الموقف الاردني من تطبيق القانون الأجنبي
تطبيق القانون الأجنبي مسألة واقع أم مسألة قانون / أ. بان الحجاج
مقـدّمـة :
بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ قواعد القانون الدولي الخاص بحقّ هي من أدق فروع القانون إنْ لم تكن أدقّها على الإطلاق كونها تنظّم العلاقات الخاصة بالأفراد في المجال الدّولي، وحيث إنّ لكُلّ دولة منظومة قانونية تنظّم العلاقات فيها وأن تدخل أي منظومة قانونية أخرى بمعنى القانون الأجنبي، حيث يعتبر هذا الموضوع من الناحية التطبيقيةّ هو تدخل في سـيادة الدولة إّلا أنّ المُشرّع الأردني قد اسـتعان بقواعد الإسناد الواردة في المواد من (11- 29) من القانون المدني الأردني لتطبيقها على بعض المسائل شريطة أن لا تمسّ النظام العام والآداب العامة، وأن يكون مُتّفقاً مع ما هو معروض من هذه المسألة كون أن قواعد الإسناد هذه قد أعطت للقضاء الوطني صلاحية في حلّ النزاع بتطبيق القانون الأجنبي الذي يعتبر أحد ضوابط الإسناد التي سمح بها المُشرّع بشرط بما هو مذكور أعلاه.
وبالتالي، الأمر الذي يدعونا لبيان المقصود بقاعدة الإسناد الذي سمح به قواعد القانون الدولي الخاص،
قاعدة الإسناد : هي الآلية التي بها ومن خلالها يستطيع القاضي الوطني تحديد القانون الواجب التطبيق.
القانون الأجنبي : هو مجموعة القواعد القانونية التي تصدر عن سلطة التشريع في بلد أجنبي وتتّصف بالإلزام، سواء كانت مدونة كالقوانين والمراسيم أو غير مدونة مصدرها العرف أو الفقه أو الاجتهاد القضائي.
وتبرز أهمية هذا الموضوع في خطورة تطبيق القضاء الوطني للقانون الأجنبي في بعض الأحيان.
ومن هنا نستطيع البحث في مدى إمكانية تطبيق القضاء الوطني للقانون الأجنبي باعتباره مسألة واقع أم مسألة قانون ؟؟؟؟؟
وبناءً على ما تقدّم نقسم هذه الورقة إلى أربع نقاط تتمحور في ما يلي :-
أولاً : موقف الفقه الأردني من هذه المسألة؟
ثانياً : موقف المُشّرع الأردني من هذه المسألة؟
ثالثاً : موقف القضاء الأردني من هذه المسألة؟
رابعاً : الرأي الشخصي فيما تمحورت حولها المسألة؟
أولاً : موقف الفقه الأردني من مسألة تطبيق القانون الأجنبي من هذه المسألة :
لم يتطرق الفقه الأردني لهذه المسألة بشكل دقيق بل اكتفى بما أخذ به الفقه بصورة عامة والمتمثل بالاتجاهات (المدارس) التالية :
الاتجاه الأول : القانون الأجنبي عنصر من عناصر الواقع (الفقه التقليدي) (الاتجاه الفرنسي أو المدرسة الفرنسية):
ينادي هذا الاتجاه بأن القانون الأجنبي عنصر من عناصر الواقع ويتزعم هذا الاتجاه الأستاذ Batiffol حيث يذكر أنّ لكُلّ قاعدة قانونية عنصرين : هما العنصر العقلي أو مضمون القاعدة وكونها عامة ومجردة، وعنصر الأمر والإلزام الذي تستمد منه القاعدة القانونية قوتها الملزمة.
التبرير : عنصر الأمر في القاعدة القانونية يتحّدد بداهة بالإقليم الذي يزاول فيه مشرّع القاعدة سيادته، أمّا في خارج هذا الإقليم فإنّه لا يتبقّى للقاعدة سوى مضمونها وعنصرها العقلي، ومن ثم تفقد صفتها كقاعدة قانونية.
الانتقاد الموجه لهذا الاتجاه : عدم الصحة والاستناد إلى الخيال والمجاز.
الاتجاه الثاني : تأكيد الطبيعة القانونية للقانون الأجنبي : يتمثل بالتالي :
1- اتجاه الفقه الإيطالي : يذهب الفقه الإيطالي بصفة خاصة إلى القول بإنّ القانون الأجنبي يندمج في القانون الوطني ويصبح جزءاً منه.
الانتقاد الموجّه لهذا الاتجاه : إذ من غير المتصوّر والمعقول القول بإمكان احتواء قانون القاضي لقوانين كافة دول العالم.
2- اتجاه الفقه الحديث : احتفاظ القانون الأجنبي بصفته القانونية : يؤكّد هذا الفقه على الطبيعة القانونية للقانون الأجنبي، مع الاعتراف بصفته الأجنبية في نفس الوقت، فإذا كان انتقال القاعدة الأجنبية عبر الحدود يجردها من عنصر الأمر، فقد رأينا أن دور قاعدة الإسناد الوطنية هو أن ترد لها هذا العنصر الذي فقدته، فيبقى القانون الأجنبي بذلك محتفظاً بكيانه القانوني، دون أن يفقد صفته الأجنبية، لكون مضمونه قد تشكل بعيداً عن التنظيم الخاص بدولة القاضي.
3- الاتجاه الانجلواميركي : فكرة احترام الحقوق المكتسبة : مفاد هذا الاتجاه عدم السماح بالتعرض من جديد لنزاع مُتعلِّق بحقوق اكتسبت في الخارج تضطره بأن يعود إلى القوانين الأجنبية التي نشأت هذه الحقوق في ظلّها، وعلى الخصم الذي يدعي بحق مكتسب بموجب قانون أجنبي ما أن يثبت وجود هذا الحق بإثباته للقانون الأجنبي الذي قرره.
الانتقاد الموجّه لهذا الاتجاه : لم تقدّم هذه النظرية أساساً كافياً لتطبيق القانون الأجنبي فهي تقتصر على تبرير أخذ القانون الأجنبي بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمر بحق مكتسب في الخارج.
وبالتناوب، فإن موقف الفقه الأردني هو أن القانون الأجنبي يحتفظ أمام القضاء الوطني بطبيعته القانونية وصفته الأجنبية في الوقت نفسه (مستنداً بذلك على اتجاه الفقه الحديث الذي ينادي باحتفاظ القانون الأجنبي بصفته القانونية).
ثانياً : موقف المُشرِّع الأردني من هذه المسألة :
لم يكن موقف المشرع الأردني واضحاً وصريحاً في الموضوع محل البحث، الأمر الذي يترتّب على القاضي الوطنيّ تطبيق القانون الأجنبي من خلال القانون الوطني الذي يضبط هذه المسألة ومن تلقاء نفسه، بمعنى أن القانون الأجنبي إذ يطبق على النزاع المطروح أمام القاضي الأردنيّ، فذلك بناءً على أمر من قاعدة التنازع الأردنية نفسها، فلو نظرنا إلى قواعد الإسناد الأردنية لوجدناها متضمِّنة لعبارات تحمل بذاتها معنى الإلزام بتطبيق القانون الأجنبي الذي تشير إليه دون أن تعلق ذلك على طلب الخصوم، فقد استعملت هذه القواعد العبارات التالية: يسري، يرجع، تطبق، تخضع، …الخ.
ومن خلال الرجوع إلى نصوص قواعد الإسناد نستطيع أن نورد التالي :
المادة (20) من القانون المدني الأردني والتي تتعلق بالالتزامات التعاقدية (بالنسبة لموضوع العقد) والقانون الذي يطبق في حال نشأ نزاع فيها والذي من خلالها تدرجت ضوابط الإسناد فيها.
المادة (27) من ذات القانون والتي تتعلق بإلزام القاضي الوطني بتطبيق القانون الداخلي للدولة الأجنبية في حال تعددت فيها الشرائع.
المادة (28) والتي تتعلق بموضوع الإحالة.
المادة (29) والتي تتعلق بمواضيع تطبيق القانون الأجنبي.
مما يدعم ذلك نصّ المادة (103) من الدستور الأردني والتي تنص (( 1- ….. أو في الأمور الحقوقية والتجارية التي قضت العادة في العرف الدولي بتطبيق قانون بلاد أخرى بشأنها ينفذ ذلك القانون ….. الخ)).
ثالثاً : موقف القضاء الأردني من هذه المسألة :
بالاستناد لقرار محكمة التمييز الموقّرة رقم (70) (هيئة خماسية) تاريخ 21/7/1980 والمنشور على الصفحة 1395 من عدد مجلة نقابة المحامين بتاريخ 1/1/1980 والذي جاء فيه ((إن المادة 103 من دستور المملكة الأردنية الهاشمّية قد أجازت للمحكمة تطبيق القانون الأجنبي في الأمور الحقوقيّة والتجاريّة للأجانب ويكون الاطلاع على القانون الأجنبي لتطبيق أحكامه من واجبات المحكمة وليس من قبيل البّينات الإضافيّة)).
وقرار رقم (539) (هيئة خماسية) تاريخ 15/11/1983 والمنشور على الصفحة 1505 من عدد مجلة نقابة المحامين بتاريخ 1/1/1983 والذي جاء فيه ((….. 3- إن الرأي الراجح الذي انعقد عليه الفقه والقضاء يقضي بأن القانون الواجب التطبيق أمام القضاء الوطني يحتفظ أمام القضاء الوطني بصفته القانونية ولا يعتبر من الوقائع التي يتوجب على الخصم تقديم الدليل على وجوده وأن المحكمة الوطنية التي تنظر في الدعوى هي المُكلّفة بالبحث عن القانون الأجنبي وتطبقه كما تطبق القانون المحلي)).
وقرار رقم (1137) (هيئة خماسية) تاريخ 26/7/1997 والمنشور على الصفحة 345 من عدد المجلة القضائية بتاريخ 1/1/1997والذي جاء فيه ((* إن من واجبات المحكمة تطبيق أحكام أي قانون أردني أو أجنبي ترى وجوب تطبيقه على وقائع الدعوى التي وقعت في ظل أحكامه.
* إذا كان القانون الأجنبي الواجب التطبيق على موضوع الدعوى يقرر إعفاء الدعاوى المقامة للمطالبة بحقوق عمالية فإن ذلك يسري على الدعاوى المقامة أمام المحاكم الأردنية)).
((لطفاً للاستزادة أنظر المُحلق رقم واحد الحاوي على القرارين الأول والثاني كاملين -المبدأ + القضية كاملة-)).
وعليه أقر القضاء على أن تطبيق القانون الأجنبي هو مسألة قانون وليست مسألة واقع.
رابعاً : الرأي الشخصي :
1- بناءً على ما ذكر سابقاً، فنحن نرى – والمتمثل برأينا البسيط – أن مسألة تطبيق القانون الأجنبي هي مسألة قانون وليست مسألة واقع، لأنّ القاضي أوسع من غيره بمعرفة القانون خاصّة بعد التطوّر الهائل في القضاء بشكل عام والقضاء الأردني بشكل خاص، هذا من جانب ومن جانب آخر استخدام الحاسوب والإنترنت إذ بكلّ سهولة يستطيع القاضي معرفة القوانين الأجنبية ومدى تطبيقها وملائمتها للقانون الأردني من حيث عدم مخالفتها للنظام العام والآداب العامة.
2- عملية إثبات العلم بالقانون الأجنبي حيث يصعب إثبات علم الخصوم به كونهم غير مطلعين على النصوص القانونية الأجنبية أو اطلاعهم ضعيف نوعاً ما وهذا لا يتعارض مع نص المادة (79/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني ((في أحوال تطبيق قانون أجنبي يجوز للمحكمة أن تكلّف الخصوم بتقديم النصوص التي يستندون إليها مشفوعة بترجمة رسمية، …..)).
– الخـاتمـة :
في النهاية لا نريد أن نجعل خاتمة هذه الورقة (ورقة العمل) مجرد ترديد لما أوردناه في مواضيع الورقة، ولكن تحليلاً وتأصلاً لما عبّرنا عنه، وسوف نستعرض ما نراه من آراء وتوصيات ونتائج، على النحو التالي:
1. من أهم النتائج التي تم التوصل إليها أن تطبيق القانون الأجنبي هو مسألة قانون وليس مسألة واقع.
2. كان موقف القضاء الأردني صريحاً وواضحاً وغير مُتناقض، ونتمنى أن يبقى على موقفه إّلا إذا استجد أمر يخدم المصلحة العامة.
3. كان الأولى والأجدر بالمُشرّع بيان موقفه بصراحة ووضوح أعمق وأكثر حول موضع ورقة العمل حتى يقطع أيّ رأي من شأنه التقليل من خطورة هذا الموضوع.
– المـراجـع :
1. الدستور الأردني لسنة 1952.
2. القانون المدني الأردني رقم 43 لسنة 1976.
3. د. هشام علي صادق : تنازع القوانين، دار المعارف – الإسكندرية، سنة 1997م، القاهرة.
4. د. محمد وليد المصري : الوجيز في شرح القانون الدولي الخاص، ط1، دار ومكتبة الحامد للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، سنة 2002م.
اترك تعليقاً