حكم المحكمة الدستورية العليا في احالة ضباط الشرطة للاحتياط

دستورية إحالة ضباط الشرطة للاحتياط

الدعوى رقم 55 لسنة 36 ق “دستورية” جلسة 1 / 6 / 2019
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الأول من يونيه سنة 2019م، الموافق السابع والعشرين من رمضان سنة 1440 هـ.

برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمـد خيرى طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمى إسكندر ومحمود محمــد غنيم والدكتور محمد عماد النجار والدكتور طارق عبد الجواد شبل نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 55 لسنة 36 قضائية “دستورية”، بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصادر بجلسة 23/3/2014، ملف الطعن رقم 41410 لسنة 56 قضائية “عليا”.
المقام من
………
ضد
وزير الداخلية

الإجراءات

بتاريخ الثالث والعشرين من أبريل سنة 2014، ورد إلى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا ملف الطعــن رقم 41410 لسنة 56 قضائية “عليا”، بعــد أن قضت المحكمة الإدارية العليا بحكمها الصـادر بجلسة 23/3/2014، بوقف الفصل في موضوع الطعن وإحالته إلى هذه المحكمة؛ للفصل في دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (67) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضـر الجلسة، وقررت المحكمة بجلسة 4/5/2019، إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم، وصرحت بإيداع مذكرات في أسبوع، وفى الأجل المشار إليه أودع ….، مذكرة طلب فيها الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة (67) من قانون هيئة الشرطة المشار إليه.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائــع تتحصل – على ما يتبين من حكم الإحالة وســائر الأوراق – في أن محمد عبد الرحمن بكر، كان يعمل ضابطًا برتبة عقيد شرطة بالنيابة العسكرية بجنوب سيناء، نسب إليه ارتكاب أفعال شائنة مع بعض تابعيه، وبعض ممن تولى التحقيق معهم، وبتاريخ 7/2/2005، أصدر وزير الداخلية القرار رقم 55 لسنة 2005 بإحالته إلى المحاكمة التأديبية، وبجلسة 25/12/2005، قضى مجلس التأديب ببراءته مما نسب إليه، فطعن وزير الداخلية على هذا القرار أمام مجلس التأديب الاستئنافي، وبجلسة 14/11/2006، قضى بتأييد هذا القرار. وكان وزير الداخلية قد أصدر بتاريخ 14/2/2005، القرار رقم 167 لسنة 2005 بإحالته إلى الاحتياط ، فطعن عليه أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة بالطعن رقم 32586 لسنة 59 قضائية، طالبًا إلغاء هذا القرار، ودفع أمام تلك المحكمة بعدم دستورية نصوص المواد (67، 68 ، 69 ، 70) من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقرار بقانون رقم 109 لسنة 1971، وبجلسة 20/6/2010، قضت تلك المحكمة برفض الدعوى، ولم تجبه إلى التصريح بإقامــــة الدعوى الدستورية، فلم يرتض المحكوم ضده هذا القضاء، وطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 41410 لسنة 56 قضائية “عليا”، والتي قضت بجلسـة 23/3/2014، بوقف نظر الطعن وإحالة الأوراق إلى هذه المحكمة للفصل في دستوريـة نص الفقرة الثانية من المادة (67) من القانون المار ذكره. كما وتجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية أصدر قرارًا بإنهاء خدمة المدعى في الدعوى المحالة اعتبارًا من 1/8/2005، استنادًا إلى نص المادة (19، والبند 2 من المادة 71) من قانون هيئة الشرطة، لمضى سنتين من تاريخ الترقية إلى هذه الرتبة، وطعن على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإداري ومازال الطعن منظورًا أمامها.
وحيث إن المادة (67) من قانون هيئة الشرطة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 109 لسنة 1971 تنص على أنه:
” لوزير الداخلية بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة أن يحيل الضباط – عدا المعينين في وظائفهم بقرار من رئيس الجمهورية – إلى الاحتياط، وذلك:
(1) بناء على طلب الضابط أو الوزارة لأسباب صحية تقرها الهيئة الطبية المختصة.
(2) إذا ثبتت ضرورة ذلك لأسباب جدية تتعلق بالصالح العام، ولا يسرى ذلك على الضباط من رتبة لواء.
ولا يجوز أن تزيد مدة الاحتياط على سنتين ويعرض أمر الضابط قبل انتهاء المدة على المجلس الأعلى للشرطة ليقرر إحالته إلى المعاش أو إعادته إلى الخدمة العاملة، فإذا لم يتم العرض عاد الضابط إلى عمله ما لم تكن مدة خدمته انتهت لسبب آخر طبقا للقانون.
وتعتبر الرتبة التي كان الضابط يشغلها شاغرة بمجرد إحالته إلى الاحتياط”.
وحيث إن المصلحة في الدعوى الدستورية، وهى شرط لقبولها، مناطها – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطـة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويستوى في شأن توافــر المصلحة أن تكون الدعوى قد اتصلت بالمحكمة عن طريق الدفع أو عن طريق الإحالة، والمحكمة الدستورية العليا هي وحدها التي تتحرى توافر شرط المصلحة في الدعوى الدستورية للتثبت من شروط قبولها، ومؤدى ذلك أن الإحالة من محكمة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا لا تفيد بذاتها توافر المصلحة، بل لازمه أن هذه الدعوى لا تكون مقبولة إلا بقدر انعكاس النص التشريعي المحال على النزاع الموضوعي، فيكون الحكم في المطاعن الدستورية لازمًا للفصل في ذلك النزاع، وأنه لا تلازم بين الإحالة من محكمة الموضوع وتوافر هذه المصلحة، فإذا لم يكن للفصل في دستورية النص الذى ثارت بشأنه شبهة عدم الدستورية لدى محكمة الموضوع انعكاس على النزاع الموضوعي، فإن الدعوى الدستورية تكون غير مقبولة. كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن المصلحة في الدعوى الدستورية قوامها أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية.
متى كان ذلك، وكانت الطلبات المطروحة على محكمة الموضوع قد تحددت في طلب المدعى في الدعوى الموضوعية إلغاء قرار وزير الداخلية بإحالته إلى الاحتياط، وكانت الإحالة الواردة من محكمة الموضوع قد انصبت في حقيقتها على البند رقم (2) من الفقرة الأولى من المادة (67) من قانون هيئة الشرطة المار ذكره، وهو النص الحاكم لهذه المسألة، ومن ثم فإن الفصل في دستوريته سيكون له أثره وانعكاسه على الطلبات المطروحة في الدعوى الموضوعية وقضاء محكمة الموضوع فيها، لتتوافر بذلك المصلحة بالنسبة لهذا النص.
وحيث إن حكم الإحالة ينعى على النص المحال مخالفة نصوص المواد (12، 14، 53، 92) من الدستور القائم، لابتناء سلطة الإحالة إلى الاحتياط على عبارة مبهمة هي (أسباب جدية تتعلق بالصالح العام)، وإهدار مبدأ خضوع الدولة للقانون، لعدم تطلب التحقيق وتمكين الضابط المحال للاحتياط من الدفاع عن نفسه قبل إيقاع هذا الجزاء، وهو ما يعد مساسا بحقه في العمل، وإخلالاً بمبدأ المساواة لقصره ممارسة تلك السلطة على الضباط ممن يشغلون رتبة تقل عن رتبة اللواء.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال من إهدار لمبدأ خضوع الدولة للقانون، فضلاً عن غموض مبررات تطبيقه، وانبهامها بما يُجهِل بدلالتها على المخاطبين بأحكامها، بجعل مناط تطبيق هذا الحكم تحقق أسباب جدية تتعلق بالصالح العام، وهى عبارة عامة فضفاضة، تنفلت من كل قيد موضوعي قابل للضبط، بما يفتح الأبواب أمام اجتهادات القائمين على تطبيق هذا الجزاء توسعة وتضييقًا، وكذلك إهداره لمبـدأ خضوع الدولة للقانون، إذ يُعد إجراء الإحالة إلى الاحتياط بمثابة جزاء يوقع على الضابط دون تمكينه من الدفاع عـــن نفسه، لعدم إيجاب النص المحال مثول الضابط للتحقيق، ولا تمكينه من تفنيد الشبهات والأدلة التي قامت ضده، الأمر الذى يُعد فصلاً بغير الطريـق التأديبي، فإنه مردود أولا: بأن القرار الصادر بالإحالة إلى الاحتياط هو قرار إداري يصدره وزير الداخلية لأسباب جدية يقدرها، بهدف تحقيق أغراض مشروعة تتعلق بالصالح العام، وهو – بحسب الأصل- إجراء وقائي القصد منه مواجهة حالة عدم قدرة ضابط الشرطة على أداء مهامه الوظيفية، بقصد تمكين هيئة الشرطة من القيام على واجباتها التي أوكلها لها الدستور بمقتضى نص المادة (206) منه، في كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين، والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة، واحترام حقوق الإنسان، فضلاً عما يقتضيه تنظيم الهيكل الوظيفي لهيئة الشرطة وإسناد المهام المتصلة به إلى الضباط، وفقًا لتدرج هرمى يتفق مع تطـور الظروف الأمنية واختلافها مـن وقت لآخر، بما يتعين معه تمكين هيئة الشرطة من تحقيق متطلبات هذا التنظيم، بإحالة بعض الضباط إلى الاحتياط بصفة وقتية لحين تغير تلك الظروف. لما كان ذلك، وكان رائد المشرع في سن المكنة المشار إليها، ما راعاه من خطورة الدور الذي تقوم به هيئة الشرطة، والذي يرتبط باستقرار المجتمع وازدهاره، ومن ثم فهو يقوم على دوام تلك الهيئة على السهر عليه واضطراد أدائها بغير تراخ أو انقطاع، ومن ثم كان مسوغ المشرع في تمكين وزير الداخلية من اتخاذ هذا الإجراء إفساح السبيل أمامه لاستبعاد العناصر التي يعتل أداؤها عن القيام بهذا الواجب، وتمكينه من تحقيق متطلبات التنظيم الإداري لهيئة الشرطة. ومردود ثانيًا: بأن المشرع لم يترك سلطة وزير الداخلية في إصدار القرار بالإحالة إلى الاحتياط مطلقة من كل قيد، فاستلزم لذلك قيام ضرورة تبرر اتخاذ هذا الإجراء، وأن تقوم هذه الضرورة على أسباب جدية تحملها، وهو قيد موضوعي يستوجب تحقق عناصر حالة الضرورة. لما كان ذلك، وكانت نظرية الضرورة، وهى إحدى النظريات العامة في القانون بفروعه كافةً، لها من العناصر المميزة التي تستوجب أن تكون الأسباب التي ركنت إليها جهة الإدارة عند اتخاذها هذا القرار تقوم على عناصر جوهرية تساندها الأدلة المستمدة من الأوراق، والتي تحول دون أداء الضابط المحال إلى الاحتياط لواجباته الوظيفية، وأن ينعكس ذلك على أداء هذا الجهاز للمهام الموكولة إليه، بما يحول دون تمكين هذا الجهاز من أداء واجباته على النحو المراد منه، وهو ما يظهر جليًّا فيما اشترطه النص المحال من أن تتساند هذه الضرورة في أسبابها إلى موجبات الصالح العام، الذى جعل المشرع تحقيقه غاية هذا الإجراء، وشرطًا لمشروعيته. ومردود ثالثًا: بأنه ولئن كانت المادة (14) من الدستور قد أجازت الفصـل بغير الطريق التأديبي في الأحوال التي يحددهـا القانون، فإن المشرع قد كشف جليًا عن اختلاف القرار الصادر بالفصـل بغير الطريق التأديبي، أو العزل من الوظيفة كجزاء تأديبي يوقع على الضابط، عن القرار بالإحالة إلى الاحتياط، ذلك أن التنظيم الذى أورده المشرع لحالة الضابط المحال للاحتياط يكشف عن أن هذا الإجراء مؤقت بطبيعته، حُدد له حد أقصى لا يزيد على سنتين، تستمر خلالهما الرابطة الوظيفية لحين انتهاء مدة الإحالة للاحتياط، بدلالة استمرار صرف الراتب، واحتساب هذه المدة في الخدمة وفى المعاش، وإلزامه بعدم مباشرة أى عمل آخر خلال مدة الاحتياط (المادة 68) من القانون ذاته، وأن إنهاء الرابطة الوظيفية لا يكون إلا احتمالاً لا يتم بحثه إلا عند نهاية مدة الإحالة إلى الاحتياط، إما بالإعادة إلى الخدمة، أو بالإحالة إلى المعاش. ومردود رابعًا: بأن مباشرة وزير الداخلية لهذه المكنة، وتقدير توافر حالة الضرورة، والأسباب الجدية المبررة له، وغايتها تحقيق الصالح العام، إنما يخضع لرقابة القضاء تحريًّا لمشروعية القرار، والذى يعد اللجوء إليه أحد الضمانات التي كفلها الدستور بمقتضى نصى المادتين (94، 97)، لحماية الحقوق والحريات، الأمر الذى يسلم معه النص المحال من قالة الإبهام وعدم التحديد، أو مصادمته لمبدأ خضوع الدولة للقانون.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال في حدود نطاقه المتقدم، الإخلال بالحق في العمل، فإن المقرر أن الحق في العمل لا يمتنع على التنظيم التشريعي الذى يقتضيه الصالح العام، بتحديد الشروط اللازمة لممارسة كل عمل حسب طبيعته، بما يكفل تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والغايات التي رصدها الدستور، واعتبر كفالة تحقيقها التزامًا دستوريًّا على عاتق الدولة لا تستطيع منه فكاكًا، وعلى ذلك فلا تناقض بين كفالة حق العمل الذى نصت عليه المواد (12، 13، 14) من الدستور، وبين تنظيمه تشريعيًّا، على نحو يكفل تحقيق التوازن بين تمكين الدولة والأجهزة والهيئات التابعة لها من القيام بمهامها التي أوكلها لها القانون والدستور، وضمان حقوق العاملين بها.
كما جرى قضاء هذه المحكمة على أن الشروط التي يتطلبها المشرع لمزاولة حرفة أو مهنة بذاتها، لا يجوز تقريرها بعيدًا عن متطلبات ممارستها، بل يتعين أن ترتبط عقلاً بها، وأن يكون فرضها لازمًا لأداء المهام التي تقوم عليها، كامنًا فيها، ملتئمًا مع طبيعتها منبئًا عن صدق اتصالها بـأوضاعها، وإلا كان تقرير هذه الشروط انحرافًا عن مضمون الحق، والتواء بمقاصدها، وإرهاقًا لبيئة العمل ذاتها، وما ينبغي أن يهيمن عليها من القيم التي تعلو بقدر العمل، ولا تخل بطبيعة الشروط التي تقتضيها. لما كان ذلك، وكانت هيئة الشرطة كما عرفتها المادة (206) من الدستور هي هيئة مدنية نظامية، يسود تكوينها علاقات مختلفة عن العلاقات المدنية البحتة، تفرضها طبيعة تلك الهيئة والمهام التي أوكلها لها الدستور – على النحو السالف بيانه – في خدمة الشعب، وأن يكون ولاؤها له، وكانت الغاية من تطبيق إجراء الإحالة إلى الاحتياط المنصوص عليه في النص المحال – في النطاق المحدد سلفًا – هو تحقق ضرورة تتعلق بالصالح العام تستوجب تنحية الضابط الذى يتعرض لهذا الإجراء عن العمل في هيئة الشرطة، تغليبًا لمصلحة أداء هذا المرفق الحيوي لواجباته، واستدامة قيامه بمهامه على النحو الذي تتحقق به الغاية منه، ومن ثم فإن إحالة الضابط إلى الاحتياط، للفترة التي حددها القانون، وقرار الإحالة إلى الاحتياط، بغية تحقيق الصالح العام، وتمكين هيئة الشرطة من الاضطلاع بمهامها الدستورية، لا يتصادم مع الحق في العمل، طالما تخلف في شأن الضابط الكفاية والقدرة على استمرار أداء واجبات وظيفته التي تستوجبها طبيعة هذا العمل، أو تحقيق متطلبات تنظيم هيئة الشرطة، بما يكفل تحقيق التوازن بين مصلحة الضابط المحال إلى الاحتياط، ومصلحة تلك الهيئة، والمجتمع ككل، باعتبارها أحد أوجه المصلحة العامة، بما يضمن استمرار أداء هيئة الشرطة وأعضائها لواجباتهم الدستورية التي قررتها المادة (206) من الدستور، ومن ثم يكون التنظيم القانوني الذى تضمنه النص المحال داخلاً في إطار سلطة المشرع في مجال تنظيم حق العمل، دون مساس بأصله أو جوهره، وهو القيد العام الذى قرره الدستور بمقتضى نص المادة (92)، والحاكم لسلطة المشرع في مجال تنظيم ممارسة الحقوق والحريات، والذى وضع ضابطًا لمشروعيتها من الوجهة الدستورية، وهو ألا يتضمن ذلك تقييدًا للحق أو الحرية بما يمس أصلها أو جوهرها، وهو ما التزمه النص المحال على النحو المتقدم بيانه، بما لا مخالفة فيه لنصوص المواد (12، 13، 14) من الدستور.
وحيث إنه عما نعى به حكم الإحالة على النص المحال من مخالفته مبدأ المساواة؛ لقصره سلطة وزير الداخلية في إحالة سائر الضباط اعتبارًا من رتبة ملازم، وحتى رتبة العميد، إلى الاحتياط، واستثناء من يشغلون منهم رتبة اللواء من هذه المكنة رغم اتحاد العلة، إذ طالما قامت الأسباب التي عينها المشرع لتطبيق هذه الجزاء، وجب تطبيقه على سائر الضباط دون تمييز من كان في رتبة اللواء عمن يشغل رتبة أقل، فإنه مردود بأن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدستور قد اعتمد بمقتضى نصى المادتين (4، 53) منه مبدأ المساواة، إلى جانب مبدأي العدل وتكافؤ الفرص، أساسًا لبناء المجتمع وصونًا لوحدته الوطنية، وكفالة تحقيق المساواة لجميع المواطنين أمام القانون، وفى الحقوق والحريات والواجبات العامة، دون تمييز بينهـــم لأى سبب، إلا أن ذلك لا يعنى – وفقًا لما استقر عليه قضاء هذه المحكمة – أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كذلك لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي بالتالى على مخالفة لنصى المادتين (4، 53) المشار إليهما، بما مؤداه أن التمييز المنهى عنه بموجبهما هو ذلك الذى يكون تحكميًّا، وأساس ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودًا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها تعكس مشروعيتها إطارًا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع إلى تحقيقها من وراء هذا التنظيـم.

وحيث إن النص المحال بما قرره من تنظيم في شأن إحالة الضباط، عدا المعينين منهم بقرار من رئيس الجمهورية أو الشاغلين لرتبة اللواء، إلى الاحتياط، قد تضمن قاعدة عامة مجردة، لا تحوى تمييزًا من أي نوع بين المخاطبين بأحكامه من الشاغلين لرتب الضباط الأقل من رتبة اللواء، فوق كونه باعتباره الوسيلة التي قررها المشرع لتحقيق الغايات السالف بيانها، يتناسب مع تلك الأهداف، ويعد المدخل المنطقي لها، والذى يكفل تحقيقها، ويرتبط بها ارتباطًا منطقيًّا، ولا ينال منه استثناء من هم في رتبة اللواء من هذا الإجراء، لما لشاغلي تلك الرتبة من مكانة في البناء التنظيمي لكادر الشرطة، كونها تقع في أعلى مدارج هذا التنظيم، ولا يُعين فيها إلا من بلغ عطاؤه الوظيفي مدة طويلة تتاح خلالها سبر أغوار شخصيته، وحسن تقديره للأمور، واستقرار طبائعه وتوافقها مع المهام الموكولة إليه على نحو يكشف عن عدم توقع الاحتياج إلى تطبيق هذا الإجراء عليه، فضلاً عن قِصْر مدة شغل هذه الوظيفة، إذ جعل المشرع شغل هذه الرتبة لمدة سنة واحدة، ولا تتجدد إلا بقرار جديد بالتعيين فيها مدة سنة أخرى، وعلى ذلك فإن اختيار المشرع استثناء من كان في رتبة اللواء من تطبيق جزاء الإحالة إلى الاحتياط محمولاً على تباين المراكز القانونية بين من هم في هذه الرتبة عمن هم دون ذلك، يكون مستندًا إلى أسس موضوعية تبرره، ولا يتضمن تمييزًا تحكميًّا، بما لا مصادمة فيه لمبدأ المساواة الذى كفله الدستور في المادتين (4، 53).
لما كان ذلك جميعه، وكان النص المحال لا يخالف أي حكم آخر من أحكام الدستور، ومن ثم يتعين القضاء برفض الدعوى.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة برفض الدعوى .

اعادة نشر بواسطة محاماة نت .

شارك المقالة

1 تعليق

  1. انتفاء وجودمصلحة للمدعى يمنع محكمة الموضوع من احالة المادة للمحكمة الدستوريه ولكن ماذا عن باقى المدعين الذين يعانون من عدم دستورية المادة وينجحون فى الحصول على احكام ببطلان القرار الادارى القائم على هذه المادة التى شغلت القضاء الادارى والادارية العليا بسبب فقرة فضفاضة وهى (لاسباب جدية) مع العلم ان الجهه الادارية عندها اجراء آخر وهوالايقاف عن العمل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.