دستورية بطلان صحيفة الاستئناف التي لا يوقعها محامٍ مقبول أمام محكمة الاستئناف
الدعوى رقم 28 لسنة 38 ق “دستورية” جلسة 3 / 11 / 2018
باسم الشعب
المحكمة الدستورية العليا
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من نوفمبر سنة 2018م، الموافق الخامس والعشرون من صفر سنة 1440 هـ.
برئاسة السيد المستشار الدكتور / حنفى على جبالى رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: سعيد مرعى عمرو ورجب عبد الحكيم سليم والدكتور حمدان حسن فهمى وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبدالعزيز محمد سالمان وطارق عبدالعليم أبو العطا نواب رئيس المحكمة
وحضور السيدة المستشار/ شيرين حافظ فرهود رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
في الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 28 لسنة 38 قضائية “دستورية”.
المقامة من
………..
ضد
1-رئيس الجمهوريـة
2-رئيس مجلس النواب
3-رئيس مجلس الوزراء
4-…….
الإجراءات
بتاريخ العاشر من مارس سنة 2016، أقام المدعى هذه الدعوى، بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الدستوريـة العليا، طالبًا الحكم بعـدم دستورية الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصـل – على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق – في أن المدعى عليها الرابعة كانت قد أقامت بتاريـــخ 3/2/2015، الدعوى رقم 331 لسنة 2015 أمام محكمة البساتين لشئون الأسرة، طالبة فرض نفقة لصغيريها من المدعى، وبجلسة 28/5/2015، حكمت المحكمة بإلزامه بأن يؤدى مبلغ (600) جنيه كنفقة شهرية للصغيرين، وإذ لم يلق هذا القضاء قبولاً من الطرفين، فأقام المدعى الاستئناف رقم 13854 لسنة 132 ق أمام محكمة استئناف القاهرة طالبًا الحكم بتخفيض النفقة، كما أقامت المدعى عليها الرابعة الاستئناف رقم 14032 لسنة 132 ق أمام المحكمة ذاتها طالبة زيادتها، فقررت المحكمة ضم الاستئنافين للارتباط، وبجلسة 16/12/2015، دفعت المدعى عليها الرابعة بعدم قبول الاستئناف لعدم توقيع صحيفته من محامٍ مقيد لدى محكمة الاستئناف، فدفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، وصرحت للمدعى بإقامة الدعوى الدستورية، أقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 تنص على أن ” للمحامي المقيد بجدول محاكم الاستئناف حق الحضور والمرافعة أمام جميع محاكم الاستئناف ومحاكم القضاء الإداري، ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحاكم وما يعادلها إلا إذا كان موقعًا عليها منه، وإلا حكم ببطلان الصحيفة “.
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة تعد شرطًا لقبول الدعوى الدستورية، وقوامها – على ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازمًا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة بأكملها أو في شق منها في الدعوى الموضوعية. متى كان ذلك، وكان الاستئناف المقام من المدعى موقعًا عليه من محامٍ مقبول للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية – طبقًا للشهادة الصادرة من نقابة المحامين – وقد دفعت المدعى عليها الرابعة أثناء نظر النزاع الموضوعي أمام محكمة الاستئناف، بعدم قبول الاستئناف لعدم توقيع صحيفته من محامٍ مقبول للمرافعة لدى محاكم الاستئناف، فمن ثم تضحى للمدعى مصلحة شخصية مباشرة في الطعن على عجز الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة المشار إليه، فيما نصت عليه من أنه “…. ولا يجوز قبول صحف الدعاوى أمام هذه المحكمة وما يعادلها، إلا إذا كان موقعًا عليها منه، وإلا حكم ببطلان الصحيفة”، إذ الفصل في دستورية هذا النص في حدود نطاقه المتقدم سيكون له انعكاس على الدعوى الموضوعية والدفع المبدى فيها بعدم قبول صحيفة الاستئناف وبطلانها، وقضاء محكمة الموضوع في هذا الدفع.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفته للمادتين (97، 98) من الدستور، بقالة أن الدستور يكفل حق اللجوء إلى القضاء ابتداء، وهو ما يستلزم تيسير هذا الحق وإزالة المعوقات التي تعترضه ، إلا أن النص المطعون فيه لا يمثل إلا قيدًا يعرقل في كثير من الأحيان العدالة، ويخل بميزانها، إذ إن المشرع رتب جزاء البطلان على مخالفته، بما ينهى على أمل المتقاضين في النفاذ الميسر للعدالة. كما أنه يرتب أعباء إضافية تثقل كاهل التقاضي، وينطوي على إسقاط لضمانة الدفاع والحد منها، مما يترتب عليه إسقاط للضمانات التي كفلها الدستور لكل مواطن في الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي.
وحيث إن هذه المناعي مردودة: بأن المشرع حدد بالمواد (31، 35، 39) من قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983. للقيد في كل من المرحلة الابتدائية، والاستئنافية، ومرحلة الطعن بالنقض وما في حكمها، شروطًا جامدة افترض عند تحقق كل منها في مرحلتها من التقاضي، أن يكون المحامي قد صار قادرًا على مواجهتها بالجدية التي توازيها، فلا يكون الانتقال من مرحلة في التقاضي إلى ما يعلوها، إلا بافتراض أن من يُوكلون فيها، مهيأون لمباشرة مسئوليتها، لا ينفكون عنها بما يبذلون من جهد يقابلها، وخبرة تلائمها، فلا يكون ولوجها نهبًا لكل طارق لأبوابها، بل قصرًا على هؤلاء الذين قدر قانون المحاماة – بالنصوص التي تضمنها – أنهم عوان عليها، يمدون قضاتها بما يكون لازمًا للفصل في الخصومة القضائية – سواء من جوانبها الواقعية أو القانونية – بعد بصرهم بأبعادها وتحريهم لدلالتها، وإحاطتهم بكوامنها، فلا يكون دفاعهم عن حقوق المواطنين وحرياتهم مهيضًا أو بئيسًا.
وحيث إن المادة (35) من قانون المحاماة المشار إليه – وفى إطار هذا الاتجاه – تتطلب لقيد المحامي أمام محاكم الاستئناف، أن يكون قد اشتغل بالمحاماة فعلاً خمس سنوات على الأقل من تاريخ قيد اسمه بجدول المحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الابتدائية، وعملاً بالمادة (37) من هذا القانون، يكون لكل محام مقيد. بجدول محكمة استئنافية، حق الحضور والمرافعة أمامها، وكذلك تقديم صحف الدعاوى إليها، بشرط أن يوقع عليها، وإلا حكم ببطلانها.
وحيث إن ذلك مؤداه، أن لكل مرحلة تبلغها الخصومة القضائية، قضاتها ومحاميها، فلا يتولون تبعاتها تباهيًا، وإنما باعتبارهم أمناء عليها بما مارسوه قبلها من أعمال قانونية تزيد من نضجهم، وتعمق خبراتهم، وتهديهم إلى الحقائق العلمية التي يقيمون بها الحق، فلا يظلمون، وما المحامون – وعلى ما تقضى به المادة (198) من الدستور، وكذلك المادة الأولى من قانون المحاماة – إلا شركاء للسلطة القضائية، يعينونها على إيصال الحقوق لذويها، بما يقيم لها ميزانها انتصافًا، فلا يكون اجتهادها ونظرها فيه مظنونًا، بل واعيًا بصيرًا.
وحيث إن الفقرة الأولى من المادة (37) من قانون المحاماة المطعون عليها تتضمن أمرين: أولهما: إيجابها أن تكون صحيفة الدعوى – في مرحلتها الاستئنافية – موقعًا عليها من محامٍ مقبول أمام تلك المحاكم. ثانيهما: أن توقيعها من غيره، جزاؤه بطلانها. وكلا الأمرين تستنهضهما مصلحة لها اعتبارها، ذلك إن إعداد صحيفة الدعوى في مرحلتها الاستئنافية من قبل محامين مقيدين أمامها، يتوخى أن يكون عرض وقائعها مستنيرًا، ومساندتها بما يظاهرها من الحقائق القانونية، مبناه دعائم تقيمها، ومفاضلتهم بين بدائل متعددة ترجيحًا لأقواها احتمالاً في مجال كسبها، كذلك فإن الحكم ببطلان هذه الصحيفة لخلوها من توقيع تستكمل به أوضاعها الشكلية، ضمان مباشر لمصلحة موكليهم من جهة، ولضرورة أن تتخذ الخصومة القضائية مسارًا طبيعيًّا يؤمنها من عثراتها، فلا يتفرق جهد قضاتها فيما هو زائد على متطلباتها من جهة، أو قاصر على استيفاء جوانبها وحوائجها، من جهة ثانية، ومن أجل ذلك ألزم النص المطعون فيه من يتقدمون بصحائفهم إلى جهة قضائية بذاتها بإسناد إعداد هذه الصحف إلى محامين تتوافر لهم الخبرة والدراية اللازمة لذلك وتوقيعها منهم كشرط لقبولها، وهو الأمر الوثيق الصلة بتنظيم الحق في التقاضي، وكفالة بناء الخصومة القضائية على أسس تتفق وأحكام القانون، ولذلك كان تقرير البطلان متى تخلف هذا الشرط أمرًا منطقيًّا، وغير متضمن تحميل هذا الحق بضوابط خارجة عنه، أو تعرقل ممارسته، أو تجاوز قدرات من يلوذون به، ومن أجل ذلك أوجب الدستور في المادة (98) منه ضمان حق غير القادرين ماليًّا في الالتجاء إلى القضاء، والدفاع عن حقوقهم من خلال الوسائل التي أوكل إلى القانون تقريرها، وهو ما تضمنته المادة (93) من قانون المحاماة المشار إليه.
وحيث إن حق الشخص في اختيار محامٍ يكون وكيلاً عنه في دعواه، يعكس في الأعم من الأحوال، ما آل إليه تطور النظم القضائية، وما يكتنفها من قواعد معقدة تدق على الكثيرين، وباعتبار أن ما قد يبدو واضحًا في الأذهان لرجال القانون، يكون شائكًا محاطًا بغلالة كثيفة من الغموض بالنسبة لغيرهم، أيًّا كان شكل ثقافتهم أو عمقها وعلى الأخص في مجال تطبيق بعض أفرع القانون، بالنظر إلى تطور أبعادها، وخفاء عديد من جوانبها، فإنه في الآن ذاته تتفاوت قدرات المحامين – في الغالب من الحالات – بقدر خبراتهم العملية، لذلك تطلب المشرع في كل مرحلة قضائية طائفة من المحامين تكون أقدر – من خلال خبراتهم التي اكتسبوها – على مباشرة هذه النوعية من القضايا، وذلك حماية لمصالح المتقاضين وحتى لا يكون دور المحامين شكليًّا أو رمزيًّا، متخاذلاً أو قاصرًا عن أن يقدموا لموكليهم تلك المعونة الفعالة التي يقتضيها صون حقوقهم، وكذلك تكون عونًا للقضاة في الوصول إلى الحقيقة باعتبارهم أحد جناحي العدالة، إذ إن الدفاع وثيق الصلة بالخصومة القضائية من زاوية تجلية جوانبها، وتقويم مسارها ومتابعة إجراءاتها، وعرض حججها بما يكفل تساند دعائمها، والرد على ما يناهضها، وإدارة دفاع مقتدر بيانًا لوجه الحق فيما يكون مهمًّا من المسائل التي تثيرها الخصومة القضائية، وعلى الأخص من خلال المفاضلة بين بدائل متعددة ترجيحًا لأكثرها اتصالاً بها، وأقواها احتمالاً في مجال كسبها، مع دعمها بما يكون منتجًا من الأوراق، ولا يتأتى ذلك إلا إذا كان المحامي في كل مرحلة من مراحل التقاضي على قدر من الخبرة التي تتطلبها تلك المرحلة.
وحيث إن ما تقدم مؤداه أن ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة (37) المطعون عليها يقع في نطاق السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق، بما لا ينال من أصلها أو يقيد محتواها. ذلك أنه يتوخى أن تتوافر للخصومة القضائية عناصر جديتها من خلال محامٍ يكون مهيأً لإعداد صحيفتها، ولذلك رتب المشرع جزاء البطلان بالنسبة للصحيفة التي لا يوقعها محامٍ مقبول أمام محكمة الاستئناف، وهو ما لا يتضمن مصادرة لحق الدفاع أو تقييد لحق التقاضي، ولا مخالفة فيه لنصى المادتين (97، 98) من الدستور
وحيث إن النص المطعون فيه لا يتعارض مع أي حكم آخر في الدستور، فإنه يتعين القضاء برفض الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة برفض الدعوى، وبمصادرة الكفالة، وألزمت المدعى المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً