الإفـلاس والمفاهيـم القانونيــة الجديــدة
د. عبد القادر ورسمه غالب –
[email protected] –
في خضم ممارسة العمل التجاري، قد يتعرض الجميع للإفلاس الذي يعتبره البعض نهاية المطاف، والبعض يعتبره «وصمة عار» ودلالة فشل وإهمال يستوجب العقاب الرادع. لكن الإفلاس الآن، وفق المفاهيم القانونية الجديدة، قد يكون بداية جديدة للانعتاق ثم الانطلاق، شريطة عدم الإساءة أو التحايل على القانون وتقديم معلومات كاذبة وبسوء نية.
وقانونا، الإفلاس هو حالة العجز عن الوفاء بالديون والالتزامات المالية عند طلبها، خاصة بسبب الظروف التجارية وبعض المستجدات التي تعيق العمل وتعطله. ومن خير الأمثلة، الآثار التي أحدثتها التجارة الالكترونية على التجارة التقليدية بكافة أشكالها. والآن، إعلان إفلاس الشركة قد يعني بداية مرحلة جديدة لاستمرارها، عبر اتخاذ إجراءات قاسية لتحسين أوضاع الشركة ولتمكينها من إعادة الهيكلة. نقول هذا انطلاقا من أن النظرة القانونية للإفلاس الآن ليس هدفها العقاب كما يتصور البعض، ولكن لإعطاء فرصة ثانية جديدة وصفحة نظيفة للنهوض من الكبوة التي قد تحدث للجميع «في أرقي العائلات».
المفاهيم الجديدة، لا تقول إن الإفلاس أمر جيد، ولكن تقول إنه أمر سيئ قد يخرج منه شيء جيد ومفيد. لأنه وبمجرد إشهار الإفلاس، لا تحتسب فوائد على الأموال المترتبة على المفلس وبالتالي لا تزيد أو تتراكم ديون المفلس. وهذا مفيد له لأن فوائد الديون تمثل عقبة مالية ونفسية، ولاحظنا هذا كثيرا عند الممارسة على أرض الواقع. ولتجاوز الوضع وإعداد البنية الاقتصادية، تقوم الدول بانتهاج الحلول الاقتصادية والتشريعية. وفي الوقت الحاضر، تعد أمريكا على رأس القائمة وأكثر الدول التي تتعامل مع الإفلاس لأن مكاتب المحاماة تنصح باللجوء للإفلاس لأنه يجعل المفلس غير ملزم بسداد الالتزامات لفترة من الزمن، وهذا يتيح له فرصة «تشمير» يديه والبداية من نقطة الصفر.
هناك عدة حلول قانونية للخروج من الإفلاس، من أهمها جدولة الديون باتفاق جديد بين الأطراف، وهذا خيار جيد لمن لا يريد التخلي عن ممتلكاته. ويتم جدولة الديون على فترة تتراوح ما بين ثلاث وخمس سنوات، وبعد إكمال هذه المدة تشطب بقية الديون. وللحقيقة فإن هذا يمثل أخف الأضرار لجميع الأطراف، انطلاقًا من أن التجارة «ربح أو خسارة»، وبالاتفاق نظير الوضع الجديد فإن كل طرف يأخذ نسبة من الربح أو الخسارة. وما تم في أمريكا لإنقاذ «شركة جنرال موتورز» يعتبر من أفضل المعالجات الاقتصادية والقانونية. وهذه السابقة الأمريكية، حفزت العديد من الدول للسير في نفس النهج عبر إصدار قوانين تمكن من «لملمة» المشكلة والغوص في لجها بحثا عن الحلول المناسبة لكل الأطراف، بما فيهم كل الدائنين والمقترضين وكذلك العاملين.
ومثل هذه المعالجات وفي أغلب الأحوال، لها آثار كبيرة علي المديين البعيد والقصير. ومن أهمها تعزيز ثقة المستثمر الذي ينظر لخيارات الخروج قبل الدخول في الاستثمار. وثقة المستثمر تزداد كلما توفرت المقدرة وزادت القوة في معالجة كل ما يطرأ حتى الإفلاس وهو آخر المطاف. وعبر هذه المعالجات القانونية الجديدة، نستطيع القول بأن التشريعات تلعب دورًا مؤثرًا في دفع العمل التجاري ودعم الاقتصاد المحلي والعالمي. وكل ذلك من خلال إعادة تنظيم الشؤون المالية والتجارية واللوجستية للشركات والتجار لتجاوز مرحلة الإفلاس أو التعثر المالي في سداد الديون وتغطية الالتزامات دون أن تتعطل عجلة الإنتاج أو انقطاع «اللحمة» بين الأطراف، وكلهم في نفس الهم.
من دون شك، وبسبب المنافسة المشروعة، وبسبب العولمة، وبسبب التعامل الالكتروني وسرعة وسهولة التواصل بين التجار، ولغير هذا من الأسباب العديدة، فإن العمل التجاري يتطور ويتغير ويلبس لبوسا جديدا لمقابلة المستجدات وتغطية الطموحات.. وكل هذا يتطلب تطوير البنية التشريعية والقوانين حتي تتمكن أيضا من مقابلة المستجدات وتغطية الطموحات. ولكل هذا ومن أجله أتت قوانين الإفلاس الجديدة في ثوب قشيب، ما أجمله وما أحسنه.
ولكن علينا وضع هذه القوانين في الإطار الصحيح وفهم أبعادها وكل معانيها وفلسفتها.. هذا واجبنا، حتى نضع أسسا سليمة لما يقصده المشرع ولإعطاء «روح القانون» الحياة المفيدة الفاعلة. وهكذا نطور العمل التجاري ونبني اقتصادا سليما يساعد في النهضة الحديثة لمجتمعنا.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً