اضاءات حول إساءة استعمال حق التقاضي – القانون المصري
تنص المادة الرابعة من القانون المدني على أنه:
“من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر”.
وتنص المادة الخامسة من ذات القانون على أنه:
“يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:
أ. إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير.
ب. إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها.
ت. إذا كانت المصالح التي يرمي إلي تحقيقها غير مشروعة”.
والأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق ليس هو إلا المسئولية التقصيرية، إذ التعسف في استعمال الحق خطأ يوجب التعويض في حالة توافر حالاته، والخطأ هنا لا بد أن يأخذ أحد ثلاثة أشكال أو صور هي: إما قصد الإضرار بالغير – وإما رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً – وإما عدم مشروعية المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها.
فمن المُقرر في قضاء النقض أن:
“يدل نص المادة الخامسة من القانون المدنى على أن مناط التعسف فى استعمال الحق الذى يجعله محظوراً باعتباره استعمالاً غير مشروع له هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر فى المادة الخامسة سالفة الذكر والتي تدور كلها حول قصد صاحب الحق من استعماله لحقه أو مدى أهمية أو مشروعية المصالح التى يهدف إلى تحقيقها وذلك دون نظر إلى مسلك خصمه إزاء هذا الحق”.
(نقض مدني في الطعن رقم 1244 لسنة 54 قضائية – جلسة 4/4/1985 مجموعة المكتب الفني – السنة 36 – صـ 545 – فقرة 2).
وعلى المُدعي المضرور أن يثبت جميع عناصر المسئولية التقصيرية من خطأ وضرر وعلاقة سببية، وفي حالة الخطأ الذي يأخذ صورة أو شكل قصد الإضرار بالغير ينبغي على المضرور أن يثبت أن صاحب الحق وهو يستعمل حقه قصد إلحاق الضرر به.
وجميع تلك الصور أو الأشكال الثلاثة للخطأ في نظرية التعسف في استعمال الحق غير متوافرة ولا متحققة في حالة دعوانا الماثلة، لكون اللجوء إلى القضاء حق دستوري كفله الدستور..
حيث تنص المادة (68) من الدستور على أن: “التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين وسرعة الفصل في القضايا. ويحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء”.
كما تنص المادة (69) من الدستور على أن:
“حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول. ويكفل القانون لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم”.
كما أن ولوج طريق القضاء بغية الحصول على حق يعتقد المدعي أنه له مسألة لا تثريب عليه فيها لكون الإدعاء هنا بقصد الحصول على مصلحة مشروعة وليست بقصد الإضرار بالمدعى عليه وهذه المصلحة المشروعة ترجح الضرر الذي يلحق بالمدعى عليه رجحاناً كبيراً، كما أن المدعي في الدعوى الماثلة لم يثبت حالات توافر صور وأشكال الخطأ في مجال التعسف في استعمال الحق، أما اللجوء للقضاء (الذي يعيبه المدعي في الدعوى الماثلة على الهيئة المدعى عليها) فهو حق مكفول لها طبقاً للقواعد القانونية سالفة الذكر. مع ملاحظة أن الحق في الدعوى مُستقل عن الحق الموضوعي، فالحق في الدعوى ليس هو ذات الحق الموضوعي ولا هو عنصراً فيه.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه لا يجوز التعويض عن استعمال حق التقاضي أو تنفيذ أحكام القضاء، لأنه من المقرر في قضاء محكمة النقض أن: “حق الالتجاء إلي القضاء من الحقوق المكفولة للكافة فلا يكون من استعمله مسئولاً عما ينشأ من استعماله من ضرر للغير إلا إذا انحرف بهذا الحق عما وضع له واستعماله استعمالاً كيدياً ابتغاء مضارة الغير. وأن وصف محكمة الموضوع للأفعال المؤسس عليها طلب التعويض بأنها خطأ أو ليست كذلك هو من المسائل التي تخضع لرقابة محكمة النقض”.
(نقض مدني في الطعن رقم 209 لسنة 47 قضائية – جلسة 28/1/1981 مجموعة المكتب الفني – السنة 32 – صـ 394).
كما قضت محكمة النقض أنه: “لما كانت المادتان الرابعة والخامسة من التقنين المدني قد نصتا على أن من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما لا يتحقق إلا بانتفاء كل مصلحة من استعمال الحق، وكان حقا التقاضي والدفاع من الحقوق المُباحة ولا يُسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو زوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت انحرافه عن الحق المباح إلى اللدد في الخصومة والعنت مع وضوح الحق ابتغاء الإضرار بالخصم، فإن الحكم المطعون فيه وقد اقتصر في نسبة الخطأ إلى الطاعن إلى ما لا يكفي لإثبات انحرافه عن حقه المكفول في التقاضي والدفاع إلى الكيد والعنت واللدد في الخصومة، يكون فضلاً عما شابه من القصور قد أخطأ في تطبيق القانون”.
(نقض مدني جلسة 28 مارس 1977 مجموعة أحكام النقض – السنة 28 – رقم 144 – صـ 128).
كما أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “الأصل حسبما تقضى به المادة 4 من القانون المدني من أن: “من استعمال حقه استعمالا مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر”، باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق في جلب المنفعة المشروعة التي ينتجها له هذا الحق، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل، وأوردت المادة 5 من ذلك القانون حالاته بقولها “يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية (أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير (ب) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها (ج) إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة” و ذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير أخلاقي لإلحاق الضرر بالغير، وكان يبين من استقرار تلك الصور أنه يجمعه بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابي بتعمد السعي إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبي بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير ضرر فادح من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالا هو الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدي، وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين مصلحة المبتغاة في هذه الصورة الخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب”.
(نقض مدني في الطعن رقم 108 لسنة 45 قضائية – جلسة 26/1/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 – صـ 297).
ومن المُقرر في قضاء النقض كذلك أنه: “من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن استخلاص الخطأ الموجب للمسئولية مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الاستخلاص سائغاً ومستمداً من عناصر تؤدى إليه من وقائع الدعوى إلا أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه من المسائل التي يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض وأن رقابة المحكمة الأخيرة تمتد إلى تقدير الوقائع فيما يستلزمه التحقق من صحة استخلاص الخطأ من تلك الوقائع والظروف التي كان لها أثر في تقدير الخطأ واستخلاصه”.
(نقض مدني في الطعن رقم 979 لسنة 47 قضائية – جلسة 27/3/1980 مجموعة المكتب الفني – السنة 31 – فقرة 3 – صـ 930).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً