الخلع.. علاج أم انتقام؟
منصور الزغيبي
في الفترة الأخيرة ظهرت حالات خلع، ولم تكن بالسابق لها حضور مثل هذه الأيام، ويعد الخلع أحد المواضيع المهمة والحيوية التي تعالج الفرقة بين الزوجين بطريقة، مضمونها قائم على إرضاء الطرفين داخل أروقة محاكم الأحوال الشخصية. إن من عدل الشريعة وجمالها تنظيم العلاقات ولاسيما في الجانب العلاقة الزوجية حتى انفصالها، إذ أعطيت الزوجة، في مقابل حق الزوج في الطلاق، الحق في طلب الخلع عند كراهيتها لزوجها وعدم قبولها العيش معه، من دون أن تجد فيه سبباً من الأسباب التي تدعوها إلى الفسخ. ولحصولها على الخلع لا بد لها من تحمل تبعات طلبها؛ بأن تدفع له العوض لما تحمَّله من نفقات الزواج.
ومن الناحية القانونية يعتبر الخلع في طبيعته القانونية عقداً ثنائي الطرف؛ لأنه يقوم على اتفاق بين الزوج وزوجته بأن تدفع له مبلغاً من المال لقاء طلاقها، ويتم ذلك بإيجاب وقبول، ويشترط فيه ما يشترط في إنشاء الطلاق بالنسبة إلى الزوج. وفقهاء الشريعة والقانون عالجوا هذا الموضوع بشكل ناضج وشفاف، لكن يحتاج إلى كثير من التبسيط والتقريب للناس، وطرحه اجتماعياً عبر وسائل الإعلام بطريقة تخدم حياة الأسر وليس العكس. لكن من المؤذي من يستخدم موضوع الخلع للانتقام وتصفية الحسابات، وإن كانت ظاهرة محدودة فهناك زوجات تقمن حفلة يعلنَّ بها أنهن خلعن أزواجهن السابقين بطريقة فيها الشيء الكثير من الامتهان، وتعمق للخلافات على رغم الانفصال، بينما من الأَوْلى ألا ينسوا كل جميل كان بينهم، والقاعدة القرآنية السلوكية التي ترسم مسار العلاقات الإنسانية ولاسيما الزوجية تقول: (ولا تنسوا الفضل بينكم) [سورة البقرة: 237] هو في الحقيقة تشفٍّ أكثر من كونه حفلة طبيعية لحياة جديدة تنتظرها ونتفاءل بها خيراً. وفي ذلك تجنٍّ على الزوج السابق، فله حق المطالبة قضائياً، في مقابل التشهير به وسبِّه لرد الاعتبار له.
خلاصة القول أن الخلع يعد من ضمن الحلول الشرعية التي تحل الخلافات الزوجية، وهو حق للمرأة مساوٍ لحق الرجل بالطلاق، وهو موضوع كبير ومهم، وهذه إشارة سريعة لأهميته وكذلك تحذيراً من توظيفه بطريقة يكون فيها توسيع لدائرة الكراهية بين الخصمين، وتجعل الخلافات مستمرة حتى بعد الانفصال، وفي ذلك تجذير لروح الانتقام والتشفي، وليس هناك أنبلَ وأرقى وأجملَ من التسامح وتمني الخير لبعضهما، وكذلك ليساعدا أنفسهما على تجاوز الماضي وعدم نسيان الجميل.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً