أثر تواصل أطراف الدعوى مع المحكم أو الخبير
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
ثارت مسألة أثر دفع أحد أطراف الدعوى هدية أو بذله منفعة لأحد أعضاء هيئة التحكيم، أو الخبير الهندسي الذي طلب رأيه في قضية منظورة.
وجواباً على ذلك، فإن بالرجوع إلى المادة الثامنة من نظام مكافحة الرشوة ما يأتي: يعد في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام هذا النظام: المحكم أو الخبير المعين من قبل الحكومة أو أية هيئة لها اختصاص قضائي.
وهذه الفقرة تدل بمنطوقها على أن المحكم المعين من قبل السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة، والمعين من السلطة القضائية سواء في ذلك المحاكم التابعة لوزارة العدل أو ديوان المظالم أو الهيئات التي لها اختصاص قضائي مثل لجان الأوراق المالية ونحوها، داخل في أحكام هذا النظام، ويأخذ حكم الموظف العام. وكذلك الخبير فيما سبق.
كما تدل بمفهومها على أن المحكم أو الخبير في غير تلك الحالين، لا يدخل في أحكام هذا النظام، وإن كانت تنطبق عليه أحكام التعزير المطلقة، والتي يقدرها القاضي في المحكمة العامة التابعة لوزارة العدل، وهو الرأي الراجح من كلام القانونيين، وقد ذهب بعضهم إلى إعمال مقصود المنظم وهو الحد من الفساد بدخول المحكم والخبير في هذه الجريمة ولو كان معينا من غير جهات حكومية[1]، وقد أجيب عن هذا الرأي بأن القواعد العامة في القانون الجنائي تقضي بعدم جواز القياس على النصوص الجنائية أو التوسع في تفسيرها باعتبارها أصلا قواعد استثنائية[2]، وقد وافق القانون الشريعة الإسلامية في منع القياس في المقدرات، على خلاف بين الأصوليين في التفاصيل.
وقد انتقد بعض الشراح إيراد هذا البند، وأنه كان يمكن الاكتفاء بعبارة: “كل شخص مكلف بخدمة عمومية”[3]، وهو انتقاد في محله.
ومن المناسب تعريف المحكم والخبير، فيما يأتي.
فالمحكَّم بفتح الكاف وتشديدها اسم مفعول من الفعل الماضي: حكّم، يقال: حكمه في الأمر تحكيما أي أمره أن يحكم فيه[4]. وأما في الاصطلاح الفقهي فقد اختلفت تعريفات الفقهاء تبعا لاختلافهم في شروط التحكيم، فعرف الحنفية والمالكية التحكيم بأنه تولية الخصمين حاكما يحكم بينهما[5]، وأما الشافعية والحنابلة فقيدوا المحكم بأن يكون صالحا للقضاء[6]، مع ملاحظة أن الحنفية يوافقونهم في هذا القيد وإن لم يذكروه في التعريف[7]. وأما المالكية والإمام ابن تيمية فرأوا أن المحكم وكيل، فله حكم الوكالة، ولذا فلا يشترط فيه شروط القاضي[8]. ولم يتم تعريف المحكم في النظام السعودي، وإنما عرف اتفاق التحكيم، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة الأولى من نظام التحكيم السعودي الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم: (م / ٣٤) وتاريخ: ٢٤ / ٥ / ١٤٣٣ هـ على ما يأتي: ” اتفاق التحكيم: هو اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقةنظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سواءً أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد، أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة “.
وأما في النظام السعودي، فقد اشترط نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم: (م / ٣٤) وتاريخ: ٢٤/ ٥/ ١٤٣٣هـ في المادة الرابعة عشرة في المحكم أن يكونأن يكون كامل الأهلية. وأن يكون حسن السيرة والسلوك، وأن يكون حاصلاً على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية، وإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم فيكتفى توافر هذا الشرط في رئيسها. ويقترح اشتراط الإلمام بالأنظمة المتعلقة بالقضية محل التحكيم فهو الأجود، لأن المحكم في قضية عمالية ليس بحاجة إلى الإلمام بالأنظمة التجارية[9].
وأما الخبير في اللغة العالم بالشيء[10]، والخبرة في الاصطلاح القضائي: الإخبار عن وقوع المتنازع فيه من قبل مختص به، على وجه يظهر حقيقة أمره[11]، ومع أن رأي الخبير للاستئناس فقط[12]، إلا أن على القاضي أن لا يترك رأي الخبير إلا لمسوغ شرعي[13]، ولذا فرأيه له اعتباره، ويمكن أن يؤثر في القضية ويحورها لصالح أحد المتقاضيين، ولذا رأى المنظم دخول الخبير في أحكام نظام مكافحة الرشوة.
[1] وهو ما أخذ به المقنن الفرنسي في قانون العقوبات الفرنسي – المادة 177، عن جريمة الرشوة في النظام السعودي لأسامة نور ص 42، وذهب إليه بعض القانونيين العرب كما في جريمة الرشوة والتزوير للدكتور رأي عبدالفتاح خضر ص 153.
[2]جريمة الرشوة في النظام السعودي لأسامة نور ص 43، وهو رأي أكثر القانونيين، انظر مثلا: جريمة الرشوة والتزوير للدكتور رأي عبدالفتاح خضر ص 153.
[3] جرائم التعزير المنظمة في المملكة العربية السعودية للدكتور فترح الشاذلي ص 38.
[4] القاموس المحيط -رسم حكم.
[5] الدر المختار 4/ 347، والتاج والإكليل 6/ 112 عن التحكيم في الشريعة الإسلامية للشيخ عبدالله ابن خنين ص 27.
[6] منهاج الطالبين ص 148، والمغني 11/ 483، عن التحكيم في الشريعة الإسلامية للشيخ عبدالله ابن خنين ص 28.
[7] حاشية ابن عابدين 4/ 348.
[8] المنتقى للباجي 5/ 228، والاختيارات للبعلي ص 336عن التحكيم في الشريعة الإسلامية للشيخ عبدالله ابن خنين ص 56.
[9] التحكيم في المملكة العربية السعودية ص 146.
[10] المصباح المنير 1/ 162.
[11] توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية 1/ 310، وسائل الإثبات للزحيلي ص 594.
[12] نظام المرافعات السعودي، المادة رقم 134.
[13] الكاشف في شرح نظام المرافعات 2/ 34، والفقرة الأولى للمادة رقم 134 من اللائحة التنفيذية لنظام المرافعات.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً