الشركات الأجنبية خطوات إلى التصحيح
يزيد بن حسام الهياف
إن التنوع الثقافي والاقتصادي سيكون أبرز منفعة ستحصلها المملكة العربية السعودية على المدى الطويل بسبب تغيير المدخلات الفكرية والمالية. وبقدر التنوع المتاح فإن الإنتاجية والكفاءة ستظهر تنوعا وتمييزاً بين الكفاءات المحلية. مجموع الاستثمارات الأجنبية في السعودية تزيد على 238 مليار دولار وهذا ما يعادل 32% من إجمالي الناتج المحلي. المملكة العربية السعودية لا تزال ولله الحمد مليئة بالفرص الاستثمارية في أغلب النواحي والمجالات.
ومع رؤية 2030 فإن المتوقع والمرسوم له أن يدخل المستثمر الأجنبي في السوق السعودي رافعاً بذلك مستوى التحدي والمنافسة، ولا شك أن المستثمرين الجدد سيسلتهموا أفكارهم ممن سبقهم في هذا البلد سواء كانت إيجابية أو سلبية، وهذا يدعونا للتصحيح عاجلاً لكيلا تستنسخ الأخطاء الحالية.
الشركات الأجنبية بشكل عام تقدم إضافة للبلد اقتصادياً ومعرفياً، ومزاياها كثيرة من ناحية المهنية ووضوح الإجراءات والأنظمة مما يقلّل من العشوائية والشخصنة. إنها تجلب تنوعاً عرقياً وثقافياً للموظف وللبلد مما يوسّع مدارك الموظف للتحديات المعاصرة المحلية والدولية بحكم الاتصال المباشر والدائم مع أطراف ذات علاقة أو و موردين خارجيين. ومع كل هذه الإضاءات الجميلة إلا وأن هناك فرص تحسينية.
إن بعض القطاعات يُلزمها النظام بوجود شريك سعودي, وهذه الشراكة أحياناً تأخذ صيغ فاعلة وأخرى خاملة Silent Partner وهذا الشريك حرفياً غائب عن الواقع (خاصة إذا كانت نسبة التملك الأكبر مع الشريك الأجنبي) فهو في حقيقة الأمر لا ناقة له ولا جمل، دوره إقرار الميزانية في أول العام والاطلاع على القوائم المراجعة في نهايته. من المهم أن يشعر الشريك المحلي بمسؤوليته تجاه هذه التحديات ويبذل جهده لتحقيق المنفعة العامة والخاصة. وبحكم أن هذه الشركات لها أذرع كثيرة وموزعة في كل أنحاء العالم فتجد التحويلات المالية وتحميل التكاليف سواءً الإدراية أوالإشرافية على مختلف الدول على حسب المنافع والمزايا الضريبية المتوقعة. طبعاً في ظل توقيع السعودية وإقرارها لنظام تسعير المعاملات Transfer Pricing بعض من هذه الإجراءات/العمليات سيتعدل لا محالة. في هذا المقال والمقالات القادمة بإذن الله سأتحدث عن أبرزالنقاط التي قد تُضفي تصحيحاً في واقع الشركات الأجنبية.
النقد -الكاش- يبقى هو الجوهر والدم الذي يحرك كل أعضاء الشركة، ويبدو أن بعض الشركات الأجنبية تستغل هذه الفرصة الثمينة بحكم الوفرة والسيولة المالية في غالب الشركات داخل السعودية فتستجلب النقد من هذا البلد إلى أنحاء العالم. هذه التحويلات غالباً ما تتم بصيغة قانونية صحيحة لكن الضرر الاقتصادي حاصل فبدلاً من إعادة ضخ المال في السوق السعودي والبحث عن فرص استثمارية فإنه يتسلل للخارج لتلبية رغبات واحتياجات الإدارة العليا. في غالب هذه الشركات الأخطبوطية تستحوذ على مكاتب في كل أنحاء العالم فيبقى الهدف الرئيسي لها هو رغبتها في الاتزان حيث المكتب الرئيسي مُسجّل. بل إن بعض الشركات تجدها تلتزم مع بنوك محلية بقروض وتسهيلات على رغم تحويلها للنقد خارج المملكة! مما أرهق الشركة المحلية بتكاليف إضافية مرتبطة بالفوائد والرسوم النبكية ليست في حقيقة الأمر بحاجة لها.
فمن المقترح أن يتم النظر لها من قبل مؤسسة النقد ووزارة التجارة وهيئة الاستثمار الأجنبي للتوصل إلى طريقة لتقليل هذا التدفق المتواصل من النقد، وفتح قنوات تشجيعية لإعادة الاستثمار في النقد حيث نشأ. سيل من الشركات الأجنبية قادم فنحتاج نوعاً من التنقيح والفلترة حتى يستفيد البلد والمستثمر في نفس الوقت.
على سبيل المثال لأحد القضايا التي تقف عند القضاء، قيام شركة أجنبية بافتتاح فرع لها في السعودية وبدء النقد يتدفق لها من هذا الفرع المحلي. بعد زمن تكاثرت الالتزامات المالية على الفرع، ومازالت الشركة الأم الأجنبية تستجلب المال من السعودية. وصل الأمر إلى نقطة الصفر، أعلن الفرع الإفلاس وذهبت الشركة الأم بهذه الملايين. لماذا ننتظر هذه اللحظات الحرجة في حال وجود خطوات استباقية علاجية؟.
استكمالاً للمقال السابق في الخطوات التصحيحية للشركات الأجنبية في المملكة العربية السعودية وبعدما تم استعراض مسألة النقد والسيولة المالية للشركات، فإن الملحوظة الأخرى مرتبطة بالتدريب والتأهيل للسعوديين للوظائف القيادية. إعداد الصف الثاني وتأهيله ورسم الخطط للوصول إلى هذا المستوى الإداري يستلزم نوعاً من الجدية والوضوح والتخطيط الممنهج.
حتى تنتقل بشابٍ سعودي إلى الإدارة العليا للشركة يستلزم توافق بين احتياجات الإدارة وجاهزية “المدير المستقبلي” فمن الصعب أن تفكر في بناء موظف لمرحلة عليا وهو غير طموح أو لا يقبل التحدي. فلذلك لابد أن تكون التربة صالحة لنمو المهارات، فالشركات الناجحة تستثمر في بناء الموظف حتى يصل إلى المستوى المطلوب. الملاحظ أن كثير من الشركات الأجنبية لا تملك في أجندتها برنامج تأهيلي حقيقي للسعودي حتى يصل إلى مراحل متقدمة. سياسة التدوير بين المدراء -من موظفي الشركة عالمياً- والطمع في البقاء على نفس الكرسي مع الامتيازات والمنافع والاحترام المبالغ فيه من قبلنا -حتى وصل بعضهم إلى مرحلة العقدة النفسية- كلها عوامل تعوق من فتح الفرص لأبناء البلد في تولي هذه المسؤوليات العليا. أجريت ذات مرة حواراً مع أحدهم -بريطاني الجنسية- وقلت له أنا لا أعتقد أن الذي تحوزه الآن في السعودية تستطيع تحصيل 40% منه في بلدك فأقرّ قائلاً “نعم صحيح، علماً بأن كثيراً ممن يأتي هنا يُصنّف النسخة الثالثة من الجودة والكفاءة عندنا!”. كلما عاملناهم بطريقة استثنائية شعروا بفوقيتهم العلمية والعملية، وفي حقيقة الأمر أنهم مثل غيرهم.
أرامكو سعت بتجربة جميلة من خلال برنامج اكتفاء IKTVA والذي ركّز بشكل صريح على عوامل جوهرية لبناء ورفع مستوى السعوديين، حيث جعلت نقاط تقييم -لكل منشأة تود العمل مع أرامكو-، منها على سبيل المثال: 1) التكاليف المتكبدة في تدريب السعوديين 2) نسبة رواتب السعوديين إلى رواتب الشركة ككل 3) نسبة المشتريات من الموردين المحليين إلى نسبة الموردين ككل وغيرها من النقاط. برامج ومبادرات كهذه تعطي رسالة واضحة لكل مستثمر أننا لسنا سوقاً للرحالة، بل نسعى للفائدة لكل الأطراف المعنية كمستثمر ودولة وموظف.
قد يأت المستثمر الأجنبي ويحصل ما يريد وتذهب تجربته معه، ثم يضيفها في سيرته الذاتية أنه عمل وعمل في عدة دول منها السعودية أما الموظف السعودي “راحت عليه” لأن المعرفة الحقيقية والتجربة قد ولّت مع صاحبها مالم يكن الشاب فطيناً ويعمل بكل الحواس والعلاقات حتى يصل إلى جزء من المعلومة. أذكر أحدهم كان يحاول معرفة طريقة التسعير لمنتج خدمي Service Pricing من شخص محتكر هذه الصنعة لمدة تزيد على 10 سنوات، كل محاولات ذلك الشاب بائت بالفشل إلى أن وصل إلى المدير التنفيذي طالباً منه المساعدة.
على الشركات الأجنبية أن ترسم برنامج إحلال القيادات السعودية وتخطط لها بشكل صحيح ومدروس حتى تثمر الجهود. بعض الشركات بدأت فعلياً بما يسمى بـ Succession Plan وتكون من عوامل تقييم الأداء(KPI) للموظف المراد إبداله مع علمه بذلك. الإبدال وإحلال الطاقات بأهل البلد ليس عيباً ولا حصراً في السعودية، بل كثير من الدول شرقاً وغرباً لديها ما يسمى بالوطنية Nationalization فلذلك المطالبة به يجب أن تكون صريحة وفعالة.
توجهات قيادية حديثة تؤمن بأهمية وجود برنامج لبناء الصف الثاني حتى تضمن الشركة الاستقرار وانتقال الخبرات بين الأعضاء ففي حال استقالة أو حصول ظرف طارئ فإن البدائل متوفرة. استقرارية الشركة الأجنبية أرى أنه منوطاً بتوطينها وسعودة الإدارة العليا بسبب انتمائهم لهذا الوطن ورغبتهم الإيجابية في نمو البلد الغالي والنهوض به إلى أعلى المراتب.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً