تفاصيل قانونية حول الحيازة الاستحقاقية بالقانون المغربي
الحيازة تملك المباحات، كالأراضي الموات عن طريق استصلاحها وزراعتها ، والحيوانات الغير مملوكة عن طريق اصطيادها وتربيتها ، وهي مشروعة بالسنة والإجماع ، أما السنة فمن خلال الحديث الذي روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي (ص) قال :العباد عباد الله ،والبلاد بلاد الله ،فمن أحيا من موات الأرض شيئا فهو له ،وليس لعرق ظالم حق . وأما الإجماع ، فقد أجمع علماء الأمة على جواز الحيازة .
يقول الناظم :
من حاز شيئا فله المتاع – دليلنا السنة والإجماع
و الحيازة في اللغة هي الضم والسيطرة، فيقول جاز الشيء إذا ضمه إليه وسيطر عليه، وفي الإصطلاح الفقهي، السيطرة الفعلية أو القانونية على مال منقول أو عقار أو حق عيني كحق المرور وحق ارتفاق وحق الانتفاع ، والحيازة نوعان: حيازة استحقاق وحيازة تصرف.
فحيازة الاستحقاق أو الحيازة الاستحقاقية هي الحيازة التي يستحق بها الحائز ملكية الشيء المحوز، ويملكه بها عند تمام شروطها، وتتطلب توفر عنصران، عنصر معنوي، هو نية تملك الحائز للشيء المحوز، وعنصر مادي وهو السيطرة الفعلية على الشيء المحوز .
أما حيازة التصرف أو الحيازة التصرفية فهي الحيازة العرضية أو الحيازة المادية التي تعطي للشخص حق الانتفاع بالشيء المحوز دون نية تملكه له ، أي أن تكون حيازته على الشيء من يد الغير المعروف بمقابل كالكراء أو بدونه، على شرط أن يبقى المالك مالكا للعقار المحوز ولا تملكه الحائز بهده الحيازة ولو طالت، إلا أن مايهمنا في هذا الموضوع هو الحديث عن الحيازة الإستحقاقية نظرا لأهميتها .
وقد نظم المشرع المغربي الحيازة الإستحقاقية في المواد من 239 إلى 257 من مدونة الحقوق العينية ، على نحو يدل على مدى أهميتها ، بالنظر للحقوق العينية الأصلية والتبعية على حد سواء ، وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة الثالثة من نفس المدونة على أن : يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية ملكية الحائز للعقار الغير محفظ أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس .
وإنه بالنظر إلى المواد أعلاه نجد المشرع قد عمل في صياغته لمواد مدونة الحقوق العينية على تجميع الأحكام الفقهية في هذا الباب وحسنا فعل ، كذلك على مستوى منهجية المدونة حيث جعلها مسيرة للدارس حتى ينهل منها .
ونجد أن المشرع المغربي قد اهتم بشكل كبير بالحيازة الإستحقاقية أو المكسبة للملك ، و اعتد بالحيازة في حد ذاتها متى توافرت لها الشروط التي تطلبها ، وأوجب حمايتها مدنيا وجنائيا ، ولو ادعى الغير بملكيته للعين محل الحيازة ، وجعل منها قرينة على ملكية الحائز للعين التي في حيازته ، وان كانت قرينة قانونية بسيطة إلا أن الحائز يستفيد منها إذ لا يتحمل عبء إثبات ملكيته التي تشهد القرينة بها وإنما يلقي بعبء الإثبات على خصم الحائز .
و يعتبر حائزا من تكون له السيطرة الفعلية على شيء معين كمن يحوز عقارا معينا كما يصح ان ترد الحيازة على حق آخر غير حق الملكية كحق الانتفاع ويشترط ان يكون موضوع الحيازة من الاشياء الداخلة في دائرة التعامل.
ونظرا لأهمية الحيازة الإستحقاقية وما يترتب عليها من آثار قانونية سوف نتطرق في هذا العرض الى أحكامها العامة من خلال بيان تعريفها وشروطها ، وكذا إلى أحكامها الخاصة من خلال توضيح كيفية كسب الحيازة وكذا انتقالها وأخيرا زوال الحيازة .
وسنتعرض الى هذه المواضيع على التقسيم التالي:
المحور الأول : الأحكام العـامــة للحيازة الإستحقاقية
المحور الثاني : الأحكام الخاصة للحيازة الإستحقاقية
المحور الأول: الأحكام العامة للحيازة الإستحقاقية
إن الحديث عن الأحكام العامة يعني بيان ماهية الشيء ومفهومه وكذا كل ما يخص الأركان والشروط ، ومن ثم سنعمل على تعريف الحيازة الإستحقاقية (المطلب الأول) ، وكذا وبيان أركانها وشروطها (المطلب الثاني) .
المطلب الأول : تعريف الحيازة الإستحقاقية
بإستقراء مختلف النصوص التشريعية التي تتناول الحيازةالإستحقاقية، نجد أن المشرع المغربي لم يتطرق إلى تعريفها بصفة مباشرة مما يتحتم معه البحث عن مفهومها لدى الفقه.
الحيازة لغة : الضم والسيطرة وفي الإصطلاح عرفها بعض الفقه بكونها: ” السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء منقولا كان أو عقارا أو على حق عيني مترتب على شيء شريطة أن لا تكون الأعمال التي تنم عن هذه السلطة أو السيطرة من قبيل الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح”.
و عرفها البعض الآخر بكونها ” وضع الإنسان يده على شيء و يبقى تحت تصرفه مدة من الزمن. و هي تكون سببا من أسباب الملكية بالنسبة للأشياء التي لا مالك لها.
و عرفها جانب آخر من الفقه بكونها ” سيطرة مادية لشخص على شيء يستعمله بصفته مالكا له، أو بصفته صاحب حق عيني على الشيء و قد لا تستند إليه مطلقا ، و قد تستند على حق و قد لا تستند عليه .
أما الإستحقاق فهو ثبوت الحق ووجوبه كقوله تعالى :(فإن عثر على أنهما استحقا إثما ) وفي الإصطلاح : فقد عرفه بعض الفقه بكونه: انتزاع الشيء من يد حائزه بظهور مالكه الحقيقي ، وعرفه ابن عرفة من المالكية بأنه : رفع ملك شيء بثبوت ملك قبله بغير عوض .
ومن ثم نقول وبالله التوفيق بكون الحيازة الإستحقاقية : هي السيطرة المشروعة ماديا ومعنويا بنية التملك ،لشخص أو أكثر على عقار غير محفظ أو منقول ، سواء كان مملوكا أو لا مالك له، وبعلم من صاحبه وبإذن من السلطة المحلية ضمن المدة المحددة والشروط المقررة ومع مراعاة الموانع المحددة بنص القانون .
من خلال مجمل هذه التعاريف نستنتج أن الحيازة الإستحقاقية قد ترد على منقول كما قد تشمل العقار، بالإضافة إلى كونها ممكنة الورود على حق عيني سواء كان واردا على منقول أو على عقار أيضا.
بالإضافة إلى أن الحيازة الإستحقاقية لا تكون سببا في انتقال الملكية او إكتسابها إلا بالنسبة للأشياء التي لا مالك لها، كالأرض الموات التي يتم إحياؤها، و بالتالي فإن الأرض التي سبق عليها ملك، و ليست مواتا، فإن حيازتها لا تنقل ملكيتها، و لا تكون سببا مباشرا في تملكها كما هو الرأي الراجح في الفقه الإسلامي .
المطلب الثاني : أركان وشروط الحيازة الإستحقاقية
سوف نقسم هذا المطلب إلى فقرتين ، الأولى للحديث عن أركان الحيازة الإستحقاقية والثانية للحديث عن شروطها .
الفقرة الأولى : أركان الحيازة الإستحقاقية
إن الحيازة المتطلبة لكسب الملكية لابد أن تستند إلى ركنين أساسيين : أحدهما مادي يتجلى فيما يسميه الفقه و القضاء بوضع اليد على الشيء، و الآخر معنوي يقصد به إكتساب الحق العيني، أي نية الحيازة سواء كانت حسنة (مشروعة) أو سيئة (غير مشروعة). ونجد أن الركن المعنوي قد تناولته نظريتان هما :
1-النظرية الشخصية بقيادة الفقيه الألماني سافنيه، ومفادها أن الحيازة القانونية التي تحدث آثارها القانونية هي التي تتوفر على العنصرين المادي والمعنوي معا ، فلا يكفي توفر الركن المادي فقط أي السيطرة المادية ولكن يجب توفر الركن المعنوي أي نية التملك وإضافة المحوز إلى الملك الخاص .
2-النظرية المادية بزعامة الفقيه الألماني اهرنج ، ويرى أصحاب هذا الإتجاه أن العنصر المادي في الحيازة يتضمن العنصر المعنوي بالضرورة ، أي أنه إذا كانت هناك نية للحيازة فهي توجد في الأعمال المادية التي يقوم بها الحائز لتحقيق سيطرته .
والرأي الراجح هو ما ذهبت إليه النظرية الشخصية أي لابد من توفر الركنين المادي والمعنوي حتى تتحقق الحيازة الفعلية وتنتج آثارها القانونية .
الفقرة الثانية : شروط الحيازة
سوف نتعرض في هذه الفقرة إلى الشروط المتطلبة في الحيازة الصحيحة وذلك من خلال زاويتين ، الفقه الإسلامي والقانون الوضعي ، وللإشارة فإن المشرع المغربي في صياغته مدونة الحقوق العينية ، وفي هذا المقام نخض الذكر عن الحيازة ، فإنما عمل على لملمة ماجاء به الفقه الإسلامي في هذا الباب ، والشروط المتطلبة للحيازة حسب المادة 240 من المدونة كالآتي :
أولا : وضع اليد
ومعناه أن يضع الحائز يده بوجه شرعي على العقار المحوز إذ يملك بذلك إحدى العناصر الهامة من عناصر الحيازة وهو العنصر المادي، ويجب أن يتم وضع اليد من طرف الشخص ذاته مدعي الملك لا من طرف غيره إذ تعتبر الحيازة التي يقوم بها الغير حيازة عرضية لا يمكن لصاحبها أن يمارس بمقتضاها حق التوجيه، ولا أن يرفع دعوى الملكية (الإستحقاق).
ووضع اليد بهذا المعنى يراد بها أيضا السيطرة الفعلية والسلطة الواقعية على العقار محل الحيازة المتنازع عليه، وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى تحت عدد 1019 ملف عقاري عدد 4978 -85 الصادر في 15-07-1986 أن : كل من سبقت يده على شيء لا يخرج من يده إلا بيقين ،وإن واضع اليد غير مكلف بإثبات شيء إذ إن وضع اليد مكلف بإثبات شيء إذ إن وضع اليد يعتبر حجة يجب أن يعارض بحجة أقوى .
ثانيا : تصرف الحائز
وحسب الأستاذ القدوري إن التصرف شيء زائد عن الحوز، إذ إنه مباشرة الحائز لمختلف أنواع التصرفات على الشيء المحوز، من استعمال واستغلال، وتمتع، وسائر التصرفات الأخرى التي يحق للمالك أن يجريها على ملكه.
وبهذا يكون تصرف الحائز في العقار المحوز ينم على نية تملكه لرقبة ذلك العقار، وظهوره بمظهر المالك الحقيقي والشرعي له.
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى بتاريخ 21-03-1967 : إن التصرف عام لا ينحصر في الحرث والغرس بل يشملهما وغيرهما من الرعي والحرف وغيرهما .
ثالثا : نسبة الحائز الملك لنفسه ونسبة الناس الملك إلى ذلك الحائز
بالإضافة إلى الشرطين السابقين يجب للقول بالحيازة الصحيحة أن ينسب الحائز الملك إلى نفسه وأن ينسبه الناس إليه أيضا، حيث يقول الحائز هذا “ملكي” هذا “حوزي”، ويقول الناس “ملك فلان” و “حوز فلان”.
وقد قرر المجلس الأعلى بهذا الصدد أن : “من عناصر الحيازة أن ينسب الحائز الشيء لنفسه وأن ينسبه الناس له”.
وبهذا يكون المجلس الأعلى ومعه غالبية الفقه قد اتجهوا إلى إقرار “شرط النسبة” ضمن الشروط الواجب توافرها في الحيازة للقول بصحتها.
وهذه النسبة احتاط القضاء كثيرا بشأنها، إذ أنهم لم يكتفوا بمجرد الإشهاد بالحيازة، بل استحدثوا شهادة تعرفا بعقد الإشهاد.
رابعا : عدم المنازعة أو المعارضة
لقد إحتاط الفقهاء كثيرا عند إقرارهم لشروط الحيازة لمسألة حفظ حقوق الغير، وعدم الإضرار بهم، لذا أقروا شرطا رابعا يتجلى في كون الحيازة تتصف بالهدوء والخلو من النزاع طيلة المدة المقررة قانونا لأن التصرف في الحيازة أو وضع اليد مع نسبة الملك إلى الحائز ولو استمرت إلى المدة المقرة، فإن طرأ أن حدث نزاع أو معارضة بشأن هذه الحيازة بالصفات السابقة فإن هذا النزاع يفسد التصرف ويبطل الحيازة، إذ غالبا ما يعتري عند النزاع شك في هذه الحيازة.
وجاء في قرار المجلس الأعلى الصادر في 08-09-1968 أنه : إذا اعتبرت المحكمة أن هناك نزاعا في التصرف أو التباسا في الحيازة وقررت عدم قبولها له تكون قد صادفت الصواب ، ولا تعتبر الحيازة خالية منأي نزاع إلا إذا كان لم ينازع المحوز عنه الحائز فيها وكان عالما حاضرا بالغا رشيدا لم يمنعه من القيام بها مانع لقول المتحف :
والمدعي إن أثبت النزاع مع خصيمه في مدة الحوز انتفع
وقـائـــم دون غيــبـة بعـــيدة حـــجـــته بـــاقــية مـفيـــــدة
خامسا : طول مدة الحيازة
لا بد للقول بالحيازة أطول مدة معينة منصوص عليها، بحسب العقار وبحسب الرابطة التي تربط مدعي الملكية ، وقد جاء في أحد قرارت المجلس الأعلى الصادر في 08-05-1968 : إن من شروط الحيازة أن تطول عشر سنين مع حضور المدعي وسكوته بلا مانع طول المدة المذكورة . وجاء في قرار آخر : إن الحيازة القاطعة في الفقه الإسلامي هي تقتضي التصرف بدون منازع مدة عشر سنوات إذا علم أصل الملك .
وقد قسم الفقهاء الحيازة من حيث مدخل الحائز إلى نوعين :
-حيازة ماجهل أصله :وهو أن يكون أصل الملك غير معروف لا للمدعي ولا لغيره كالأراضي الموات ،ونجد في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 17-05-2001 أن : الإحياء الذي يؤدي إلى الملكية هو الذي يكون محله أرضا غير مملوكة …….، وقرر الفقهاء أن مدته 10 أشهر فقط لقول صاحب العمل الفاسي :
وحوز ماجــهل أصله كفى عشرة أشهر والعــام في
تصرف المالك والنسبة مع يد ولا متنازع طول وقع
هذا إذا توفــرت فــــــيشهد عالمها بملـك من له الــيد
-حيازة ما عرف أصله :أن يكون أصل التملك معروفا للمدعي أو لموروثه وانتقل من يده إلى يد الحائز ، وسنفصل الحديث فيها أدناه.
سادسا : عدم التفويت
من شروط الحيازة أن تتضمن الشهادة بها أن الحائز لم يفوت المال المحوز برضاه، ولا أن ذلك الملك لم يفوت عليه بسبب التملك، أي أن يتوفى على سبب ناقل للملك، من شراء وهبة أو أي سبب ناقل للملكية، ولا تكفيه مجرد الحيازة المادية، وقد أخذ المجلس الأعلى بهذه القاعدة وأقرها “حق تملك الأجنبي غير المواطن المغربي، للعقار بالمغرب إنما يكون بطريق الشراء فقط”.
وأضاف في قرار آخر له أن تملك الأجنبي بالإضافة إلى شرط إستناده على التوفيت، يجب أن يكون تملكه “بإذن من الدولة المغربية، ولذلك فإن حيازته عقارا داخل المغرب لا تكسبه ملكيته ولو طالت ما دمت غير مقرونة بالشراء والترخيص من الجهة المختصة”، وهذا ما أكدته المادة 239 من مدونة الحقوق العينية في فقرتها الثانية .
وخلاصة القول ، فإنه يلزم لتحقق الحيازة الإستحقاقية توفر العنصر المادي والمعنوي بالإضافة إلى الشروط الستة التي عددتها المادة 240 من مدونة الحقوق العينية ، وذلك يجعلنا نتساءل عن الأحكام الخاصة للحيازة الإستحقاقية ؟
المحور الثاني: الأحكام الخاصة بالحيازة الإستحقاقية
إن الحديث عن الاحكام الخاصة للحيازة يقتضي أن ندع الخوض في الضواحي والدخول في صلب الموضوع ، وارتأينا في هذا المقام أن نخصص هذا المبحث للخوض في كيفية كسب الحيازة (المطلب الأول ) و صفتها (المطلب الثاني ) وكذا انتقالها (المطلب الثالث) وفي الأخير الحديث عن انقضائها (المطلب الرابع ).
المطلب الأول : اكتساب الحيازة
تكتسب الحيازة عن طريق السيطرة الفعلية على الشيء وداخل مدة معينة، فإذا حاز شخص أجنبي غير شريك ملكا حيازة مستوفية لشروطها واستمرت دون انقطاع عشر سنوات كاملة والقائم حاضر عالم ساكت بلا مانع ولا عذر فانه يكتسب بحيازته ملكية العقار (م 250)،وتكون مدة الحيازة بين الاقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة 40 سنة، و10 سنوات اذا كان فيما بينهم عداوة (م 251).
فالحيازة الإستحقاقية سيطرة فعلية من الشخص بنفسه على شيء أو حق يجوز التعامل فيه متى كان يحوز هذا الشيء أو الحق لحساب نفسه لا لحساب غيره.
والحيازة ضد الأصول والفروع لا يحتج بها مهما طالت مدتها ،وإلى ذلك أشار الشيخ خليل بقوله : لابين أب وابنه وإلا كهبة إلا أن يطول معه أمد تهلك فيه البينات وبتقطع العلم وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى صادر بتاريخ 1-11-1988 على أنه : إن الحيازة التي لاتعتبر أصلا هي الحيازة التي تكون بين الأب وابنه أما بن الأقارب الآخرين فهي عاملة . وهذا ما أكدته المادة 255 من م ح ع.
والحيازة قد تنتقل من الحائز الى غيره إما بناء على نص القانون كالوارث فإن حيازة المورث للشيء أو الحق تنتقل الى الوارث بصفتها بعد موت المورث وانتقال الحيازة هنا تتم بحكم القانون كما يصح أن تنتقل الحيازة عن طريق الإتفاق بين الحائز ومن تنتقل إليه الحيازة إذا باع الحائز الشيء الذي بحوزته وسلمه الى المشتري فإنه بمقتضى عقد البيع وتسليم المبيع تنتقل حيازة الشيء من البائع إلى المشتري, كما يصح أن تنتقل الحيازة بالإرادة المنفردة, كما إذا أوصى شخص لآخر بشيء معين فإذا مات الموصي قبل الموصى له تنتقل حيازة الشيء الى الموصى له ، وهذا ما تؤكده المادة 247 من مدونة الحقوق العينية .
المطلب الثاني : صفة الحيازة الإستحقاقية
تبقى الحيازة محتفظة بصفتها التي بدأت بها وقت كسبها ما لم يقم دليل على عكس ذلك فوفقا لذلك تظل الحيازة محتفظة بالصفة التي بدأت بها أي وقت السيطرة الفعلية على الشيء أو الحق من قبل الحائز ما لم يثبت تغيير صفة الحيازة، وتتلخص هذه الصفات فيما يلي :
1-أن تكون الحيازة هادئة
2- أن تكون الحيازة علنية
3- أن تكون الحيازة مستمرة غير منقطعة
4- أن تكون الحيازة خالية من الإلتباس
كما أن الحيازة إن كانت مشوبة بعيب الإكراه وقت بدايتها, كأن يكون الحائز قد انتزع الشيء الذي حازه بالقوة من الحائز السابق فتظل الحيازة محتفظة بهذه الصفة . ولا يرتب القانون أثرا على هذه الحيازة إلا إذا أثبت الحائز زوال صفة الإكراه وفي هذه الحالة يمكن للحيازة أن ترتب آثارها, وهذا ما أكده المشرع المغربي من خلال نص المادة 245 من مدونة الحقوق العينية .
وبصفة عامة فإن المادة 241 من مدونة الحقوق العينية نصت على أنه: لا تقوم الحيازة إذا بنيت على عمل غير مشروع.
المطلب الثالث : انتقال الحيازة الإستحقاقية
أولا- انتقال الحيازة بصفتها الى الخلف العام:
تنتقل الحيازة بصفتها إلى الخلف العام ويقصد بالخلف العام هو من يحل محل السلف بسبب موت السلف إما في كل أمواله أو في جزء شائع من أمواله, ويعد خلفا عاما طبقا لهذا المفهوم كل من الوارث متى مات الموروث في كل أمواله أاو في جزء شائع من أمواله كما يعد خلفا عاما الموصى له بجزء شائع في التركة متى مات الموصى وقبل الموصى له، وهو نفس ما ذهبت إليه الفقرة الثانية من المادة 247 من مدونة الحقوق العينية .
و إذا كانت حيازة السلف خالية من عيوب الحيازة وكانت حيازته بحسن نية ، فإن حيازة السلف تنتقل إلى الخلف العام بهذه الصفة لأن حيازة الخلف امتداد لحيازة السلف.
أما اذا كانت حيازة معيبة بالإكراه ،فإن حيازة السلف تنتقل إلى الخلف العام وهي محملة بهذه العيوب لأن الخلف العام لا تنشأ له حيازة جديدة مستقلة عن حيازة السلف وإنما الخلف العام يكتسب الحيازة عن طريق انتقالها إاليه من السلف عن طريق الميراث أو الوصية بحصة شائعة في التركة فحيازة الخلف العام ما هي إلا امتداد لحيازة السلف، فإذا كانت حيازة السلف معيبة فتظل الحيازة معيبة بعد انتقالها الى الخلف العام بنفس العيوب السابقة على الانتقال،وإذا كان السلف سيء النية فإن حيازته تنتقل الى خلفه العام بهذا الوصف.
ثانيا- ضم مدة حيازة السلف الى الخلف العام:
لقد أوضحنا فيما سبق أن حيازة السلف تنتقل الى الخلف العام بصفتها , فإذا كانت حيازة السلف موصوفة بمدة معينة فإن هذه المدة يستفيد منها الخلف العام ، حيث يتم ضم المدتين إلى بعضهما وتحسب مدة الحيازة كاملة حسب المادة 254 من مدونة الحقوق العينية .
ثالثا- حيازة الخلف الخاص:
الخلف الخاص هو من يحل محل السلف في حيازة عين معينة بالذات فالمشتري يعد خلفا خاصا للبائع.
وتنتقل الحيازة من السلف الى الخلف الخاص عن طريق التسليم ، والخلف الخاص بمجرد تسلمه الشيء من سلفه يبدأ الخلف الخاص يمارس على هذا الشيء حيازته, وتعتبر حيازة الخلف الخاص امتدادا في المدة لحيازة السلف، وذلك حسب المادة 253 من م ح ع
، فإذا كان السلف سبق وأن حاز الشيء الذي انتقلت حيازته للخلف الخاص مدة عشر سنوات مثلا يمكن للخلف الخاص أن يضم هذه المدة الى مدة حيازته وذلك في الحيازة الإستحقاقية ، مع ملاحظة أن حيازة المستأجر والمنتفع والمودع اليه والمستعير أو ورثتهم لا تؤدي إلى كسب الملكية بمرور الزمان مهما طالت مدة حيازتهم لان هذا النوع من الحيازة لا تقوم الحيازة فيه على قرينة الملكية,إذ يفند هذه القرينة سند الحيازة ذاته.
المطلب الرابع : انقضاء الحيازة الإستحقاقية
تزول الحيازة إذا تخلى الحائز عن سيطرته الفعلية على الشيء ماديا ومعنويا أو فقدها بأي طريقة أخرى ، وتعرف الحيازة بأنها هي السيطرة الفعلية من شخص على شيء ،وأن الشخص يباشر السيطرة الفعلية على الشيء لحساب نفسه، بمعنى أن يتوفر في الحيازة وفقا للمعيار المادي السيطرة الفعلية، وأن يتوفر لدى الشخص الذي يباشر السيطرة الفعلية نية الحيازة لحساب نفسه. ونجد أن المادة 257 قد جعلت مدة الحيازة تنقطع في الأحوال التالية :
1- إذا فقد الحائز حيازته على أو تخلى عنها .
2-إذا رفعت دعوى ضد الحائز ، وفي هذه الحالة لا يكون للإنقطاع أثر إذا رفضت المحكمة دعوى المدعي موضوعا أو وقع التنازل عنها .
3-إذا أقر الحائز بصحة دعوى المحوز عليه .
وقد أضافت المادة 258 من نفس المدونة أن مدة الحيازة الجديدة تبتدئ من تاريخ زوال أحد الأسباب المشار إليها أعلاه وفي حالة كان الانقطاع ناتجا عنها .
خاتمة :
وحاصل القول ، فإن أحكام الحيازة الإستحقاقية متشعبة ويصعب الإحاطة بها في عرض أو بحث ،وقد حاولنا من خلال هذا العرض التطرق لأهم هذه الأحكام والقواعد ، ونجد أن المشرع المغربي في صياغته لمدونة الحقوق العينية ، وخاصة أحكام الحيازة الإستحقاقية، قد حاول تجميع ولملمة شتات هذه الأحكام المتناثرة ضمن كتب الفقه الإسلامي وخاصة فقه الإمام مالك ،كما أنه من خلال الإطلاع على هذه المواد نجد المشرع قد عمل على تقديم ضمانات لحماية الحائز من أي اعتداء من جهة ، والمحوز عليه من جهة ثانية .
اترك تعليقاً