الطريقة و الموضوعية في إصدار الأحكام القضائية
1- هاتان اللفظتان هما مصطلحان يتناولهما علما المنطق و الأصول الفقهية الشرعية و لا أدري إن كان الفقه القانوني قد تعرض لهما -و إن كان ذلك غير مستبعد و إن بلفظين آخرين و لكن بذات المضمون –
2- الطريقيية :هي أن التكليف مطلوب تنفيذه بغض النظر عن وسيلة التنفيذ فلو كُلفت بان تكون فوق سطح وزارة العدل فان حر في الوسيلة الموصلة إلى هناك فان شئت صعدت بالسلم و إن شئت صعدت (بالمصعد) و إن شئت -و كان هناك فرصة -للتسلق بالحبال أو بواسطة رافعة أو تهبط من مروحية فأنت حر ..فالمهم هو أن تكون فوق السطح المذكور .
3- الموضوعية :هي أن وسيلة التنفيذ أو كل جزء من مجمل العملية المطلوبة التحقق يجب الإتيان بها هي ذاتها و لا يجوز استبدالها بجزء آخر و إن كان أكثر وضوحاً أو أيسر تحصيلا أو أقوى إثباتا و مثال ذلك الطلاق لدى الإمامية فسماع شاهدين عادلين شرط مقوم لتحقق الطلاق و لا يغني عنهما إثبات الطلاق كتابة مع أن الكتابة أقوى إثباتا فهي تدوم إلى ما شاء الله بينما الشهود يعرض لهما العجز و الجنون و الموت
4- مثال آخر لمزيد الإيضاح :معرفة وقت الصلاة مطلوب على نحو الطريقيية فالمطلوب من المكلف أن يتحصل على العلم بحلول وقت الصلاة بأي وسيلة كانت سواء تحصل العلم بالوقت عن طريق التقويم أو بالشهود أو بالخبرة فلا تهم الوسيلة بل المهم هو النتيجة و هي معرفة الوقت , بينما ولوج شهر رمضان و خروجه مطلوب معرفته – طبقا للرأي الذي نعتنقه -على نحو الموضوعية فلا بد من الرؤية لإثبات دخول الشهر و خروجه على تفاصيل ليس هنا محل سردها و مناقشتها .
5- الوسيلة المشروعة : مع انه لا بد أن يكون وسيلة التنفيذ أيا كان صنفها طريقيية او موضوعية مشروعة لكن مع ذلك فهناك فرق في النتيجة فان كانت على نحو الطريقيية فهي ليست جزء من الفعل المطلوب تحققه و بالتالي فلو كانت غير مشروعه فهي و إن كانت محل محاسبة و تجريم لكنها لا تؤثر على صحة الفعل المطلوب متى تم تنفيذه( بما هو هو )بصورة سليمة خالية من العيوب و الإشكالات , لكنها –أي الوسيلة غير المشروعة- تؤثر على سلامة العمل المطلوب متى كانت مطلوبة على نحو الموضوعية
6- مما تقدم نفهم أن القانون اخذ بمضمون هاتين الفكرتين و لكن لم يوحد لهما اسما و نضرب لذلك مثالا التفتيش الذاتي للأنثى المشبوهة مطلوب قانونا و لكن مطلوب أن تفتشها أنثى و يكون هذا على نحو الموضوعية فلو فتشها رجل لقضي ببطلان التفتيش قانونا و لم يتم ترتيب أي اثر قانوني عليه لو ُعثر بحوزتها على ممنوعات, و قس على ذلك لو تم تحصيل الاعترافات بواسطة التعذيب و هكذا دواليك .
7- و ختاما فبالنسبة للأحكام القضائية لابد أن تكون صحيحة من حيث النتيجة و لا بد أن تكون مبنية على الأسس و الحيثيات التي يتطلبها القانون و لإزالة الغموض عن هذه العبارة نذكر مثالا موضحا و هو (التطليق للضرر فلا بد من صدوره بناء على عناصر – يستنتج منها الفهم السليم- تحقق الضرر و ليس على عناصر أخرى حتى و إن استوجبت التفريق بوصفه نتيجة مشتركة جامعة لكل فصل بين الزوجين كما لو ثبت للمحكمة وجود أسباب للفسخ كالردة أو الجنون فهي أسباب للفسخ و ليس للتطليق و الدعوى مقامة للتطليق و ليس للفسخ و التطليق أثره مباشر غير رجعي بينما الفسخ يرتد أثره إلى وقت إبرام العقد.. بل نترقى فنقول أكثر من ذلك فلو أقيمت الدعوى للتطليق للضرر و تم تقديم أربعة عناصر للضرر ولكن لم تقتنع بها المحكمة فانه لا يحق لها التطليق لعناصر أخرى علمت بها و لكن لم تقدم إليها,
8- كما أن حكم القاضي بصحة الهبة أو البيع بناء على شهادة الشهود هو حكم باطل قانونا طالما تم توجيه اليمين الحاسمة للطرف المدعى عليه و حلف على الصحة فمع أن الحلف و الشهادات نتيجتهما واحد و هي إثبات البيع و الهبة و لكن طالما تم توجيه اليمين الحاسمة فهذا معناه أن المدعي قد تنازل عن كافة أدلته الأخرى مهما كانت قوتها و بالتالي فان المحكمة مقيدة و ملزمة باني تبني حكمها و تسببه على اليمين و ليس على الشهادات و بالتالي فليس هناك محل لمناقشة أقوال الشهود في حيثيات الحكم
9- و لقفل الموضوع نقول مسك الختام وهو انه بصورة عامة فان الأحكام المدنية تبنى على نحو الموضوعيية و الأحكام الجنائية تبنى على نحو الطريقية و ذلك ماعدا الحالات التي نص القانون على وجوب إتباع مسلك معين .. أما الأحكام التي يصدرها القضاء الشرعي فتتباين من موضوع لأخر و من حالة لأخرى. ..
الشيخ عبد الهادي خمدن
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً