مقال قانوني حول الحوكمة في نظام المشتريات والمنافسات السعودي
معظم الدول التي يشكل الإنفاق العام فيها أهمية كبيرة تأتي التشريعات لتحدد كيف سيتم الإنفاق وعلى ماذا، وهذا يعزز الاستخدام الكفؤ للموارد، ويعزز المساءلة عن إدارتها، وفي نهاية المسار تتحسن الخدمات، وبالتالي حياة الناس.
لكن التشريعات الخالية من إطار مرجعي للحوكمة الفاعلة تأتي خالية من أي ضغوط لتحسين أداء القطاع العام، والتصدي للفساد وتحسن الإدارة. ذلك أن قواعد الحوكمة تهتم بمسائل من قبيل ما إذا كانت النتائج المخطط لها قد حققت، وأن تحقيق هذه النتائج تم على نحو كفؤ واقتصادي وفاعل، وبطريقة منصفة، فالغرض من الحوكمة ضمان وجود ترتيبات كافية للتأكد من أن النتائج المرجوة تحققت.
في ضوء هذا نتفهم لماذا كان لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الذي أقره مجلس الوزراء قبل عدة أشهر صدى إعلامي وعالمي واسع وكان له أثره البالغ في المؤشرات العالمية وأيضا في تقارير صندوق النقد وتقارير التنافسية العالمية، فالمشروع يعتمد على عدة مفاهيم أساسية من مفاهيم الحوكمة ليس أقلها الشفافية والمساءلة، وبالأمس القريب اعتمد وزير المالية اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية الجديد، التي ستدخل حيز التنفيذ ابتداء من مطلع الشهر المقبل، لتصبح أحكامها نافذة على جميع الجهات الحكومية، إضافة إلى الشركات التي تقوم بالأعمال نيابة عن الجهات الحكومية. وهذه الخطوة المهمة تأتي استكمالا للنظام وتعزيز المفاهيم كافة التي ارتكز عليها منهج الحوكمة الجديد بإشراف مباشر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم.
فاللائحة الجديدة تمعن في تفصيل هذه المفاهيم وتضع الآليات الضامنة لتحقيقها، ومن أهمها النزاهة والشفافية كما أشرنا، فأطر الحوكمة تعنى بهذه المسألة جدا، لكنها تتطلب دائما ضمان وجود الآليات لتحقيقها وليس مجرد وضعها في خطابات، واللائحة الجديدة تراعي هذا جيدا وتعمل على تعزيزه بعدة طرق، من أبرزها استحداث آليات ولجان للنظر في الشكاوى والتظلمات وحل النزاعات، إضافة إلى أتمتة العملية الشرائية الحكومية على البوابة الإلكترونية الموحدة “اعتماد” خلال جميع مراحلها، ابتداء بالطرح ومرورا بالترسية وانتهاء بالتعاقد.
وإذا كانت الحوكمة تهتم جذريا بمسألة الأثر للتشريع وليس التشريع بذاته، فإن نظام المنافسات والمشتريات الجديد شدد على مسألة تعزيز المحتوى المحلي في العقود الحكومية، ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة المحلية بشكل أساس، وهذه هي النتيجة التي ستدعم في اللائحة من خلال تفضيل المنتج الوطني وإعطائه الأولوية، ومنح المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأولوية في بعض المنافسات ويعفيها من تقديم الضمان الابتدائي، ويشجع النظام الشركات العائلية على الإدراج في السوق المالية للمحافظة عليها وحماية مستقبلها، وتطوير مساهمتها في الناتج المحلي. في مسار الأهداف الاقتصادية الكلية يأتي هدف تعزيز الاستثمار الأجنبي وتوطين الصناعة ونقل المعرفة، وهذا يتحقق في النظام واللائحة من خلال آليات تلبي احتياجات المقاولين والمتعهدين الخارجيين، إذ وضعت آلية واضحة لتعديل أسعار العقود والتعويض في حال ارتفاع أسعار المواد الأولية أو الرسوم الجمركية أو الضرائب أو في حال مواجهة المتعاقد صعوبات مادية لم يكن بالإمكان توقعها أثناء تنفيذ العقد، كما أعطيت الجهة الحكومية الحق في صرف الدفعات مباشرة للمقاولين والموردين من الباطن وفق ضوابط محددة.
ورغم أن المحتوى المحلي وتشجيع المنشآت الصغيرة والاستثمار الأجنبي وتوافر فرص العمل تعد أهدافا اقتصادية كلية، فإن الأهداف الجزئية تظل مهمة، وأهمها على الإطلاق ضمان جودة التنفيذ، هنا تجد أن اللائحة تستحدث آلية تقييم للمتعاقدين، والتأهيلين المسبق واللاحق، وضوابط التعاقد من الباطن، إضافة إلى آليات تأمين الجهات الحكومية مشترياتها من خلال عدد من أساليب التعاقد المستحدثة، وتشمل الاتفاقيات الإطارية، والمزايدة العكسية الإلكترونية، والمنافسة على مرحلتين، وتوطين الصناعة ونقل المعرفة، والمسابقة، التي تؤدي بدورها إلى تحقيق أفضل قيمة للمال العام.
هذه القراءة السريعة لنظام المشتريات والمنافسات الحكومية ولائحته التنفيذية تؤكد أن قواعد الحوكمة الجيدة بما تضمنه من تحقيق أفضل قيمة في مقابل المال، تحققت في هذه التشريعات، وبالتالي فإن النظام الجديد ولائحته سيحققان كثيرا من النتائج المرجوة لأصحاب المصلحة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً