قراءة في لائحة المعلمين
د. عبدالرحمن الطريري
صدرت لائحة رواتب المعلمين الجديدة، وتفاوتت ردود الفعل على اللائحة، بين من يثني ويؤيد ويرى فيها إصلاحا للتعليم وحلا للمشكلات التي قد توجد عند بعض المعلمين، كقلة حيوية، أو ضعف معرفي، أو تسيب، أما الطرف الآخر فرافض لها، ويرى أنها مجحفة في حق المعلم الذي يعاني ما يعانيه لأداء الرسالة على أكمل وجه.
لعله من المناسب لمناقشة الموضوع، الانطلاق من مجموعة قواعد واعتبارات؛ حتى يكون الحكم على اللائحة بإيجابياتها وسلبياتها موضوعيا وعادلا. أول هذه القواعد، أن الخلل – أو التسيب – من الممكن أن يوجد في أي بيئة عمل، والمعالجة تكون بصورة فردية، حسب الحالة، ويوقع بصاحبه ما يقتضيه النظام. فالطبيب يخطئ، ويتأخر عن العمل، ويغيب، وكذلك المهندس، وقد يقع مبنى، ويتشقق طريق ويهبط، رغم أنه نفذ تحت إشراف مهندس، وتم تسلمه منه.
القاعدة الثانية، أن المعلم إنسان له احتياجاته، كغيره من الناس، ومن حقه العيش حياة كريمة تتناسب مع الظروف الاقتصادية، ومتطلبات الحياة المتجددة. أما القاعدة الثالثة، فهي أن العلاوة حق كفله النظام لموظفي الدولة كلهم ليتناسب الدخل مع التضخم، ومع مستجدات الحياة ومتطلباتها، ونمو العائلة. والمعلمون – كغيرهم من أبناء الوطن – لهم عائلات، يلزمهم شرعا الإنفاق عليها، واشتراط الحصول على رخصة العلاوة يتعارض مع هذا الواجب. أما القاعدة الرابعة، فهي أن التحفيز مهم في أي مجال من مجالات العمل، وهذا ما نجده في مهنة الطب، حيث البدلات التي تصرف لهم، وكذلك خارج الدوام، والانتدابات في الوظائف الإدارية، وهذا حق مشروع؛ طالما تطلب العمل ذلك، وهذه الميزات غير موجودة للمعلمين، عدا معلمي التربية الخاصة بحكم طبيعة الطلاب الذين يتعاملون معهم، علما بأن معلمي التربية الخاصة لا يشكلون أغلبية المعلمين.
بالرجوع إلى اللائحة، يتبين أنها تتضمن ستة مستويات، وفي كل مستوى ست درجات يتم الحصول عليها من خلال العلاوة السنوية، إلا أن هذا الحق اشترط الحصول على رخصة العلاوة، وتجديدها بعد كل فترة، لذا لن يكون هناك نمو في الراتب عند المعلم. العنصر الثاني الذي تضمنته اللائحة، هو رتب المعلمين، حيث يصنف المعلمون إلى أربع رتب، مساعد معلم/ معلم، ومعلم ممارس، ومعلم متقدم، ومعلم خبير، حيث يعين حامل دبلوم بعد الثانوي في فئة مساعد معلم/ معلم، وأرى أن تعيين هذه الفئة إضعاف للتعليم وإخلال بالجودة، لمحدودية المعرفة التخصصية، وقلة النضج النفسي. وقد ميزت اللائحة في الدرجة بين التربوي وغير التربوي في الرتب كلها، وهذا يحسب لها، مع أن الأصل؛ ولجودة التعليم لا يعين إلا التربوي في الرتب الأربع. واشترطت اللائحة اجتياز المعلم اختبار كفايات المعلمين للحصول على رخصة مزاولة مهنة التعليم.
جميع المعلمين المنتظمين في الوظيفة سيتم تسكينهم في الرتب الجديدة، حسب المستويات التي يشغلونها الآن، فمن هم في المستويات: الأول والثاني والثالث، يسكنون في رتبة مساعد معلم/ معلم، أما من هم في المستويات الرابع والخامس والسادس، فيسكنون في رتبة معلم ممارس عند تطبيق اللائحة. كما اشترطت اللائحة مددا زمنية للترقية من رتبة إلى أخرى؛ حسب المؤهل الذي يحمله المعلم “بكالوريوس، أو ماجستير، أو دكتوراه”، إضافة إلى الحصول على الحد الأدنى من نقاط التطوير المهني، والممارسة الإبداعية، وأثر التدريس في تعلم الطلاب، والحصول على الرخصة المهنية، وهذا محفز للمعلم ليطور نفسه.
يلاحظ على اللائحة أن المعلم الخبير تتوقف علاوته عند الدرجة السادسة من المستوى الثالث ليستمر في سلك التعليم عند راتب 23.170 ألف ريال ما بقي له من سنوات الخدمة. مثلا، لو عين معلم يبلغ من العمر 24 عاما، ويحمل درجة جامعية ستتوقف علاوته بعد 15 عاما، فيما لو ترقى إلى رتبة معلم خبير؛ ليقضي أعوام خدمته المتبقية، وهي 21 عاما دون علاوة، وهذا خلاف مبدأ التحفيز، كما أن المعلم المتقدم تتوقف ترقيته عند الدرجة الرابعة من المستوى الرابع، أما المعلم الممارس فتتوقف ترقيته عند الدرجة الثالثة من المستوى الخامس، لتتاح الفرصة لبلوغ المستوى السادس لمساعد المعلم، الذي يتوقف راتبه عند 17.400 ألف ريال.
من عناوين التصريحات والمقالات بشأن اللائحة “اللائحة تنصف المعلم، واللائحة تعالج هموم المعلم، واللائحة نقلة تاريخية مهمة”، وما من شك أن اللائحة تضمنت بعض الإيجابيات، لكن هناك بعض الأمور التي يمكن معالجتها، فالمهندس والطبيب والموظف الإداري يحصلون على علاواتهم السنوية دون شروط. لذا، مفهوم التحفيز يحتاج إلى مراجعة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً