الخلع في التشريع المغربي
الخلع أو الطلاق الخلعي
الأصل ان الزواج ميثاق شرعي بين الرجل والمرأة على وجه الدوام بهدف الإحصان والعفاف لكن قد تنافر القلوب لدرجة يستحيل معها استمرار الحياة الزوجية مما يفسح المجال أمام خيار حل عقد النكاح فإذا كان التنافر من جهة الزوج فبيده إنهاء العلاقة الزوجية عن طريق الطلاق الرجعي ، أما إذا كانت الكراهية من جهة الزوجة فإن الإسلام قد أباح لها التخلص من العلاقة الزوجية من خلال الخلع، خصوصا إن كانت الكراهية تتمثل في سوء خلق الزوج كأن يكون سريع الغضب حاد المزاج أو لنقص في طبعه او لضعف في دينه أو لبخله أو لأنه تزوج عليها ونار الغيرة تأكلها، أو أنه يضر بها وصعب عليها إثبات هذا الضرر أمام القاضي ، وأيا كانت الأسباب الداعية إلى كراهية الزوجة لزوجها الاهم أنها أصبحت لا تطيق العيش معه وتريد الانفصال عنه لأنها تخاف ألا تقيم حدود الله ولكل هذا فتح الإسلام الباب أمام النساء من أجل التخلص من حياتهن التعيسة وذلك عن طريق الخلع.
والخلع في اللغة بفتح الخاء هو النزع والإزالة فيقال خلع فلان توبه وبضم الخاء طلاق المرأة مقابل عوض تلتزم به [1] والخلع الذي أباحه الإسلام مأخوذ من خلع الثوب إذا أزاله لأن المرأة لباس الرجل والرجل لباس المرأة لقوله تعالى:{ هن لباس لكم وانتم لباس لهن } [2] وذكر أبو بكر بن دريد في أمالية:” أن أول خلع كان ابن عمرا بن الظرب زوج بنت الابن أخيه عامر بن فراق اهلك ومالك فلما دخلت عليه نفرت منه فشكى إلى أبيها فقال: لا أجمع فراق أهلك ومالك وقد خلعتها منك بما أعطيتها [3] ، عزم العلماء أن هذا أول خلع في العرب ويسمى الفداء لأن المرأة تفتدي نفسها بما تبذله لزوجها، أما عند الفقهاء فهو أن يتفق الرجل والمرأة على الطلاق مقابل مال تدفعه الزوجة لزوجها، لا يتجاوز ما دفعه إليها من صداق ولا فرق في إيجاب الخلع أن يكونمن قبل الزوج أو من قبل الزوجة غير أن الفرقة لا تقع إلا بعد القبول لأن لا تقع إلا بعد القبول لان الخلع عقد على الطلاق بعوض ولا تستحق العروض بدون قبول وروى المحدثون أن جميلة بنت سهل امرأت ثابت بن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:” يا رسول الله لا أنا ولا ثابت ولا مالا أعطاني وسألته أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها فقال خد الحديقة وطلقها تطليقة “[4].
وقد عرفه الحنفية بقولهم:” الخلع هو إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع او بما في معناه نظي عوض تلتزم به الزوجة “[5]
أما عند المالكية فالخلع هو “عقد معاوضة من خلاله تملك الزوجة نفسها يملك به الزوج العوض نتيجة توقف متعة الزوج [6]
ويتبين مما سبق أن الخلع هو أن يطلق الزوج زوجته بناء على رغبتها بعد أن تدفعه له فدية مقابل هذا الطلاق قال تعالى:” فيما افتدت به “[7] والفدية هو العوض الذي تبدله المرأة للزوج كي يطلق سراحها وكل ما يصلح أن يكون مهرا يصلح فدية وكل ملا يصلح أن يكون مهرا لا يصلح أن يكون فدية والفدية يجوز أن تكون بمقدرا المهر او أقل منه أو أكثر بإجماع الفقهاء ، والنص حيث قال الإمام الصادق:” يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير ” والفدية جائزة شرعا بسند صحيح لقوله تعالى:” فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله “[8]
وللخلع ألفاظ تميزه حيث يرى الفقهاء أنه لابد في الخلع أن يكون بلفظ الخلع أو بلفظ مشتق منه أو لفظ يؤدي معناه لكن إذا قالت انت طالق في مقابل كذا . وقبلت كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا ، وناقش ابن القيم هذا الرأي فقال:” ومن نظر إلى حقائق العقود ومقاصدها دون ألفاظها يعد الخلع فسحا بأي لفظ كان وحتى بلفظ الطلاق [9]
ثم قال ابن تيمية:” ومن اعتبر الألفاظ ووقف معها واعتبرها في أحكام العقود جملة بلفظاالطلاق طلاقا: ومما يدل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثابت بن قيس أن يطلق امرأته في الخلع تطليقة وهذا صريح في أله فسخ ولو وقع بلفظ الطلاق كما أن الله سبحانه وتعالى علق عليه أحكام الفدية بكونه فدية ومعلوم أن الفدية لا تختص بلفظ ولم يعين الله سبحانه وتعالى لها لفظ معينا ومن شروط الخلع أن تكون الزوجة التي تيرد أن تخلع زوجها المرتبطة به بعقد شرعي . أما إذا كانت الرابطة الزوجية فاسدة فلا يقع الخلع ، بالإضافة إلى استعمالها للفظ الخلع أي أن تقول لزوجها قولا عماده لفظ خالعني او إني اختلع منك أو أريدك أن تخالعني كما يجب أن يكون الخلع على مبلغ من المال تقدمه الزوجة لزوجها فيقع الخلع وإذا لم يقبل ما قدمته فإن الأمر يرفع إلى القاضي حتى يقدر مبلغ الخلع وهناك شروط أخرى اوردها الفقه الإسلامي تخص كل من الزوجة والزوج كأن يكون الزوج أهلا لإيقاع الطلاق بمعنى بالغا ومتمتعا بقواة العقلية وفي حالة غياب أهلية التصرف عند الزوج ينوب عنه وليه الشرعي ، أما بالنسبة للزوجة فيجب أن تكون متمتعة باهلية التبرع وخلاصة القول أن شروط الخلع تتمثل فيما يلي:
1- أن يوقعه متزوج يصح طلاقه
2- أن يكون على عوض ولو مجهولا ممن يصح تملكه
3- أن لا يقع بلفظ الطلاق بل بصيغته الموضوعة له وإلا فإنه لا يكون طلاق خلع بل يكون في وضعية قانونية اخرى [10]
4- أن يقع منجرا
5- 5-أن لا ينوي به الطلاق
أما من الناحية القانونية فالخلع في طبيعته عقد ثنائي الطرف لأنه يقوم على اتفاق بين الزوج والزوجة على أن تدفع له هذه الأخيرة مبلغا من المال لقاء طلاقها ويتم ذلك بإيجاب وقبول يشترط فيه ما يشترط في إنشاء الطلاق بالنسبة للزوج وما يشترط في عقود المعاوضة بالنسبة لكليهما ومن هنا فالتكيف القانوني للخلع أنه كالطلاق على مال [11]، وهو يعتبر يمينا في جانب الزوج ويعتبر معاوضة لها شبه بالتبرع من جانب الزوج. وقد دل الحديد على أن المرأة إذا كرهت زوجها أو خافت ألا تقيم حدود الله فلا حرج عليها أن تفتدي نفسها. أما إذا لم يكن هناك سبب لطلب الخلع فإنه يكره للزوجة أن تطلبه لقوله صلى الله عليه وسلم:” إيما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة” . لكن إذا قلنا أن الخلع هو الطلاق رضائي لا يجب الخلط بينه وبين الطلاق الاتفاقي لأن الخلع طلاق بعوض بينما الطلاق الاتفاقي لا يكون بعوض
وطلاق الخلع له آثار تميزه تتمثل فيما يلي:
1- يقع الطلاق بائن عند جمهور الفقهاء ط
2- لزوم المال المسمى بوجوبه بالتزامها ما لم تكن محجور عليها أو مكروهة
3- يسقط الخلع حقوق الزوجة من مؤخر الصداق والنفقة الواجبة إلا إذا كانت حاملا أما المشرع المغربي فقد نص على طلاق الخلع من المادة 115 إلى المادة 12 حيث اعتبر الخلع عقد يتم بتراضي الزوجين موضوعه الرئيسي هو الخلع نظير بدل تدفعه الزوجة للزوج [12] ومنح الزوجة حق استرجاع ما خلعت به نفسه إذا أتبتت أن خلعها لزوجها كان نتيجة إكراه او ضرر من الزوج وهنا ينفذ الطلاق ولا ينفذ الخلع [13]
وقد اشترط المشرع في الخلع الشروط التالية حق يقع صحيحا:
1- وجود عقد زواج صحيح
2- أن يكون الزوج كامل الاهلية
3- أن تكون الزوجة كاملة الأهلية
4- أن يكون العوض مما يصح تملكه او بعبارة أخرى أن يصح الالتزام به شرعا[14]
وإذا توفرت هذه الشروط والتفق الزوجين على مبدأ الطلاق بالخلع واختلفا في مقداره فإن الأمر يتم رفعه إلى المحكمة التي تراعي مصلحتهما عند تقدير بدل الخلع[15] وفي حالة إصرار الزوجة على الخلع ورفض الزوج طلبها فإنه يتم اللجوء للتشاور وبما أن مدونة الأسرة جاءت من أجل حماية الأسرة بالدرجة الأولى وحماية الطفل في الدرجة الثانية فإن المشرع منع ان يتم الخلع بشيء تعلق به حق الأطفال كأن تتنازل الأم المعسرة عن نفقتهم أما إذا كانت الام قد خلعت بنفقة أطفالها عندما كانت ميسورة تم أعسرت فإن الأب في هذه الحالة يكون ملزما بالنفقة مع احتفاظه بحقه في الرجوع على زوجته فيما التزمت به في حالة يسرها [16].
وفي الأخير نشير إلى أن الراشدة تخالع عن نفسها في حين أن غير الراشدة لا تلزم ببدل الخلع إلا بموافقة نائبها الشرعي [17]
من خلال قراءتنا للأحكام التي صدرت عن المحاكم المغربية لجهة مكناس تافيلالت سنة 2004 – 2005 لاحظنا بأن أغلب النساء كن يلجأن إلى مسطرة الطلاق الخلعي من أجل حل ميثاق الزوجية بذل اللجوء إلى مساطر أخرى تعتبر بالنسبة لهن أفضل وأضمن لحقوقهن والأمر ربما راجع بالأساس إلى جهلهن بذلك خصوصا أن مدونة الأسرة كانت غير مفهومة حينئداك من طرف العديد من الأطر فمابالك بالناس العاديين ، هذا من جهة، ومن جهة اخرى الطلاق الخلعي الذي جاءت به المدونة الجديدة يعتبر اكثر ضمانا لحقوق المرأة مما كان عليه الأمر في مدونة الأحوال الشخصية القديمة.
كما أننا استطعنا أن نعرف من بعض السادة القضاة الذين سمحت لنا الفرصة بإجراء بعض المناقشات معهم أن نسبة الطلاق الخلعي ارتفعت مقارنة مع طلاق الرجعي، وبالتالي لا نتسطيع تحميل الزوج وحده مسؤولية إنهاء العلاقة الزوجية كما لا نستطيع تحميله وحده المشاكل الاجتماعية الناتجة عن انحلال ميثاق الزوجية.
كما اننا لا حظنا ان كل محاولات الصلح التي تجريها المحكمة تبوء بالفشل حيث لم نستطع الحصول ولا على حكم واحد تم فيه إصلاح ذات البين بين الزوجين الراغبين في إنهاء العلاقة الزوجية عن طريق الخلع، وهنا نطرح السؤال التالي: ما جدوى إجراء محاولات إصلاح ذات البين ، إذا كنا نعلم مسبقا أنها سوف تبوء بالفشل ؟
وفي الأخير نشير إلى أننا لم نلمس أي اجتهاد قضائي بهذا الخصوص حيث اقتصر السادة القضاة على منطوق النص ولم يثم رفض أي طلب بالخلع بستنثاء واحد تخلفت فيه الزوجة عن حضور محاولة الصلح مما تعذر معه استمرار إجراءات الطلاق الخلعي .
لم يكن ثمة بمدونة الأحوال الشخصية السابقة أي نص تشريعي يشير صراحة أو ضمنا إلى حل ميثاق الزوجية بتراضي الطرفين . أما يصطلح على تسمية بالطلاق الاتفاقي بل كانت المبادرة تأتي دائما من الزوج او من طرف وكيله أو من فوض له ذلك طبقا للقانون واستثناء للمرأة متى ملكت هذا الحق مع العلم أن العديد من التشريعات العربية المقارنة كانت تتبنى هذا النوع من الطلاق وقننته صراحة ضمن قانونها الشرعي كما هو الشأن بالنسبة للمادة 48 من مجلة الأحوال الشخصة الجزائرية والتي نصت على أنه:” يتم الطلاق بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين ”
وفي الفقرة الأخيرة من المادة 31 من قانون الأسرة التونسي:” يوافق القاضي على الطلاق بالتراضي … ” [18]
والواقع ان الطلاق الاتفاقي يشكل نتيجة طبيعية لإدارة الزوجين في وضع حد لعلاقتهما الزوجية دون شجار أو مزايدة بل إن هذا النوع من الطلاق يعتبر البديل النموذجي والحضاري لظاهرة التصادم والمواجهة في أثناء حل ميثاق الزوجية وينقسم الطلاق الاتفاقي المقرر بمقتضى قانون الأسرة الجديد إلى نوعين:
1- الطلاق الاتفاقي في المجرد: وهو الذي يلجأ إليه الزوجان باتفاقهما دون أن يعلقاه على شروط محددة
2- الطلاق الاتفاقي المقيد: وهو الذي يقيده طرفاه بشرط واحد او أكثر يتعين وجوبا ان لا يتنافى مع النظام العام أو الأحكام المنظمة لمدونة الأسرة وأن لا يكون له أية تبعات سلبية على مصالح الأبناء وحقوقهما المكتسبة .
غير أن الطلاق الاتفاقي وإن كان يستند أساسا على الرغبة الإرادية لطرفيه اللذين يستقبلان بتقدير دوافعه وموجبات إيقاعه فإن ذلك لا يجرد بأي حال من الأحوال المؤسسة القضائية من أحقية فرض الرقابة عليه، كما لا يعفي المحكمة من القيام بمحاولة إصلاح ذات البين بين الطرفين وفي هذا الصدد يتقدم الزوجان أو أحدهما بطلب إيقاع الطلاق الاتفاقي إلى المحكمة المختصة مصحوبا بعريضة الاتفاق للإذن بتوتيقه وتحاول هذه الأخيرة إجراء محاولة الإصلاح بين الزوجين حسب المواد
وفي حالة تعدر ذلك فإن المحكمة تأذن بالاشهاد على الطلاق الاتفاقي كما تأذن بتوتيقه [19]
ورغم أن طلاق الاتفاقي يعتبر من جديد المدونة ولم يكن معروفا من قبل في المدونة السابقة إلا أنه عرف إقبالا ملحوظا من طرف الازواج وربما ذلك عائد بالأساس إلى رغبة الزوجين في عدم أدية مشاعر أطفالهم من جهة ، ومن جهة ثانية في رغبتها في إنهاء العلاقة الزوجية بطريقة حضارية .
أما من الناحية تطبيق المواد التي جاءت منظمة النوع من الطلاق فإن الملاحظ أن سادة القضاة عملوا على التزام بنص المواد حيث عمل كل القضاة في جميع الأحكام التي بين أيدينا على انتداب حكمين من أجل إصلاح ذات البين بين الزوجين فإن فشل الصلح فإن القضية يتم التداول فيها وإصدار حكم نهائي داخل الأجل المحدد قانونا أما في حالة حصول صلح فإن المحكمة تقوم بإثبات ذلك حسب ما نصت عليه المدونة أما إذا تخلف أحد الزوجين حضور جلسة الصلح التي تجريها المحكمة في غرفة المشورة فإن المحكمة تعرض عن الطلب وتعتبر أن هذا التخلف بمثابة تراجع عن الطلب من جهته، وبالتالي لا يمكننا الحديث عن أي اجتهاد قضائي.
اترك تعليقاً