العمال الأجانب في البحرين … قوانين جيدة وتطبيق سيء
نعيش في بلدان يتكوّن نصف سكانها أو أكثر من العمالة الأجنبية، بعضها من ثقافات ولغات وديانات غريبة عن مجتمعاتنا، يأتون طلباً للرزق فترسم لهم الدنيا مسار حياة مختلف عن ذلك الذي تصوروه في أذهانهم. كثيرون يتعرّضون لسوء المعاملة، كما يبخس حق بعضهم الآخر. وأكثر هؤلاء تعرّضاً للأذى خادمات المنازل اللواتي يعملن على مدار الساعة لإرضاء مخدوميهم.
بعد تزايد أعداد العمال الأجانب في البحرين قبل نحو 13 عاماً بسبب الطفرة الاقتصادية، ليصبحوا نصف السكان تقريباً، أصبح إنشاء جمعية حماية العمال الوافدين حاجة ماسة، فهم يواجهون في أحيان كثيرة مشاكل معيشية أو اجتماعية أو مع أرباب العمل بسبب قلة الوعي وقلة التعليم، وعدم توقّع الواقع المعاش في البلد المستضيف، إضافة إلى مشاكل اقتصادية واجهتهم بعد الأزمة الاقتصادية العالمية.
تأسست جمعية حماية العمال الوافدين في عام 2005، «في ظل وجود مجموعة من الناس كانت تود المساعدة»، كما توضح رئيستها ماريتا دياس إلى «الحياة». وتضيف في هذا الصدد: «لا نقدم المساعدة المادية لهم، لكننا نعمل على نشر الوعي بين العمال أنفسهم وأصحاب العمل، حول حقوقهم وواجباتهم، إذ يَقْدِم عمال كثر إلى البحرين وليس لديهم أدنى فكرة عما ينتظرهم، وما الذي يمكن توقّعه، وهو خطأ البلدان المصدّرة لهذه العمالة، وعندما يصلون إلى هنا يكون من الصعب عليهم أن يتراجعوا، وذلك لأسباب كثيرة، أهمها المادية. وهنا يأتي دور الجمعية، فنحن نوجههم إلى ما يمكنهم عمله، كل حسب قضيته».
وتشير دياس إلى أن بعض العمال تنقصهم المعلومات الأساسية، كوجود سفارة لبلده في البلد الحاضن، وأين تقع هذه السفارة، وكيف يصل لها.
وتدير جمعية ملجأً للنساء اللواتي تعرضن لاعتداء، جسدي أو جنسي أو نفسي، أو حتى ممن انتهكت حقوقهن. ولأنهن يواجهن صعوبة أكبر في البقاء في أماكن عملهن، فبعضهن يقصد مراكز الشرطة التي تعاونت مع الجمعية في توفير الملجأ، وهو مكان آمن يستقبل بين 150 و 160 امرأة سنوياً».
وتلفت دياس إلى أن «كثيرات يرحلن من بلدانهن لينتهين في منازل أناس لا يعرفنهم، فيواجهن صدمة ثقافية وصدمة اللغة. وفي الجهة المقابلة، يكون أصحاب العمل دفعوا مبالغ كبيرة للوكيل في انتظار هذه الخادمة أو العاملة المنزلية، على أن تكون قادرة على القيام بالمطلوب منها، أي أن تكون مدربة، وهنا تقع المشكلة».
وانتقدت دياس القوانين التي تجبر هؤلاء النساء على مغادرة بلدانهن، ولا يمكن أن يعاد تأهيل أي منهن في مهنة أخرى، «فهن دائماً يعدن إلى ديارهن من دون أن يحصلن على العدالة أو تعويض أو شيء من هذا القبيل، وعلاوة على ذلك يجدن صعوبة في استعادة جوازات سفرهن من أصحاب العمل الذين يحتجزونها».
وفي ضوء إحصاءات الملجأ، اتضح أن غالبية اللواتي يستضيفهن من عاملات المنازل، فمنذ الأزمة الاقتصادية العالمية ومن ثم الأحداث السياسية التي شهدتها البحرين، والتي بطّأت الاقتصاد، بدأ يظهر بوضوح عدم قدرة العائلات أو أصحاب العمل أو عدم رغبتهم في دفع الأجور، لتكون المشكلة الأولى من بين المشاكل التي تواجهها عاملات المنازل، تليها الاعتداءات الجسدية.
وعن أصعب القضايا التي واجهتها الجمعية، قالت دياس: «القضايا كلها كبيرة وصعبة وطارئة بالنسبة لأصحابها، لكن كان أكثرها راديكالية قضية فتاة تعتبر انتهاكاً لكل حقوقها الإنسانية والعمالية والشخصية، فهي لم تغادر المنزل الذي تعمل فيه طيلة 15 عاماً، ولم تقبض راتبها بانتظام، وبعد احتساب ما دفع لها اتضح أنها قبضت رواتب عن 5 سنوات عمل فقط، كما مُنعت من الاتصال بعائلتها التي تعيش في قرية فقيرة جداً. وعلمنا بهذه القضية بطريقة غير مباشرة، والأدهى من ذلك تأكيد أصحاب العمل أنهم لم يقوموا بأي شيء خاطئ، واستسلام العاملة للأمر الواقع».
لا تزال الطريق طويلة، برأي دياس، وتقول: «استطعنا إيجاد الوعي بين العاملين. ونتعاون مع الجهات الحكومية مثل إدارة الهجرة والجوازات، وزارة العمل، هيئة تنظيم سوق العمل، مراكز الشركة، والسفارات، لكن قدراتنا محدودة. وفي أحيان كثيرة لا يمكننا توفير ما يحتاجه هؤلاء، لكن التعاون مع هذه الجهات الرسمية يشكّل تحوّلاً إيجابياً في هذا الإطار».
وتشير دياس إلى أن الجمعية تعمل على إشاعة ثقافة الاعتماد على النفس وعدم الاعتماد على الآخرين، «فالعائلة التي لديها عاملة منزلية، قد لا تكون قادرة على الحصول على أخرى في المستقبل. وقد نظمنا محاضرات في المدارس حول هذا الموضوع».
وتلفت دياس إلى أن البحرين تقود مسيرة لتطوير قوانينها وأوضاعها في ما يتعلّق بالعمالة الأجنبية وحقوق الإنسان، لكن «لا يزال هناك الكثير للقيام به. جمعيات كثيرة من المجتمع المدني مهتمة بالموضوع، وتبذل جهود لتغيير وجهة نظر الناس ومسؤولياتهم وحقوقهم».
كما تتعاون الجمعية مع الجهات المختصة لتغيير القوانين في ما يتعلّق بالعاملات في المنازل اللواتي لم يتم إدماجهن في الأنظمة المرعية، لتوفير حدّ أدنى من ساعات العمل، ويوم إجازة، غيرها من الحقوق.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً