الفوركس وتجارة الوهم
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
انتشرت الدعايات في مواقع التواصل الاجتماعي وفي المواقع على الشبكة التي تدعو للتجارة من المنزل بأرباح خيالية، عبر التداول عبر الإنترنت في بيع وشراء العملات الأجنبية بُغية التربح من فروقها السعرية (فوركس)، ويقصد بمصطلح الفوركس Forex: الذي هو اختصار لعبارة:
( Foreign Exchange market)، وتعني سوق تبادل العملات الأجنبية.
ولها عدة صور؛ أهمها:
1- أن تكون الشركة لا تأخذ أي عمولة على المعاملات، ولا تأخذ فوائد على التبييت والمارجين… وتمنح هذه الشركة 5 دولارات لكل مشترك جديد من دون أي شروط، لكن عند سحب الأموال يتم خصم 7 دولارات من الرصيد، وذلك في أول عملية سحب فقط، ثم في عمليات السحب المقبلة لا يخصم أي مبلغ.
2- طريقة المشاركة بأن تتاجر الشركة بالمبلغ في السوق الدولي للعملات الفوركس، ويأخذون عمولة 2% سنويًّا على فتح الحساب، إضافة إلى نسبة 20% من الأرباح، بحيث يتعرض صاحب الحساب لما تتعرض له الشركة من الربح والخسارة، ولا يوجد أي نوع من الفوائد في هذا الحساب، ويمكن سحب كامل المبلغ مع الأرباح في أي وقت.
3- (البرامج الاستثمارية ذات الربحية العالية)، أو ما يسمى الهايب بالإنجليزية HYIP، وغالبًا ما تكون في تجارة الفوركس.
ويهمنا في هذا المقام بيان المحاذير الشرعية لتجارة الفوركس، وهي متعددة أهمها:
1- أن الوسيط في سوق الفوركس يقرض العميل:
أ) إما بفائدة، وهذا محرم واضح التحريم.
ب) أو بشرط أن يتعامل في السوق عن طريقه، وهذا من الجمع بين سلف وعقد معاوضة، فهم لا يقرضون مجانًا، وإنما ليشتري العميل ويبيع من خلالهم، فيستفيدوا الفرق، وقد ورد في قرار المجمع الفقهي: “ثانيًا: أن اشتراط الوسيط على العميل أن تكون تجارته عن طريقه، يؤدي إلى الجمع بين سلف ومعاوضة (السمسرة)، وهو في معنى الجمع بين سلف وبيع، المنهي عنه شرعًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل سلف وبيع … )؛ الحديث رواه أبو داود (3 /384)، والترمذي (3 /526)، وقال: حديث حسن صحيح، وهو بهذا يكون قد انتفع من قرضه، وقد اتَّفق الفقهاء على أن كل قرض جر نفعًا، فهو من الربا المحرم، ومثال ذلك طريقة الرافعة المالية بأن يدعم الوسيط المتعامل بالفوركس نظير كل 1000 دولار عنده في الحساب رافعة مالية تصل لـ 100000 دولار؛ أي: إنه يشترط لدعمك وجود مبلغ مسجل في حساب العميل عنده؛ ليكون دعمه للعميل متناسبًا مع ذلك المبلغ، وأنه يأخذ على كل عملية بيع أو شراء نسبة محددة يربحها، وتسمى التعامل بالهامش ( margin trading)، ومعناه إقراض الوسيط للعميل أضعاف المبلغ الذي يفتح به الحساب، فإن ما يأخذه الوسيط من العميل ربا، وما ينتفع به الوسيط من عمليات العميل ربا؛ لأنه ناتج عن منفعة قرضه.
2- أن الوسيط في هذه السوق في حال القرض يقرض ما ليس عنده، والعميل يبيع ما لا يملك، فالمضاربة في العملات في هذه السوق كلها صورية رقمية، فلا الوسيط يملك المبلغ الذي يضعه في حساب العميل، وإنما هو مجرد التزام على الوسيط، ولا العميل يضارب فعلًا، فليس ثمة تسلُّم أو تسليم، إنما تتداول العملات بالأرقام، ولا يحصل التسجيل في الحسابات إلا بعد يومي عمل، وهذا ممنوع لحديث عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ”؛ (رواه أبو داود في سننه برقم (3506))، وفي حديث حكيم بن حزام قال: يا رسول الله، يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق، فقال: “لا تبع ما ليس عندك”؛ (رواه أبو داود في سننه برقم (3503).
وقد قرَّر مجمع الفقه الإسلامي أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة المدة المغتفرة إلا بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
3- أن الشركة التي تتعامل بالفوركس تبيع العملات أو الأثمان، وهي غير داخلة في ضمانها، بل لَمَّا تتملكها بعدُ، وهذا محرم؛ لأن من شروط عقد الصرف أن تكون السلعة المبيعة مملوكة للبائع، وداخلة في ضمانه، والسلعة قد تكون مملوكة للبائع، لكنها ليست في ضمانه، كما إذا لم يكن قبضها من بائعها الأول، ولذا ورد النص بالمنع من الأمرين في حديث ابْنُ عَمْرٍو رضي الله عنه مرفوعًا: “وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ”؛ (رواه أبو داود في سننه برقم (3506))، وعن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال لَمَّا بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة: “نهاه عن شِف ما لم يضمن”؛ (رواه ابن ماجه في سننه رقم (2189))، وقوله: رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اَلْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ”؛ أبو داود في سننه برقم (3510) ص (3 /304).
4- ومن أهم الإشكالات الشرعية في التعامل بالفوركس أن العقد يتضمَّن ما يسمى برسوم التبييت، وهي فائدة مشترطة على المستثمر إذا لم يتصرف في الصفقة في اليوم نفسه، وقد ورد في قرار المجمع الفقهي أولًا: ما اشتملت عليه من الربا الصريح، المتمثل في الزيادة على مبلغ القرض، المسماة (رسوم التبييت) – فهي من الربا المحرم”.
5- عدم حصول القبض في بيع العملات، والذهب والفضة، وهذا من ربا النسيئة، وقد ورد في قرار المجمع: “بيع وشراء العملات يتم غالبًا دون قبض شرعي يجيز التصرف”.
6- الإضرار بالاقتصاد، وقد تضمن قرار المجمع الفقهي ما نصه: “رابعًا: لما تشتمل عليه هذه المعاملة من أضرار اقتصادية على الأطراف المتعاملة، وخصوصًا العميل (المستثمر)، وعلى اقتصاد المجتمع بصفة عامة؛ لأنها تقوم على التوسع في الديون، وعلى المجازفة، وما تشتمل عليه غالبًا من خداع وتضليل وشائعات، واحتكار ونجشٍ، وتقلبات قوية وسريعة للأسعار، بهدف الثراء السريع، والحصول على مدخرات الآخرين بطرق غير مشروعة؛ مما يجعلها من قبيل أكل المال بالباطل، إضافة إلى تحويل الأموال في المجتمع من الأنشطة الاقتصادية الحقيقية المثمرة إلى هذه المجازفات غير المثمرة اقتصاديًّا، وقد تؤدي إلى هزات اقتصادية عنيفة تُلحق بالمجتمع خسائرَ وأضرارًا فادحة”.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً