بإرسالها بأي طريقة أخرى بشكل إضافي، حيث قد تكون الوسيلة الإلكترونية هي الأمثل للمستهلك الإلكتروني.
أما الموضوع الثاني فهو من المواضيع الهامة، والتي تنتشر كثيرا في مجال التجارة الإلكترونية وتُضعف ثقة المستهلك بها، وهو الذي تمت الإشارة إليه في كل من المواد 10 و11 و12 والمعنية بالإعلانات المضللة والكاذبة.
أظهرت نتيجة إحدى الدراسات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية بأن غالبية الشكاوى الورادة إلى وزارة التجارة تتمحور حول إعلانات خادعة ومضللة، إما متعلقة بعدم وفاء التاجر بالتزامه، أو بوصول المنتج مخالفا لما تم الإعلان عنه. لذا فإن تنظيم هذا الجانب قد يعالج جزء كبير من المشكلات التي تؤرق المستهلك في هذا المجال، لاسيما وأن النظام تضمن مجموعة من العقوبات تُوقَع على كل من يخالف ما ورد فيه وفي اللائحة.
في حين عني الموضوع الثالث بتوضيح حق المستهلك في فسخ العقد. مراعاة للطبيعة الخاصة التي تتم بها عمليات التجارة الإلكترونية، أعطى النظام فرصة أخرى للمستهلك ليراجع فيها قرار الشراء، حيث سمح النظام له بفسخ العقد خلال 7 أيام من تاريخ التعاقد للخدمة أو من تاريخ الاستلام للمنتج، وذلك بضوابط محددة.
يحسب للنظام تحديده الحالات التي لايقبل فيها فسخ العقد حتى لا يساء استخدامها من قبل المستهلك. إلا أنني أرى بأن الأولى أن تكون التسمية ” العدول عن البيع او التعاقد” وليس فسخ العقد، حيث أن الفسخ يكون نتيجة إخلال أحد المتعاقدين بإلتزاماته تجاه الأخر، فيعود كلاهما إلى حالته قبل التعاقد بالفسخ. بينما ما يظهر من محتوى المادة (13) أن النظام قصد إعطاء مهلة للمستهلك لإعادة النظر في اكمال التعاقد أو العدول عنه، وهذه المدة تتشابه مع ما يسمى بـ (Cooling off Period) في الأنظمة المقارنة. وهذا ما تؤكده المادة (14) بمنحها المستهلك حق فسخ العقد في حالة عدم أو تأخر تنفيذ التاجر لالتزامه بتسليم المنتج أو تنفيذ الخدمة، محددا مدة التأخير بـ(15) يوما.
بالرغم من أن هذه المدة تعتبر مناسبة بالنسبة للمستهلك، إلا أن ذلك قد يكون به نوع من الضغط على موفر الخدمة. لذا أرى أنه من الأفضل أن تكون (30) يوماً، لاسيما وأن الهدف من أنظمة حماية المستهلك هو إعادة التوزان للمراكز القانونية وليس جعل المستهلك في مركز اقوى من التاجر.
أما الموضوع الرابع فيتمثل في تحديد الجهة المختصة بالإشراف على قطاع التجارة الإلكترونية ومراقبته وإقرار العقوبات على مخالفي النظام.
مما يحسب للنظام في هذا الجزء، إضافة إلى تحديد العقوبات، أنه أشار ضمنا إلى ضرورة استحداث قسم خاص يتولى أعمال الرقابة والتفتيش على تعاملات التجارة الإلكترونية وضبط مخالفات أحكام النظام واللائحة، على أن يتولى ذلك موظفون مختصون يصدر لهم قرار تعيين من الوزير، وتكمن اهمية ذلك في أن حجم المشكلات الناشئة عن عمليات التجارة الإلكترونية كبير جداً، وكانت تتلقاه الوزارة بشكل يومي، الأمر الذي يتطلب وجود جهة مختصة بهذا الجانب.
إجمالاً، بالرغم من أهمية النظام وتغطيته لجوانب مهمة في سد الثغرات التي كانت سببا في زعزعة ثقة المستهلك في التجارة الإلكترونية، وبالرغم من اهتمام النظام بالتفريق بين طبيعة المنتجات التي يتم بيعها وتداولها في هذا المجال، إلا أن هناك بعض الملاحظات التي كنت أتمنى إضافتها أو الإشارة إليها.
من تلك الملاحظات التفريق بين مدة إرجاع المنتج لفسخ العقد (العدول عن التعاقد) بدون سبب، والإرجاع (فسخاً للعقد) بسبب، لتكون المدة في الحالة الأولى كما حدد النظام هي (7) أيام، و (30) يوما في الحالة الثانية. حيث، على سبيل المثال، بعض المنتجات لا تتضح عيوبها إلا بالاستخدام ولفترة من الزمن، فكان من الأنسب تحديد مدة أطول، وذلك لضمان حقوق المستهلك وموفر الخدمة على حد سواء.
كذلك وددت لو تمت الإشارة في النظام إلى التعويض وآليته، مبينا في ذلك متى يستحق المستهلك التعويض كاملاً أو جزء منه، ومفرقاً في ذلك أيضاً بين الخدمات والمنتجات، وما الذي يتم التعويض عنه من عدمه من أنواع المنتجات.
لعل كل هذه الملاحظات سيتم التعامل معها من خلال اللائحة، لكن كان من الأجدر الإشارة لها في النظام وترك التفصيل للائحة.
في نهاية الأمر ليس لي إلا الإشادة بالجهود المبذولة من القائمين على إعداد النظام الذي انتظرناه طويلاً، ويبقى يوم الموافقة على صدور هذا النظام يوم مهما في تاريخ التجارة الإلكترونية في مملكتنا الحبيبة، وهو دليل على اهتمام حكومتنا الرشيدة بهذا القطاع المهم، إيمانا منهم بالدور الجوهري الذي يلعبه في دعم الاقتصاد الوطني.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً