عودة جرائم النشل إلى الواجهة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
المال السائب والباب المفتوح يغريان بالسرقة
تحقيق: رامي عايش، وعايدة عبدالحميد
السرقة جريمة لا يمكن وقوعها بذكاء مرتكبها فقط، بل تقع بإهمال الضحية، فالمال السائب كما يقول المثل الشعبي يعلم السرقة، والبيت المفتوح يغري بالاقتحام، والسيارة المتروكة في حال التشغيل سرقة تبحث عن سارق.
عندما تتعرض لسرقة فتش عن إهمالك أولاً ثم العن السارق بعد ذلك، إذ ربما تكون أنت جسراً لعبور السارق إلى حسابك المصرفي أو سيارتك أو بيتك. السرقة لا تتم من دون ضحية، فحاذر أن تكون هذه الضحية.
ارتفعت معدلات جرائم السرقة مؤخرا داخل الدولة خصوصاً السرقة من وسائل النقل والتي يقف خلفها أحداث وعاطلون ومخالفون لقانون الإقامة.
تؤكد الإحصاءات أن أكثر من 500 بلاغ وردت إلى مراكز الشرطة وغرفة العمليات المركزية في شرطة الشارقة منذ بداية العام 2008 وحتى الآن حول جرائم السرقة من السيارات التي تعرض فيها أصحاب هذه السيارات لفقدان ممتلكاتهم نتيجة قيام مجهولين بكسر زجاج السيارة أو الدخول إليها بعد أن تركت أبوابها مفتوحة أو تركت في حالة تشغيل من قبل السائق.
وبمراجعة تفاصيل وحيثيات هذه البلاغات تبين أن الممتلكات التي تعرضت للسرقة تراوحت حسب أهميتها من الهواتف المتحركة والبطاقات المصرفية ومحافظ الأموال الخاصة والأوراق الشخصية والساعات والمجوهرات إلى المبالغ المالية الضخمة من السيارات التي تركت أبوابها مفتوحة أو تركت في حالة تشغيل من قبل السائق.بلاغات
ففي أعقاب عدد من البلاغات التي وردت لأجهزة الشرطة من كل من “ع.أ” و”م.ن” (خليجيان) و”ص.ا” آسيوي يفيدون بقيام مجهولين بكسر الزجاج الأمامي والمثلث الزجاجي بسياراتهم من نوع تويوتا برادو ونيسان باترول وتويوتا كامري، وسرقة ما يوجد فيها من ممتلكات تمكنت أجهزة البحث الجنائي في الشارقة من القبض على “م.م” آسيوي و”م.ع” خليجي و”ن.ا” عربي، وجميعهم من العاطلين عن العمل والذين اعترفوا بتشكيل عصابة لسرقة السيارات حيث تمكنوا من كسر الزجاج الأمامي لسيارة الشاكي الأول وسرقة محفظته وفيها مبلغ 2000 درهم، وملكية السيارة وبطاقته المصرفية، الى جانب بعض الأوراق الشخصية، وذلك في أثناء وقوف سيارته في إحدى مناطق الشارقة، كما قاموا بكسر زجاج سيارة الشاكي الثاني وتمكنوا من سرقة مبلغ مالي قدره 400 درهم، وعدد من البطاقات المصرفية ورخصة قيادة الشاكي. أما الشاكي الثالث فتمكن المذكورون من كسر زجاج سيارته “الأجرة” وسرقة جهاز عداد السيارة وبطاقة بترول أثناء وقوف السيارة بموقف السيارات أمام أحد المساكن
. وفي عدد آخر من البلاغات تم القبض على كل من “ع.ص” و”ا.م” “عربيان”، وهما في العشرينات من عمرهما، وقد اعترفا بقيامهما بعدة سرقات من هذا النوع والاستيلاء على بعض المبالغ المالية والممتلكات التي وجداها في السيارات، ومن بينها هواتف متحركة وبطاقات هاتف، وأضاف المتهمان بأنهما قاما بتسليم بعض المسروقات لصديقة لهما تدعى “ن.ت” من الجنسية الآسيوية بهدف بيعها لمصلحتهما.
وحول تزايد أعداد بلاغات السرقة وبخاصة في وسائل النقل التي سجلتها شرطة الشارقة منذ بداية العام الحالي، وحتى نهاية أغسطس/ آب الماضي، يقول المقدم محمد عبدالعزيز شهيل مدير فرع التحقيق في إدارة البحث الجنائي في شرطة الشارقة إن مرتكبي هذه الجرائم يستهدفون كل ما خف وزنه وغلا ثمنه مثل المحافظ والهواتف النقالة أو الساعات والمجوهرات وصولا إلى الأموال التي يتم تركها داخل السيارات.
وحول الأساليب التي يتبعها مرتكبو هذه السرقات أشار إلى أنها غالبا ما تكون الأساليب التقليدية المعروفة مثل كسر الزجاج واستخدام المفاتيح المصطنعة، ولكن بعض القضايا التي تم ضبطها مؤخرا تشير إلى دخول أساليب تعتمد على التقنية الحديثة في التعامل مع المركبات الحديثة.
وصنف المقدم شهيل مرتكبي هذه الحوادث إلى عدة فئات، من بينهم الأحداث المنحرفون وهؤلاء غالبا ما يشكلون عصابات أو مجموعات صغيرة تقوم بالسرقة من السيارات، ويكون دافع هؤلاء الأحداث هو الحصول على المال فقط أو العبث بمحتويات السيارة، ثم بعد ذلك فئة العاطلين عن العمل ومخالفي قوانين الدخول والإقامة والمتسللين.
وحول التدابير الاحترازية التي يجب أن تتخذ لتلافي وقوع هذه الجرائم يقول المقدم شهيل: أولا لابد من توعية أفراد الجمهور بضرورة الاهتمام بمركباتهم وعدم تركها في مواقع معزولة أو تركها في حالة تشغيل عند مغادرتها وعدم ترك النوافذ وأبواب السيارات مفتوحة، كما ينصح المقدم شهيل أصحاب البنايات التي توجد تحتها مواقف للسيارات بتدريب حراس البنايات على مراقبة هذه المواقع لمنع التسلل إليها من قبل المتطفلين واللصوص وإقامة اتصال مباشر بين الحارس وأجهزة الشرطة للإبلاغ عن أي اشتباه في أي محاولة سرقة، وغير ذلك من التدابير الاحترازية، وفي نهاية حديثه يوجه المقدم شهيل رسالة إلى جميع أفراد المجتمع بضرورة التعاون مع الشرطة في الإبلاغ عن أي اشتباه في وجود سرقة أو وقوع جريمة وتقديم المعلومات التي تساعد على الوصول إلى الجاني.
وسائل عديدة
من جانبه، يشير سليمان حامد المزروعي المدير العام للتسويق والاتصال المؤسسي في بنك الإمارات دبي الوطني إلى أن هناك وسائل عديدة للوقاية من السرقة داخل فروع البنك وبخاصة للعملاء الذين يحملون مبالغ كبيرة تتمثل في التحذيرات المكتوبة في كل أنحاء البنك.
مضيفاً أن السرقات داخل البنوك في الإمارات ليست منتشرة بالصورة التي نسمع عنها في بلدان أخرى تحدث فيها مثل هذه الجرائم، حيث تقوم فيها إدارات البنوك بتنبيه العميل في كل خطوة يخطوها داخل البنك من خلال عبارات تحذيرية مما يشكل هاجسا كبيرا للعملاء، وهناك إجراءات أمنية تقوم بها البنوك داخل الدولة تتمثل في المراقبة الإلكترونية بتثبيت كاميرات داخل وخارج البنوك للمراقبة الحية والمباشرة، ونظام مراقبة البنوك يوفر درجة كبيرة من الأمن ويسهم في منع عمليات السطو والسرقة التي يقوم بها الخارجون عن القانون بحق البنوك وبعض عملائها.
وحذر في ختام حديثه عملاء البنوك من الوقوع في بعض الحيل والألاعيب المبتكرة التي يتبعها المجرمون أثناء تنفيذ عملية السرقة، مطالبا بأخذ الحيطة والحذر أثناء سحب الأموال أو حمل مبالغ كبيرة.
وبحسب المستشار علي سعيد الخضر رئيس المحكمة في محكمة الاستئناف بالشارقة والمفتش القضائي الأول فإن التعريف القانوني لجرائم السرقة من وسائل النقل بأنها السرقات التي تحدث في السيارات تحديدا التي يتركها قائدها أو مالكها في الطريق العام، وتتعرض للسرقة عن طريق الفتح بمفتاح مصطنع أو الكسر من الخارج، وقد عالج المشرع في الإمارات جريمة السرقة في إحدى وسائل النقل في الباب الثامن الخاص بالجرائم الواقعة على المال من قانون العقوبات الاتحادي، فنصت المادة 384 من قانون العقوبات الاتحادي “يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من ارتكب جريمة سرقة في الطريق العام أو إحدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية في إحدى الأحوال التالية:
1- إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وكان أحدهم حاملاً سلاحاً.
2- إذا وقعت السرقة من شخصين فأكثر وبطريق الإكراه.
3- إذا وقعت السرقة من شخص يحمل سلاحاً وكان ذلك بطريق الإكراه أو التهديد باستعمال السلاح”.
كما نصت المادة 389 (فقرة 3) من القانون على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة إذا وقعت السرقة في أي من الأحوال التالية: في احدى وسائل النقل أو في محطة أو ميناء أو مطار”، فنجد أن المشرع في الإمارات قد شدد العقوبة في جريمة السرقة في احدى وسائل النقل البرية أو المائية أو الجوية، وكيفها في المادة 384 من قانون العقوبات جناية يعاقب عليها بالسجن المؤبد، ووضع المحكوم عليه في احدى المنشآت العقابية المخصصة قانونا لهذا الغرض وذلك مدى الحياة.
وقال ان علة التشديد يقوم على عنصر وحيد مستمد من مكان ارتكاب السرقة ويفترض ارتكابها في احدى وسائل النقل، وعلة تشديد العقاب هي الحرص على تأمين سبل المواصلات، اذ يتردد الناس في استعمالها إذا كانت السرقات ترتكب فيها على نطاق واسع مما يضر بمقومات الرخاء الاقتصادي في البلاد، بالإضافة الى ذلك نجد ان مرتكب هذه الجريمة خطير خطورة تنم عن جرأته في السرقة من مكان متحرك حركة سريعة ومواجهته من أجل ذلك مخاطر عديدة ونيته في التغلب عليها قد تكون خطرة.
والمطلوب للحد من هذه الجرائم تأمين السيارات بأجهزة إنذار وعدم ترك أية ممتلكات داخل السيارة بالإضافة إلى وضع دوريات منتظمة في أماكن انتظار السيارات وفي الجهات الحكومية وغيرها.
وعي الجمهور
من جانبه، أكد العقيد سلطان بن عبدالله النعيمي مدير عام شرطة عجمان بالإنابة ان قلة وعي الجمهور وإهماله في الحفاظ على ممتلكاته يمثلان العامل الاكبر في انتشار قضايا السرقة واستمرارها وان الدافع الرئيسي وراء ارتكاب جرائم السرقة هو الحصول على المال والكسب غير المشروع.
وقال ان اكثر قضايا السرقة هي تلك المتعلقة بسرقة المركبات في أثناء مغادرتها والمحرك في طور التشغيل، وسرقة اموال عملاء البنوك من الذين لا يحرصون على حماية أموالهم جيدا حين نقلها من والى البنك، ناهيك عن تركها ظاهرة للعيان داخل مركباتهم من دون اخفائها في مكان آمن اثناء المغادرة.
وأضاف ان هناك حالات سرقات أخرى كالاعتداء على البيوت وسرقتها خاصة خلال فترة الصيف التي تشهد سفر بعض العائلات، وعطلة طلبة المدارس الذين يلهث بعضهم وراء أي كسب سواء كان مبلغا بسيطاً من المال أو اشياء ثمينة يمكن بيعها.
وتابع قائلا “على الرغم من ان السارق يبقى مجرماً في جميع الاحوال إلا انه لا يتحمل المسؤولية وحده لأن هناك سرقات تحدث وتنجح ليس بذكاء السارق بل بسبب اهمال الناس الذين يوفرون الظروف المناسبة وان كانت بغير قصد للسارقين، وكثير من الناس يتركون سياراتهم من دون إغلاق المحرك أو الابواب ويتركون المفاتيح فيها ثم ينزلون منها لقضاء حاجة معينة الأمر الذي يشكل اغراء للسارق، والأمر ينسحب كذلك على عملاء البنوك الذين يحملون اموالهم في حقائب شفافة أو غير محكمة الاغلاق ويضعونها داخل السيارة وظاهرة للعيان”.
ودعا جميع السكان الى اتخاذ مزيد من الحرص والمراقبة للمتلكات وابلاغ الشرطة عن أية جريمة سرقة أو الشك فيها واعطاء التفاصيل الكاملة التي من شأنها اختصار الوقت والجهد في الوصول الى المجرم في أسرع وقت، ودعا الى اخذ الحيطة والحذر من المتسولين وعدم التعامل معهم بعطف زائد مؤكدا ان هناك جرائم سرقة، وان كانت قليلة، يقف وراءها متسولون تعودوا امتهان التسول والتستر وراءه لارتكاب السرقات والاعتداء على الغير.
وقال “ان أيدينا ممدودة للجمهور الذي له دور مكمل في الحد من الجرائم لأن المسؤولية الآن باتت مشتركة، وفي حال وجود أي معلومة أو شك حول جريمة معينة تمس أمن المواطن أو الدولة يجب ابلاغنا بذلك للكشف المبكر عنها أو ملاحقة مرتكبيها حال وقوعها.
وعلى الرغم من انحسار اعداد ونسبة جرائم السرقات والاعتداء على املاك الغير وعدم اعتبار تلك الجرائم ظاهرة في الامارة، إلا ان النعيمي يؤكد ان جزءا من السرقات بات مقلقا ويستدعي بعض الشدة لكبحها لاسيما وان قضايا السرقة لا ترتبط بشخص أو مجموعة محددة تنتهي إذا ما ألقي القبض عليها، بل انها حلقة لا تتوقف وتتجدد مع أشخاص آخرين سرعان ما يقبض عليهم، في أول نشاطهم أو ربما يواصلون اعمالهم الاجرامية بعيدا عن عيون العدالة، نافيا في الوقت ذاته وجود سرقات منظمة أو لها امتدادات وعلاقات بجماعات أخرى خارج الدولة.
على صعيد متصل، أكد النعيمي أن جميع البنوك ومحلات الصياغة والمجوهرات والصرافة باتت مربوطة الآن بنظام مراقبة متصل مع غرفة عمليات الشرطة بحيث تنقل وتراقب الحركة في تلك الاماكن وما حولها بالصوت والصورة، اضافة الى تسيير دوريات دائمة الحركة في تلك المناطق من أجل تأمين الحماية.
وأوضح ان أي بنك لا يشترك في هذه الخدمة فان البلدية لا تسمح له بالترخيص أو تجديد الترخيص وان الشرطة تقوم بحملة تفتيشات سنوية على البنوك للتأكد من ان هذه الخدمة فعالة أم لا.
وأكد أن هناك عقوبات رادعة بحق السارقين تختلف شدتها حسب الجريمة وقانون العقوبات حيث تحول القضية الى النيابة العامة بعد الحصول على الأدلة عن المجرم ومن ثم تحول الى القضية الى النيابة للنطق بالحكم الصادر بحق صاحبها.
ثبات أرقام الجريمة وتزايد السكان
تشير الاحصاءات الواردة من الشرطة الى أن عدد وأنواع جرائم السرقة خلال التسعة شهور الاولى من العام الحالي مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي بقيت ثابتة ومتساوية، حيث بلغ اجمالي جرائم السرقات في العام 2007 نحو 1098 فيما وصل العدد في الفترة نفسها من العام الحالي الى 1084 حالة وهو أمر يبعث على الارتياح ويبدد القلق، على حد تأكيد مدير عام شرطة عجمان بالانابة، لا سيما وان عدد سكان المرافق العامة في الامارة في تزايد دائم.
وقال العقيد سلطان بن عبدالله النعيمي “طالما ان مستوى الجريمة بقي عند حدوده السابقة فهذا يدل على الدور الكبير الذي تقوم به الأجهزة الأمنية من ناحية منع الجريمة قبل وقوعها أو في القبض على التشكيلات الجديدة قبل توسع عملها ناهيك عن اثر تعاون الجمهور مع الاجهزة الامنية في الابلاغ عن أي جريمة”.
كما ان ثبات عدد الجرائم يعكس الجهود التي تبذلها الأسر في توعية ابنائها في الحرص على ممتلكاتهم وعدم إهمالها إضافة الى دور خبراء الشرطة في توعية طلبة المدارس من خلال المحاضرات التثقيفية التي يتلقاها الطلبة في الصفوف المدرسية الى جانب التوعية التي تنشرها من خلال وسائل الاعلام المختلفة والبوسترات. وأشار الى ان اكثر مرتكبي جرائم السرقة هم من أبناء الجنسيات الوافدة لا سيما القادمون على تأشيرة زيارة أو سياحة.
وبلغة الارقام فقد سجلت احصاءات الشرطة خلال الشهور العشرة الاولى من السنة الحالية سرقة 73 سيارة بزيادة 9 سيارات عن المدة ذاتها من العام الماضي فيما انخفض عدد جرائم سرقة محتويات السيارات بواقع 22 جريمة عن السنة الماضية اذ سجلت الاحصاءات في العام الحالي 59 حالة.
كما أظهرت البيانات وقوع 218 جريمة سرقة من أماكن مسكونة وهو الرقم نفسه للعام الماضي بينما زادت السرقات بالإكراه بواقع 8 حالات، كما أظهرت انخفاضاً في عدد السرقات البسيطة بواقع 34 حالة عن السنة الماضية التي شهدت 325 سرقة من هذا النوع.
أما بخصوص السرقات من المحلات التجارية فقد انخفضت الى 155 حالة بعد ان كانت 180 حالة في العام الماضي.
الى ذلك، سجلت احصاءات الشهور المنقضية من العام الحالي وقوع 45 حالة سرقة عن طريق النشل بواقع ارتفاع خمس حالات عن العام الماضي بينما انخفض عدد حالات الشروع بالسرقة من 38 حالة الى 29 في العام الجاري.
اترك تعليقاً