مفهوم اللاجئ الفلسطيني في القانون الدولي
شكلت الاتفاقات الإقليمية حالة خاصة بذاتها، فهي تمثل وجهة نظر موقّعيها، ولكن يمكن الاسترشاد بها، بصفتها القانونية، تماشياً مع حالات مماثلة. وإذا حاولنا تطبيقها على اللاجئ الفلسطيني نجد أنها تعبر عن بعض الظروف والملابسات التي وقع فيها الفلسطيني، مثل العدوان، الاحتلال الخارجي، السيطرة الأجنبية، ترك الوطن، البحث عن ملجأ، تهديد حياتهم وأمنهم.. ولكن نتيجة لظرفها التاريخي الخاص لا يمكن لتعريفها أن يساوي تعريف اللاجئ الفلسطيني.أما بالنسبة للاتفاقات الدولية، فهي عامة اللفظ، خاصة المعنى، مثل اتفاقية الأمم المتحدة عام 1951، فهي صدرت لتمثل حالة خاصة بمعناها العام، ورغم خصوصية معناها من حيث إيجاد حل لمشكلة اللاجئين الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية في ضوء تعريفها، إلا أن هذا لا ينفي عنها صفة الاتفاقية الدولية، لسببين: الأول عمومية لفظها، والثاني صدورها من أعلى هيئة دولية.
وإذا حاولنا البحث عن توصيف للاجئ الفلسطيني ضمن هذه الاتفاقية، نجد أنها استثنت اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من وطنهم قبل يناير 1951، حيث كان طردهم من ديارهم بين عامي 1947 ـ 1948، وكان الاستثناء من ناحية التحديد الزمني، وفي تعريفها للجوء من حيث الاعتماد على حالة الاضطهاد الذي يتعرض له الفرد، ولكنها لم تكتف بذلك، بل صاغت نصاً واضحاً وصريحاً في الاتفاقية أشارت فيه دون تحديد الإسم إلى استثناء اللاجئين الفلسطينيين من شمولية الاتفاقية، حيث ذكرت: “لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون حالياً بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة، غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”.
بلا شك أن هذا النص قد وضع خصيصاّ بهدف استثناء اللاجئين الفلسطينيين من الاتفاقية، لأن إنشاء وكالة الغوث (الأونوروا) كان في عام 1949، وهي الوكالة أو الهيئة التي أعدت خصيصاّ لتقديم خدمات للاجئين الفلسطينيين.
وكان الموقف الأوروبي متفقاً تمام الاتفاق حول موضوعة استثناء اللاجئين الفلسطينيين من هذه الاتفاقية، نتيجة للظروف والأوضاع السياسية المتشابكة حول قضية فلسطين، مما جعل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أكثر تعقيداً. لذا نأى المجتمع الأوروبي بنفسه عن الالتزام بهذه المشكلة، كما أنه خضع لضغوط الإدارة الأمريكية التي طرحت بصراحة عدم إدراج مشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن هذه الاتفاقية، وكانت حجتها أن إدراج مثل هذه القضية غير واضحة المعالم في الاتفاقية سيؤدي إلى عزوف بعض الدول عن التوقيع على هذه الاتفاقية خوفاً من التزام مستقبلي قد يرهقهم. وحتى لا يفهم الموقف الأوروبي بأنه يتخلى إنسانياً عن قضية اللاجئين الفلسطينيين، حاول إشمالهم في نص الاتفاقية بطريقة التفافية تعبر عن موقف سياسي مستقبلي، إذ تم إدراج فقرة في نفس مادة الاستثناء، تنص على: “فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوي نهائياً، طبقاً لما يتصل بالأمر من القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، يصبح هؤلاء الأشخاص جراء ذلك مؤهلين للتمتع بهذه الاتفاقية”. إن المعنى الواضح للنص هو إلغاء دور وكالة الغوث (الأونوروا) بالنسبة للاجئين الفلسطينيين حتى تشملهم الاتفاقية.
أما بالنسبة للموقف العربي، فقد جاء مخالفاً ومؤيداً للموقف الأوروبي في آن، إذ انطلق الموقف العربي في رفض إدماج أو شمولية اتفاقية 1951 للاجئين الفلسطينيين من زاوية أن وضعيتهم مختلفة عن الآخرين، من حيث أن وضعيات اللجوء الأخرى تكون مسؤولية الأمم المتحدة عنها مسؤولية أخلاقية ـ إنسانية، أما بالنسبة للاجئ الفلسطيني فالمسؤولية سياسية، حيث كان اللجوء الفلسطيني نتيجة مباشرة لقرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار (181) لسنة 1947 الذي منح الشرعية لقيام دولة إسرائيل، ونتيجة لقيامها كان اللجوء الفلسطيني، لهذا فإن مسؤولية الأمم المتحدة تتجاوز المسؤولية الأخلاقية ـ الإنسانية لتصل إلى حد المسؤولية المباشرة عن الحدث نفسه، لذلك فهي ملزمة بحل هذه المشكلة. وعبر خطاب المندوب اللبناني آنذاك في الأمم المتحدة عن الموقف العربي قائلاً: “إن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مسؤولية الأمم المتحدة مباشرة، ولا يمكن أن توضع في إطار عام دون خيانة هذه المسؤولية”.
إن هناك مجموعة قرارات وتشريعات حول:
ـ جمع شمل الأسر الفلسطينية المشتتة ومنحهم وثائق سفر موحدة.
ـ تسهيل سفر وإقامة الفلسطينيين ومعاملتهم في الدول العربية.
ـ منح جنسية بعض الدول العربية لبعض اللاجئين الفلسطينيين.
ـ منح جوازات سفر مؤقتة.
كما لا توجد اتفاقية عربية جماعية على غرار الاتفاقات الدولية أو الإقليمية (7) لتنظيم الأوضاع الخاصة باللاجئين في الوطن العربي، ليس فقط اللاجئين الفلسطينيين إنما اللاجئين الآخرين، حيث يوجد في البلدان العربية ما يقدر بـ 1,400,000 لاجئ من جنوب غرب آسيا والقرن الأفريقي والشرق الأوسط.
إن المجتمع العربي يتحمل المسؤولية الكاملة عن اللاجئين الفلسطينيين ويشاركه فيها المجتمع الأوروبي من كافة النواحي السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الإنسانية والأخلاقية. وهذا لا يعني أن المجتمع العربي مسؤول عن نكبة الشعب الفلسطيني ـ وفق المنطق الإسرائيلي ـ لذلك يكون حل المشكلة معه، وليس مع الفلسطينيين أنفسهم، فالمجتمع العربي يتحمل مسؤوليته في الضغط بكل الوسائل على المجتمع الدولي وإسرائيل من أجل إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، وليس توطينهم.
ومع تزايد أعداد اللاجئين وتمركز أغلبهم في أماكن محددة وخاصة على حدود وطنهم وأرضهم، ووقوف السلطات الصهيونية بحزم أمام عودتهم، قامت الأمم المتحدة مرة أخرى بإدخال تطوير على تلك اللجنة وتوسيع مهماتها، فأنشأت “وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى” unrwa في 8 كانون أول عام 1949 وباشرت الوكالة عملها في أوائل أيار 1950.
وكانت مهمتها تقديم مساعدة طارئة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين شردوا من ديارهم عام 1948، وذلك بناء على قرار تأسيسها الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 302 لسنة 1949، والذي ينص: “إن الجمعية العامة إذ تذكر قراريها رقم 212 الصادر في 19 تشرين الثاني 1948، ورقم 194 الصادر في 11 كانون الأول 1948، اللذين يؤكدان بصورة خاصة أحكام الفقرة 11 من القرار الأخير.. تعترف بأنه من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194.. تؤسس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى وتشغيلهم. (8)
وبذلك فإن الوكالة مسؤولة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رسمياً، وهي تعد تعبيراً عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، ويتم تجديد دور الوكالة وانتدابها مجدداً كل ثلاث سنوات، ويقوم بتمويل ميزانيتها الدول الغنية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبهذا تتحكم تلك الدول في وضع سياستها وتشكيلها الإداري.اعتمدت الأونوروا في عملها بين اللاجئين الفلسطينيين على أرضية تعريف صاغته للاجئ الفلسطيني، وينص على: “اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كان مكان إقامته العادية في فلسطين لمدة لا تقل عن عامين سابقين لنشوب النزاع العربي ـ الإسرائيلي عام 1948، وهو الشخص الذي فقد جراء ذلك النزاع بيته وسبل معيشته، وأصبح لاجئاً ومسجلاً لديها في أحد الأقطار التي تمارس فيها الوكالة عملياتها”. وقد تم توسيع هذا التعريف لاحقاّ ليشمل أبناء وأحفاد اللاجئين، حيث يستفيدون من خدمات الوكالة المقدمة شريطة أن يكونوا مسجلين لديها، ويقطنون في منطقة عملياتها وبحاجة إلى المساعدة ” (9).
إن وضع تعريف خاص باللاجئين الفلسطينيين من قبل المجتمع الدولي يعبر عن مدى مسؤولية هذا المجتمع عن نكبة هذا الشعب وتحويله إلى لاجئين، كما يعبر أيضاً عن الموقف الأخلاقي ـ الإنساني تجاه هذا الشعب من خلال تقديم خدمات ومساعدات عبر وكالة دولية أنشئت خصيصاً له بخلاف اللاجئين الآخرين الذين شملتهم إحدى وكالات الأمم المتحدة وهي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وهذا يدل على خصوصية هذه المشكلة وعلاقتها بمواقف سياسية.ويعد هذا التعريف هو الوحيد والخاص باللاجئين الفلسطينيين، إلاّ أنه لا يعد تعريفاً دولياً أو إقليمياً، رغم صدوره عن مؤسسة أو وكالة دولية، حيث أن هذا التعريف يخضع في معاييره إلى حصر نطاق عمل الأونوروا فقط، ولا يشمل عموم اللاجئين الفلسطينيين.ومن قراءة هذا التعريف نلاحظ أن اللاجئ وفق تصورات الأونوروا هو المتواجد على أراضي أو أقطار تمارس فيها عملياتها، وهذه المناطق هي: الضفة الغربية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، سوريا. أما اللاجئون الذين هاجروا إلى بلدان ومناطق لا يوجد فيها خدمات للاونروا، مثل العراق، ومصر، وأراضي فلسطين 1948، ودول الخليج العربي، وبعض البلدان الأجنبية، يكونون حسب تصورها وتعريفها غير لاجئين، مما يعني أن اللاجئ هو المسجل لديها ويتلقى مساعدة مشروطة أن يكون بحاجة إليها.
لقد أظهر مسح أُجري عام 1996 أن 25% من اللاجئين الفلسطينيين لم يتم تسجيلهم في سجلات الأونوروا، وذلك كما يقول ناجح جرار: “بسبب التعريف العملي الذي وضعته الأونوروا للاجئ” (10).
إن تعريف الأونوروا لمصطلح اللاجئ الفلسطيني غير ملائم، ولا ينطبق على كل اللاجئين الفلسطينيين، وبالإضافة كما ذكرنا، نجد أن التعريف ربط بين النزاع وصفة اللجوء، كما حدد فترة زمنية لا تقل عن عامين للشخص اللاجئ أن تكون فلسطين مكان إقامته قبل النزاع، وهذه التحديدات تضيق من مفهوم حق العودة، من حيث أنها تحرم الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين للعمل أو خلافه في مصر ودول الخليج مثلاً قبل النزاع بفترة طويلة من حقهم في العودة إلى فلسطين.إن معيار الإقامة في فلسطين في حد ذاته منطقي، ولكنه لا يؤخذ سبباً لحرمان بعض الفلسطينيين من حقهم في وطنهم، وخاصة أن القرار 194 الخاص بحق العودة لم يحدد فترة زمنية، وكان شاملاً لكل اللاجئين الفلسطينيين الذين فقدوا ديارهم وممتلكاتهم، وليس فقط المسجلين، لذلك لا نعرف من أين استنتجت الأونوروا مبرر زمنية الإقامة في فلسطين والذي تفرضه لإعطاء صفة اللاجئ.
لقد عبرت الأمم المتحدة في قرارها الخاص بإنشاء الوكالة السابق ذكره، أن مهمتها تقديم خدمات إنسانية، ولكنها ربطت هذا القرار بالفقرة (11) من قرار حق العودة رقم 194، وهذا يعني أن مهمة لوكالة ليست تقديم خدمات فقط، إنما يحمل مضمون قرار إنشائها هدفاً سياسياً هو تسهيل عودة اللاجئين، يقول جيرهارد بلغر، وانغريد جاسنر في مذكرتهما التي تطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين: “إن الربط بين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ووكالة الأونوروا، يؤكد أن صلاحيتها تتعدى الصلاحية التنفيذية التي تتطلب بقاءها على جانب الحياد، فهناك جانب ومضمون سياسي لدور الوكالة يتمثل في تسهيل عودة اللاجئين إلى بيوتهم وممتلكاتهم والتعويض على أساس التزام المجتمع الدولي بمسئوليته ” (11)، ويؤكد على هذا المضمون “رون ويلكنسون” مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام التابع لوكالة الأونوروا في غزة، حيث يقول: “إن الوكالة تعزز حق العودة أو التعويض، ونحن نصر على ذلك القرار 194” (12).
وإذا كان المضمون السياسي للوكالة يتمثل في عودة اللاجئين وتعويضهم، فثمة مضمون سياسي آخر نص عليه تعريف الأونوروا للاجئ، وذلك أن الوكالة تنظر للمشكلة الفلسطينية على أنها نزاع على أرض وليس صراع فلسطيني ـ إسرائيلي على الوجود تمثل في طرد هؤلاء الفلسطينيين من وطنهم، وهذا يعني أن إسرائيل تنازع الفلسطينيين على أرضها أو حقها في إقامة وطن كما نص وعد بلفور وأيده صك الانتداب، ومنحته الأمم المتحدة الصفة الشرعية بالقرار رقم 181 لسنة 1947.
اترك تعليقاً